في حائل: الاستثمار الاجتماعي يحوّل العمل الخيري إلى نماذج مستدامة بالقطاع غير الربحي

في الآونة الأخيرة، شهدت منطقة حائل حدثًا هامًا يضع نصب عينيه تحويل المشهد الخيري والتطوعي إلى آفاق أوسع وأكثر استدامة. المدرب والمستشار عدي بن سعيد الشمري، من خلال مبادرة وطنية طموحة، سلط الضوء على مفهوم الاستثمار الاجتماعي وكيف يمكن أن يكون نقطة تحول حقيقية في طريقة دعم المجتمعات والمبادرات غير الربحية. هذه المبادرة لم تكن مجرد عرض نظري، بل خطة عمل متكاملة تهدف إلى إحداث تأثير ملموس على أرض الواقع.
ما هو الاستثمار الاجتماعي؟ رؤية جديدة للتنمية المجتمعية
الاستثمار الاجتماعي ليس مجرد تبرع أو صدقة، بل هو نهج استراتيجي يركز على تحقيق عائد اجتماعي إيجابي قابل للقياس، إلى جانب أي عائد مالي محتمل. يعني ذلك توجيه الموارد – سواء كانت مالية أو بشرية – نحو مشاريع تعالج قضايا اجتماعية معينة، مع توقع رؤية نتائج إيجابية تساهم في بناء مجتمع أقوى وأكثر ازدهارًا. يشمل ذلك دعم ريادة الأعمال ذات الأثر الاجتماعي، وتمويل المشاريع التعليمية والصحية، وتعزيز فرص العمل للفئات المهمشة.
الفرق بين الاستثمار الاجتماعي والعمل الخيري التقليدي
العمل الخيري التقليدي غالبًا ما يكون رد فعل فوريًا لحاجة ملحة، ويهدف بشكل رئيسي إلى تخفيف المعاناة. بينما، يركز الاستثمار الاجتماعي على معالجة الأسباب الجذرية للمشاكل، وبناء حلول طويلة الأمد قادرة على الاستدامة. إنه تحول من “إعطاء السمكة” إلى “تعليم الصيد”، كما يقول المثل. وهذا يجعله أكثر فعالية في إحداث تغيير حقيقي ومستدام.
مبادرة حائل: نحو تحويل المشاريع إلى نماذج مستدامة
المبادرة الوطنية التي قدمها الأستاذ عدي الشمري في حائل جمعت تحت مظلتها نخبة من رجال الأعمال، وقادة الجمعيات الأهلية، والجهات المانحة، ورواد الأعمال الاجتماعيين. وكان الهدف من هذا التجمع هو إطلاق حوار بناء حول كيفية تبني مبادئ الاستثمار الاجتماعي في المشاريع القائمة والمستقبلية.
وشدد الشمري على أن المنطقة تمتلك إمكانات كبيرة لتطوير نماذج استثمارية اجتماعية ناجحة، وذلك بفضل روح المبادرة لدى شبابها، وقوة القطاع الخاص، وتوفر الموارد الطبيعية. كما أكد على أهمية الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في دعم هذه النماذج، وتوفير البيئة المناسبة لازدهارها.
التحديات التي تواجه الاستثمار الاجتماعي في المملكة
على الرغم من الإمكانيات الواعدة، إلا أن الاستثمار الاجتماعي في المملكة العربية السعودية يواجه بعض التحديات. من بين هذه التحديات نقص الوعي بالمفهوم وأهميته، وصعوبة قياس العائد الاجتماعي، وقلة الأدوات المالية المناسبة لدعم المشاريع الاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر البيروقراطية والإجراءات المعقدة عائقًا أمام رواد الأعمال الاجتماعيين.
ومع ذلك، تظهر مبادرات حكومية وخاصة بشكل متزايد تهدف إلى تجاوز هذه التحديات. مثلًا، تشجيع التمويل المستدام للمشاريع ذات الأثر الاجتماعي، وتطوير أدوات لقياس الأداء والتأثير، وتقديم الدعم الفني والإداري لرواد الأعمال.
فوائد دمج الاستثمار الاجتماعي في قطاع الأعمال
لا تقتصر فوائد الاستثمار الاجتماعي على القطاع غير الربحي وحده، بل تمتد لتشمل قطاع الأعمال أيضًا. من خلال تبني ممارسات الاستثمار الاجتماعي، يمكن للشركات تحسين سمعتها وعلاقاتها بالمجتمع، وزيادة ولاء العملاء، وجذب أفضل الكفاءات.
إضافة إلى ذلك، يمكن للاستثمار الاجتماعي أن يفتح أمام الشركات أسواقًا جديدة وفرصًا للابتكار. فالمستهلكون أصبحوا أكثر وعيًا بالقضايا الاجتماعية، ويفضلون شراء المنتجات والخدمات من الشركات التي تساهم في حل هذه القضايا. كما أن البحث عن حلول مبتكرة للتحديات الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى تطوير تقنيات ومنتجات جديدة ذات قيمة تجارية عالية.
التعاون والشراكات: مفتاح النجاح للاستثمار الاجتماعي
لتحقيق أقصى استفادة من الاستثمار الاجتماعي، من الضروري تعزيز التعاون والشراكات بين مختلف الجهات المعنية. يجب على الجمعيات الأهلية العمل بشكل وثيق مع القطاع الخاص لتحديد الاحتياجات المجتمعية، وتصميم المشاريع التي تلبي هذه الاحتياجات.
كما يجب على الجهات المانحة توفير التمويل والدعم الفني اللازمين، وتسهيل الوصول إلى الأدوات المالية المناسبة. ولا يمكن إغفال دور الحكومة في توفير البيئة التشريعية والتنظيمية الداعمة، وتشجيع الاستثمار الاجتماعي من خلال الحوافز والتسهيلات.
مستقبل الاستثمار الاجتماعي في حائل والمملكة
مبادرة الأستاذ عدي الشمري في حائل تمثل خطوة مهمة نحو تبني الاستثمار الاجتماعي كنهج رئيسي للتنمية المجتمعية في المملكة. ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة زيادة في عدد المشاريع الاجتماعية التي تعتمد على نماذج استثمارية مستدامة.
مع تزايد الوعي بأهمية الاستثمار الاجتماعي، وتوفر الأدوات والموارد اللازمة، يمكن للمملكة أن تصبح رائدة في هذا المجال، وأن تقدم نموذجًا يحتذى به للدول الأخرى. إن الاستثمار في المجتمع هو استثمار في المستقبل، وهو الطريق الأمثل لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار للجميع.
للمزيد من المعلومات حول الاستثمار الاجتماعي وكيفية المساهمة فيه، ندعوكم لزيارة المواقع الإلكترونية للجمعيات الأهلية والجهات المانحة في منطقة حائل والمملكة بشكل عام. كما يمكنكم التواصل مع رواد الأعمال الاجتماعيين للاستفادة من خبراتهم ومعرفتهم. دعونا نعمل معًا لبناء مجتمع أفضل وأكثر إشراقًا.

