عن إشكالية «القيم» في السلوك السياسي.. !
وهي، في الغالب، صفة مكتسبة، ومرتبطة بنفسية الإنسان، وبمشاعره وميوله. وهي ذات منطق جدلي بين الناس، لأن معظمها قد يحتمل الحق، ويحتمل الباطل، في آنٍ واحد. وغالبا ما تكون (بضم التاء) عبر الأديان، والاقتناع الذاتي لكل شخص. فمصادرها الرئيسة هي الأديان، وإعمال العقل، والبيئة الاجتماعية. والقيم السياسية هي، بالتالي، المبادئ التي يسير عليها السلوك السياسي لطرف معين، وتلك التي يجب في رأي الطرف المعني أن يسير عليها، وبموجبها.
****
إن «الاختلاف» بين الناس هو إحدى سنن الكون الثابتة. فالبشر كلهم بشر، تجمع بينهم خصائص عامة مشتركة. ولكن كل منهم مختلف عن الآخر، قليلاً، أو كثيراً، وله «خصوصية» معينة، أو يمكن تعيينها، خاصة به وحده. كذلك «الجماعات»، و«الدول»، و«الأمم» (الحضارات) المختلفة. فالإنسان يتجسد في عدة صور (إنسانية حية)، من أهمها: الفرد، الجماعة، الحزب، التنظيم، الشعب، الأمة… إلخ. إن من أهم نتائج هذا «الاختلاف» هي: تنوع قيم الحضارات واختلافها عن بعضها. كلها حضارات إنسانية… ولكن كل منها مختلف (مادياً ومعنوياً وقيمياً) عن الآخر، بعض الشيء، وله خصوصيته، كما للفرد. «الخصوصية» ليست حكراً على بشر، دون سواهم …
ومن الطبيعي، أن ينتج عن ذلك «الاختلاف» خلاف، أو صدام، أو تعاون وتحاب، بين الأفراد والجماعات والدول والأمم. فاختلاف القيم، بين الناس، يسبب إما التعاون بسبب تشابه القيم، أو الصراع، بسبب اختلافها. ووجود امكانية «التعاون» ووجوبه، في معظم الحالات يحتم على عقلاء البشر في أي صورة ظهروا أو تجسدوا أن يستغلوه لمصلحتهم، وأن يتحاشوا وصول الصراع (الخلاف والاختلاف) إلى المستويات الساخنة… التي قد يسفر الوصول إليها عن: إلحاق أضرار فادحة بكل ـأو معظمـ أطراف العلاقة المعنيين. فمن مصلحة الجميع غالباً أن يلجأوا للتعاون، ما استطاعوا، ويجنحوا للسلم ما أمكن. لأن الصراعات والحروب، في الغالب، وبال على أطرافها.
ومن الطبيعي أيضاً، أن «تسود» الأمم الأقوى، بمعنى القوة الشامل، ولكن حتى هذه السيادة قد تكون شكلية أو عابرة، أو ضعيفة، ويجب أن لا تلغي الآخر، والأمم الأخرى، التي تملك مقومات الأمة. أما الأمم والكيانات المصطنعة، فمن المنطقي أن تنهار، عند النزال الحقيقي.. وتتحول إلى أمم شتى أصغر.. أو ينصهر بعضها في الأمم الغالبة كما قال ابن خلدون، في مقدمته الشهيرة.
****
والدين الإسلامي الحنيف يحض على التعاون والسلام، ويرفض العدوان.. ويقيد الصراع، بقيود وضوابط كثيرة. فأساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم يجب أن يكون في رأي غالبية فقهاء الإسلام الصحيح هو: التعاون، لا الصراع.. من هذا المنطلق القيمي، يمكن أن نفهم العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول والأمم (الحضارات). ومن المنطلق نفسه، وبناء عليه، ينبغي أن نفهم «القيم» الإنسانية والاجتماعية المختلفة، ودورها في العلاقات الإنسانية، التي يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين:
قيم عامة: وهي مبادئ يؤمن بها كل البشر، مع اختلافات (طفيفة، أو محدودة) في معنى ومضمون كل من هذه القيم.
قيم خاصة: أي مبادئ يؤمن بها شخص معين، أو فئة من الناس، أو مجتمع بأكمله، ولا يشاركه في الإيمان بها «كل» الناس.
ومن هذا المنطلق أيضاً، يجب أن «نقرأ» ما يعرف بظاهرة «صدام أو صراع الحضارات».. هذا المصطلح الذي أضحى شائعاً منذ أن أصدر عالم السياسة الأمريكي «سامويل هنتنغتون» مقاله الشهير عن «صدام الحضارات»، الذى تحول إلى كتاب فيما بعد. ملخص رأي الرجل لا يخرج في عمومياته عن ما نذكره هنا، عن مدى قابلية الأطراف الإنسانية المختلفة للتعاون أو الصراع، تبعاً لاختلاف قيم كل طرف. فهو يوضح «حتمية» صراع «الحضارات» المختلفة كثيراً، بسبب اختلاف بعض قيمها الخاصة. ولكن حتى «هنتنغتون» لا ينكر وجود إمكانية التعاون فيما بينها، بسبب اشتراكها في القيم العامة. فالأطراف المتشابهة، قيميا، تميل، بالطبع، للتعاون فيما بينها، أكثر من ميلها للصراع. وقد قال: إن الحضارة الغربية مرشحة للتصادم مع عدة حضارات، بعد انهيار الـكتلة السوفيتية عام 1991م، وفي مقدمتها «الحضارة الإسلامية» … لأن الأخيرة هي أكثر الحضارات اختلافاً (وتنافراً) مع قيم الغرب … ولأن «عنصر التطرف الحاد موجود في بعض أبناء هذه الحضارة» مع اعترافه بأنهم أي «المتطرفين» قلة قليلة، في كل مجتمع.
ومع ذلك، يمكن تلافي الصراع والصدام، واستبداله بالتعاون.. إن تم التأكيد على ظاهرة «التعايش» ( Coexistance) بين البشر، على أساس القيم والمصالح المشتركة، وساد شيء من التفاهم بين الجانبين.. وتم إبعاد «المتطرفين» من الجانبين عن إدارة العلاقات البينة. فالتطرف دائما آفة متهورة وسلبية. وهذا، في الواقع، صحيح.. والأخذ به، بعد تصفية الخلافات الجذرية بينهما، يبدو في صالح الطرفين (الأمة العربية والإسلامية والغرب المتنفذ هنا) بل وصالح السلام والأمن الدوليين.. ولهذا الحديث صلة.