حق الأحفاد في الميراث ودلالة كلمة «ولد»
لا أنوي الدخول في تفاصيل الميراث وطرق توزيعه لأنها أشبعت بحثاً وتوضيحاً.
الحالة التي سأطرحها بلا شك طرحت من قبل، إلا أنني لم أجد لذلك الطرح أثراً في الواقع، إذ إن هناك شبه إجماع على أن الأحفاد الذين مات أبوهم قبل الجد لا يرثون، وهناك من يرى الوصية لهم بما لا يتعدى الثلث. وهذا الرأي قد لا يحقق ما تقرره الآيات التي سنعرضها من إنصاف اليتامى والعمل بمقتضى توصية الله باليتامى، لهذا قررت أن أتناولها بشيء من التفصيل وهي:
حق الأحفاد في الميراث كحقٍ مفروض في تركة جدهم/جدتهم إن كان والدهم/والدتهم ميتاً قبل موت المُوَرِّث (الجد/الجدة).
مفتاحان أساسيّان في هذا الموضوع.
المفتاح الأول هي كلمة «ولد»
آياتٌ كثيرة في الميراث ذكرت «ولد» في حالتَي الإثبات والنفي.
نستعرض تباعاً بعض هذه الآيات التي ورد فيها لفظ «ولد» ثم نوضح دلالاتها.
قال تعالى:
«وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ» النساء11.
«وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ» النساء 12.
«يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ» النساء 176.
فماذا تعني كلمة «ولد» التي وردت في تلك الآيات وغيرها من آيات الميراث؟
للأسف حُصرت دلالة «ولد» عند الفقهاء في أبناء وبنات الصُّلب المباشرين حصراً دون أولادهم (الأحفاد)، وسندرك غرابة ذلك الحصر عندما ندرك دلالة كلمة «ولد» في لغة القرآن.
فكلمة «ولد» في اللغة العربية كلمة عامة شاملة، تشمل الأبناء والأحفاد والذكر والأنثى والمفرد والجمع.
أما دلالتها على الأبناء ففي قوله تعالى «قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ» آل عمران 47.
كما تظهر دلالتها على الأحفاد في قول الرسول ﷺ «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» مسلم 2278.
كما أن كلمة «ولد» تشمل الذكر والأنثى،
قال تعالى: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ»الأنبياء 26، جاء ذلك في الرد على ادعاء المشركين بأن الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وقال سبحانه: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ» البقرة 233. ومعلوم أن الرضاعة تكون للذكر والأنثى من الأولاد.
لهذا عندما يشير القرآن إلى جنس الوارث يستخدم الذكر والأنثى أو نساء ورجالاً، قال تعالى: «وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» النساء 176.
كذلك تشمل كلمة «ولد» المفرد والجمع،
جاءت كلمة «ولد» للدلالة على المفرد في الآية «قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ» آل عمران 47.
وجاءت كلمة «ولد» للدلالة على الجمع في الآية «أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا» مريم77.
بهذا ندرك أن الحفيد «ولد» تشمله الآية (إن كان له ولد) بكل أحكامها.
المفتاح الثاني «اليتامى»
معلوم أن آيات المواريث محصورة في سورة النساء دون غيرها من السور.
وقد وردت كلمة «اليتامى» في سورة النساء في ستِّ آيات، وهو أكثر ذكر لليتامى من أية سورة أخرى في القرآن. لا شك أن لذكر اليتامى وتخلله آيات الميراث دلالات مهمة لا يمكن إغفالها.
في قوله تعالى «وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ» النساء 2.
وفي قوله سبحان «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا» النساء 6.
وقوله سبحانه «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا»النساء 10.
ولليتامى وضعٌ خاصٌ في الميراث حتى وإن لم يكونوا من الورثة قال تعالى «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا» النساء 8
أوصى الله بإعطاء اليتامى وذوي القربى من الميراث وهم ليسوا من الورثة، فكيف يُحرَم الأحفاد من الميراث وقد جمعوا بين كونهم يتامى وكونهم أولي قُربى وأهم من ذلك أنهم من ولد المُورِّث؟
كما أن اليتامى بصيغة المفرد والجمع وردت في القرآن 24 مرة.
بعد أن وضَّحتُ المقصود بكلمة «ولد» وبيّنت حق الأيتام بالتركة الذي أمرنا الله بأدائه لهم أعرض للتطبيق العملي لهما.
الواقع المعمول به مبني على فهم أن كلمة «ولد» التي وردت في الآيات «فإن لم يكن له ولد» وكذلك «ليس له ولد» تعني الابن أو البنت المباشرين وحصره فيهما دون أبنائهم وأحفادهم. لهذا عندما يموت الرجل أو المرأة ولهم أحفاد أيتام فإن هؤلاء الأحفاد الأيتام يحرمون من الإرث إن كان والدهم/ والدتهم مات قبل موت المُورِّث إلا في استثناءات قليلة مشروطة لدى بعض المذاهب.
هذا الفهم مخالف لدلالة الكلمة «ولد» التي بيّناها أعلاه كما جاءت في القرآن وكما يفهمها علماء اللغة العربية.
أما إذا أخذنا في الاعتبار دلالة كلمة «ولد» وأنها لا تقف عند الابن أو البنت المباشرين من الصلب فقط، بل تمتد لأبنائهم وأحفادهم، كان لذلك أثره في شمل الأحفاد بالتركة برغم موت والدهم/ والدتهم قبل موت المُورِّث.
لهذا في حالة التركة ينظر لوضع أولاد المُورِّث بمن فيهم الأحفاد وأبناء الأحفاد (الأيتام) قبل توزيع الإرث.
فمن كان حياً من الولد حجب التركة عمّن دونه من أولاده هو وأحفاده.
وأما إن كان من أبناء أو بنات المُورِّث أحدٌ مات قبل المُورِّث فينظر في حالهم.
إن لم يكن لهم أبناء ولا أحفاد فلا نصيب لهم في الميراث.
وأما إن كان لهم ولد (ذكر أو أنثى أو ابن أوحفيد) فلهم حق والدهم في الميراث كما لو كان والدهم حياً وقت توزيع التركة.
ويكون توزيع الإرث بين الأحفاد المستحقين بذات آلية توزيع الإرث كما لو أن أباهم هو من ورّثهم.
أؤكد مجدداً أن طرحي للموضوع غرضه تحفيز الدراسات الشرعية حول حق الأحفاد في الميراث.
وأهيب بالجامعات والمجامع الفقهية أن تولي موضوع توريث الأحفاد الذين مات والدهم قبل موت المورِّث شيئاً من اهتمامها.
كما أرجو ممن يرغب في الرد أو التعليق على الموضوع أن يتناول الموضوع من خلال الدلالات أعلاه.
قال تعالى:
«ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر» القمر 22.
وقال سبحانه «إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» الزخرف 3.
وبالله التوفيق.