عدالة التوظيف والمستجير بـ«ضمير» الذكاء الاصطناعي
في نيويورك، تم إقرار قانون يجيز استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف منذ أيام، ومن المؤكد أن هذا القانون لن يتوقف عند نيويورك، فهل بدأ إسدال الستار على منظومة المعايير والقيم التي سادت عقوداً تنتظم منطلقات الموارد البشرية وأسس التوظيف على اختلاف مستوياته ومجالاته؟ وهل سينتهي الدور البشري في عملية التوظيف وإدارة الموارد البشرية، أم أن الذكاء الاصطناعي سيبقى مساعداً لإدارات الموارد البشرية؟ هل سيقتصر دور الذكاء الاصطناعي على عمليات التقييم، أم سيتجاوز ذلك إلى طلب السير الذاتية وتحليلها وفرزها والقيام بعمليات تتبع الموظفين المتقدمين للعمل؟ وهل يسند للذكاء الاصطناعي في عمليات التوظيف القيام بإعادة تعريف طبيعة الأعمال والمهن ومستوياتها ومقابلها المالي، والأهم من كل ذلك هل سيقوم الذكاء الاصطناعي بإعادة توظيف الموظفين الحاليين والذين هم على رأس العمل؟
وهل سيكون من مصلحة سوق العمل السعودي أن يناط التوظيف إلى الذكاء الاصطناعي؟ وهل من مصلحة سوق العمل أن يسند للذكاء الاصطناعي القيام بإعادة التوظيف أي مراجعة وإخضاع الموظفين الحاليين لـ«ضمير» الذكاء الاصطناعي؟ ما القيمة المضافة التي يضيفها الذكاء الاصطناعي لسوق العمل السعودي في حالة التوظيف وإعادة التوظيف عن طريق الذكاء الاصطناعي؟
في تصوري أن سوق العمل السعودي مر بمحطات ثلاث خلال العقود الأخيرة، كل محطة من تلك المحطات الثلاث أحدثت تغييراً استناداً لمفاهيم كل محطة من تلك المحطات. وقد ينجح الذكاء الاصطناعي في «إعادة التوظيف» للسوق السعودي أكثر من نجاحه في «التوظيف» نفسه، لأن سوق العمل السعودي مر بثلاث محطات خلال العقدين الماضيين راكمت فجوات بين القطاعات المتماثلة وأوجدت فجوات من المفاهيم بين القطاعين العام والخاص، وهذا انعكس على الأداء والمرتبات وتكافؤ الفرص، وهذا قد يتطلب استدعاء «ضمير الذكاء الاصطناعي» لتحقيق معايير أعلى في الكفاءة والأداء والإنتاجية، وبالتالي تحقيق المزيد من العدالة في تكافؤ الفرص أمام الموظفين وتقييم منتجاتهم.
لكني بالرغم من ذلك ومن الناحية العملية أرى تأجيل الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في إعادة التوظيف ريثما يتم تقييم ودراسة مخرجات التوظيف عن طريق الذكاء الاصطناعي والتجارب في هذا المجال.
من المهم ألا يأتي الأخذ بالذكاء الاصطناعي في التوظيف أو إعادة التوظيف على حساب ذاكرة المؤسسات، ويجب أن يتم التوقف عن تفريغ المؤسسات من عقولها وخبراتها، فلكل المواطنين الحق بالحصول على العمل المناسب دون تمييز وعلى قدم المساواة، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا الحق لا يجب أن يكون على حساب ذاكرة المؤسسات وألا يؤدي لتفريغ المؤسسات والأجهزة المختلفة من عقولها وخبراتها وذاكرتها.