اخبار الخليج
حتى لا تصبح سوريا لبناناً آخر
من أغرب المفارقات أن سوريا البلد الذي مزّقته ودمّرته الحرب الأهلية منذ عقد مستوى الخدمات فيه التي يحصل عليها المواطن السوري حتى بالمناطق التي خارج سيطرة السلطة هي أفضل من تلك التي يحصل عليها المواطن اللبناني في بلده مثل الكهرباء والقدرة على سحب ودائعه البنكية، فلبنان من البلدان التي وصلت لتصنيف «الدولة الفاشلة» لفشلها في توفير الخدمات الأساسية للمواطن، وسبب تعثر قيام الدولة بالتزاماتها ومسؤولياتها هو تبعات التسويات التي حصلت في أعقاب الحرب الأهلية، وهذه عبرة بالغة الأهمية بالنسبة للدول التي تقدم الدعم والمساعدات الاقتصادية والاستراتيجية لسوريا مقابل أن يكون لها تأثير على مسار الأحداث السياسية وإنهاء الحرب لتجنّب ما أوصل لبنان إلى الحال المزري الذي وصل إليه، مع العلم أن الإنسان اللبناني حيثما كان في العالم يحقق أقصى درجات النجاح، ولا توجد جنسية عربية كان منها رؤساء دول وكبار المسؤولين في دول أجنبية أكثر من لبنان، أي أن القصور والخلل ليس في تركيبة الإنسان اللبناني ولا في الثقافة اللبنانية، إنما في البنية السياسية التي نتجت عن التسويات المشخصنة التي حصلت في أعقاب الحرب الأهلية، وتكرار ذات السيناريو في سوريا يعني وإن توقفت كل الأعمال العسكرية وحصلت مصالحة ستبقى الهجرة الجماعية مستمرة بسبب فشل الدولة، فالدولة يجب أن لا تكون رهينة للأهواء الشخصية والمساومات والألاعيب السياسية كما هو حاصل في لبنان، فالدول الناجحة يديرها التكنوقراط أي الخبراء والمتخصصين والكفاءات العلمية وهذا سر تقدم واستقرار ورفاه الدول الصناعية، بينما الدول الفاشلة تدار بشكل عشوائي مشخصن بمعزل عن التكنوقراط، والإنسان عندما يفتقر إلى أساسيات الحياة الكريمة في بلده يفقد انتماءه إليه وتصبح لديه قابلية لكل أنواع الظواهر السلبية من الارتهان للقوى الخارجية إلى الإرهاب، ولذا أي نوع من التسويات التي يمكن أن تحصل في سوريا لإنهاء الحرب الأهلية يجب أن تتجنّب جعل الدولة كعكة تقسّم بين القوى التي ستتوافق على إنهاء الحرب ترضية لهم، وهذا بالطبع سيحصل على أساس طائفي، أما لبنان فلا أمل ولا حل له سوى بصعود طبقة سياسية جديدة من فئة التكنوقراط لتتولى إدارة الدولة وفق حسابات المصلحة العامة للشعب وليس المساومات السياسية، وليحصل هذا يجب أن يتحرر الوعي العام للشعب من فيروس الطائفية ويتوحّد على ما يحقق المصلحة العامة، والدول الداعمة للبنان مالياً وسياسياً يمكنها أن تساعد في هذا التحول بربط الدعم بحصول إصلاحات ومكافحة الفساد وتغيير الطبقة السياسية وإحلالها بطبقة تكنوقراط، وذات الأمر ينطبق على العراق، فلا يوجد شيء يمكنه إصلاح وضع الدولة الفاشلة طالما الدولة تدار من منطلق التحزبات الطائفية، وعندما يتحرر الشعب من فيروس الطائفية سيرى السياسي أنه ما عاد مربحاً بالنسبة له اللعب على وتر العصبيات الطائفية والاستقواء بالقوى الخارجية وسيتم إجباره عندها على الحصول على رضا الشعب ليس بالشعارات الطائفية إنما بالإنجازات العملية على الأرض في خدمة ورفاه الشعب، ولذا الذي يتذمر من فشل حكومته في توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء ثم يدعم السياسي المسؤول عن هذا الفشل فقط من منطلق العصبيات الطائفية يجب أن لا يلوم إلا نفسه، ولن يستقر العالم العربي ويتخلص من الإرهاب والتطرف والجريمة والفساد والحروب الأهلية والهجرة الجماعية للعقول والهجرة غير الشرعية ومآسيها إلا بتحسن الأوضاع الاقتصادية وجودة الحياة، واشتراطات ومعالجات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقروضه تجعل الأمور أسوأ بسبب تجاهلها للتبعات على الإنسان العادي البسيط، وعدم ربط القروض بإصلاحات جذرية تكون لصالح الشعب وليس لصالح رأس المال الأجنبي.