توثيق فضائي لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكبريت إثر انفجار بركان “هايلي غوبي” بإثيوبيا

تعتبر مراقبة النشاط البركاني أمرًا بالغ الأهمية لحماية المجتمعات المحيطة والتنبؤ بالكوارث الطبيعية. مؤخرًا، رصدت الأقمار الصناعية انبعاثات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكبريت (SO2) عقب انفجار بركان “هايلي غوبي” في إثيوبيا، مما أثار اهتمامًا دوليًا وأعطى دفعة جديدة لأبحاث انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وتأثيرها على المناخ. هذه الظاهرة ليست مجرد حدث جيولوجي، بل لها تبعات واسعة النطاق على جودة الهواء والمناخ العالمي.
بركان “هايلي غوبي” والانفجار الأخير
يقع بركان “هايلي غوبي” في منطقة أفار بإثيوبيا، وهي منطقة معروفة بنشاطها البركاني والجيولوجي. شهد البركان سلسلة من الانفجارات الصغيرة على مر السنين، ولكن الانفجار الأخير كان أكثر قوة، مما أدى إلى إطلاق كميات ملحوظة من الرماد والغازات، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكبريت.
طبيعة الانفجار وتأثيره المباشر
الانفجار لم يكن من النوع الانفجاري للغاية الذي ينتج عنه تدفقات بركانية مدمرة، بل كان عبارة عن انبعاثات غازية ورماد صعدت إلى الغلاف الجوي. ومع ذلك، فإن كمية الغازات المنبعثة، خاصةً ثاني أكسيد الكبريت، كانت كافية لإثارة القلق. تأثرت المجتمعات المحلية بشكل رئيسي بتساقط الرماد، الذي يمكن أن يسبب مشاكل في الجهاز التنفسي ويؤثر على الزراعة.
رصد انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت من الفضاء
أتاحت التكنولوجيا الفضائية الحديثة مراقبة انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت بدقة غير مسبوقة. تستخدم الأقمار الصناعية أجهزة استشعار متخصصة قادرة على اكتشاف تركيزات غاز SO2 في الغلاف الجوي، حتى من ارتفاعات عالية.
الأدوات الفضائية المستخدمة في الرصد
تعتمد وكالات الفضاء والباحثون على أدوات مثل جهاز TROPOMI الموجود على متن القمر الصناعي Sentinel-5P التابع لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA). هذا الجهاز قادر على رسم خرائط عالمية لغازات الغلاف الجوي، بما في ذلك ثاني أكسيد الكبريت، بدقة عالية. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم بيانات من أقمار صناعية أخرى مثل تلك التابعة لإدارة الطيران والفضاء الأمريكية (NASA) لتقديم صورة أكثر اكتمالاً.
تأثير انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت على المناخ وجودة الهواء
غاز ثاني أكسيد الكبريت له تأثيرات متعددة على البيئة. في الغلاف الجوي، يتأكسد SO2 ليتحول إلى حمض الكبريتيك، والذي يساهم في تكون الأمطار الحمضية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشكل جزيئات الكبريتات الناتجة عن أكسدة SO2 سحبًا عاكسة للضوء، مما يؤدي إلى تبريد مؤقت للغلاف الجوي. هذا التأثير، على الرغم من كونه مؤقتًا، يمكن أن يكون له تأثير ملحوظ على الطقس والمناخ.
العلاقة بين الانبعاثات والأمطار الحمضية
الأمطار الحمضية الناتجة عن انبعاثات SO2 يمكن أن تضر بالنباتات والحيوانات والمباني. كما أنها يمكن أن تؤثر على جودة المياه في الأنهار والبحيرات. في المناطق المحيطة ببركان “هايلي غوبي”، من المتوقع أن تشهد زيادة في مستويات حموضة التربة والمياه.
تأثير الجسيمات على الإشعاع الشمسي
الجسيمات العاكسة للضوء التي تتكون من SO2 يمكن أن تقلل من كمية الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض. هذا التأثير يمكن أن يؤدي إلى تبريد مؤقت في المناطق المتضررة، ولكن يجب الانتباه إلى أن هذا التبريد لا يعوض بشكل كامل عن الاحتباس الحراري الناتج عن انبعاثات الغازات الدفيئة الأخرى. دراسة تأثير البراكين على المناخ أمر بالغ الأهمية لفهم التغيرات المناخية العالمية.
التحديات والفرص في رصد الانبعاثات البركانية
على الرغم من التقدم الكبير في تكنولوجيا الرصد الفضائي، لا تزال هناك تحديات. أحد هذه التحديات هو التمييز بين الانبعاثات البركانية والانبعاثات الناتجة عن الأنشطة البشرية، مثل حرق الوقود الأحفوري.
تطوير نماذج تنبؤية دقيقة
يتطلب التنبؤ بتأثير الانبعاثات البركانية على المناخ نماذج تنبؤية دقيقة تأخذ في الاعتبار عوامل متعددة، بما في ذلك كمية الغازات المنبعثة، وارتفاع الانبعاثات، والظروف الجوية. الاستثمار في تطوير هذه النماذج أمر ضروري لتحسين قدرتنا على الاستعداد للكوارث الطبيعية والتخفيف من آثارها.
التعاون الدولي وتبادل البيانات
التعاون الدولي وتبادل البيانات بين وكالات الفضاء والباحثين أمر بالغ الأهمية لرصد الانبعاثات البركانية بشكل فعال. من خلال العمل معًا، يمكننا بناء شبكة عالمية من أجهزة الاستشعار والمراقبة توفر بيانات في الوقت الفعلي تساعدنا على فهم أفضل للعمليات البركانية وتأثيرها على البيئة. كما أن فهم النشاط البركاني في أفريقيا بشكل عام يتطلب جهودًا مشتركة.
في الختام، يمثل رصد انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت من بركان “هايلي غوبي” مثالًا حيًا على أهمية التكنولوجيا الفضائية في مراقبة الكوارث الطبيعية وفهم تأثيرها على المناخ. من خلال الاستمرار في تطوير أدوات الرصد والنماذج التنبؤية، وتعزيز التعاون الدولي، يمكننا حماية المجتمعات المعرضة للخطر والتخفيف من آثار الانبعاثات البركانية على البيئة العالمية. ندعوكم لمشاركة هذا المقال مع المهتمين بالجيولوجيا والبيئة، ولمتابعة آخر التطورات في مجال رصد البراكين.

