شبيهك في العمل.. نعمة أم نقمة؟
تخيّل معي أنك دخلت متجرًا لشراء شيءٍ ما، ولديك سؤال حول منتجات المتجر، وأمامك بائعان أحدهما عربي والثاني من جنسية مختلفة ويتحدث الإنجليزية بشكل جيد مثلك. مَن ستختار لطرح سؤالك عليه؟ أتوقع أنك ستجيب بأنك ستسأل البائع العربي. مثال آخر، تخيل أنك انتقلت إلى سكن جديد، وقابلت عددًا من الجيران في الحي. وبعد عدد من اللقاءات معهم، وجدت أن أحدهم يتفق معك في الكثير مما ناقشت من آراء، ويؤيدك في العديد مما طرحت من أفكار. فهل تشعر برغبتك في استمرار التعامل مع هذا الجار؟ أتوقع بأنك ستجيب بنعم، لأنه الإنسان ينجذب فطريًا للتواصل مع من يشبهه في اللغة ويتوافق معه في الرأي وينسجم معه في الفكر، وذلك للتواصل الفعّال والتفاهم السريع والشعور بالراحة وهذا سلوك سليم.
لكن من غير السليم أن يُقيم الشخص الآخرين إيجابيًا بناءً على التشابه فيما بينهم فحسب. ففي بيئة العمل، نجد أن بعض المديرين يميلون إلى التقييم الإيجابي للموظفين الذين يشبهونهم في بعض الجوانب السطحية، مثل: التحصيل العلمي، والسن، والجنسية، والمظهر، أو في الجوانب العميقة، مثل: القيم، والمعقتدات، والعادات، والتفضيلات. ويمنحهم تقديرات أعلى ويوليهم ثقة أكبر، متأثرين بما يُعرف علميًا بـ«التحيّز الإدراكي للشبيه» (Similarity Bias)، وهذا التحيز يُعد خللًا في الإدراك الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، سمعتُ مديرًا يشيد بموظف يتشارك معه في نفس المستوى التعليمي والتقارب العمري ويفوض إليه مهام خاصة، متجاهلًا وجود موظفين آخرين يتمتعون بتحصيل علمي أعلى وخبرات أوسع، مما يؤثر سلبًا على المنظمة والموظفين. فما هي تلك التداعيات السلبية لهذا التحيز؟
يمكن أن يؤثر التحيّز الإدراكي للشبيه بشكل سلبي على المنظمة بعدة طرق، منها: 1. انخفاض الأداء العام للمنظمة بسبب انخفاض أداء الموظفين الذين لم يحظوا بالتشابه مع مديرهم. 2. تخلق بيئة عمل غير عادلة، حيث يحصل بعض الموظفين على مزايا بناءً على صفاتهم المشتركة مع مديرهم بدلاً من أدائهم الفعلي. 3. تجاهل أو تقليل قيمة الموظفين الذين يختلفون عن مديرهم، مما يؤدي إلى فقدان مواهب قيّمة وكفاءات جيدة. لذلك، من المهم أن تتبنى المنظمات سياسات وتضع معايير وتنفذ آليات للتقييم الموضوعي الذي يعتمد على الأداء الفعلي وليس على الاعتبارات الشخصية.
إيجازًا لما سبق، في هذا المقال نكتشف سويًا أن ميل البشر طبيعي للتواصل مع من يشبهونهم كسلاح ذي حدين، فنحن مدفوعون فطريًا للميل نحو التعامل مع من في عمرنا ويشاركنا نفس قيمنا وذلك للتواصل الفعّال والتفاهم السريع والشعور بالراحة. إلا أن هذا قد يتحول من التعامل مع الشبيه إلى تقييمه إيجابيًا، والذي يُهدد الإنجاز والعدالة والتقدير في حياتنا اليومية، لا سيما في بيئة العمل. لعلاج ذلك، يتم وضع معايير محددة كالأداء والكفاءة لتقييم الموظفين بدلًا من استخدام الاعتبارات الشخصية أو الجوانب المشتركة كمعيار. أخيرًا، التعامل مع الشبيه سلوك صحيح، والتقييم الإيجابي للشبيه سلوك غير سليم.