قصة مسرور بارزاني المحاط بالتحديات
حديث بارزاني جاء ضمن فعالية ملتقى الشرق الأوسط (ميري) الذي عقد الثلاثاء الماضي في أربيل بعنوان «نحو الحكم الرشيد والازدهار»، إذ يعمل الإقليم منذ عدة سنوات على تحقيق النقلة النوعية اقتصاديا وسياسيا في ظل الظروف المضطربة التي تعيشها المنطقة.
من يتابع الحركة الاقتصادية والتطور الذي طرأ على كردستان منذ يونيو 2019 حين تولى مسرور بارزاني رئاسة وزراء حكومة الإقليم يدرك وجود تصاعد واضح في المؤشرات الاقتصادية والتنموية، ما يعني أن ثمة خطة تضعها حكومة الإقليم من أجل نقله إلى مكانة مميزة في المنطقة، ضمن استراتيجية واضحة المعالم، تقوم على نقل هذه البقعة إلى مستوى آخر من الحضور الدولي والإقليمي.
تتحدث الأرقام الحكومية في كردستان العراق عن معطيات تستحق التوقف في هذا الإقليم الذي لم يلتفت للصراعات الداخلية سواء في العراق أو المنطقة، ولا حتى التهديدات المحيطة به، فإذا ما رأينا بناء 9 سدود بتكلفة 265 مليار دينار عراقي، وبناء 4 صوامع بتكلفة 85 مليار دينار لتخزين 160 ألف طن من الحبوب، فإن هذا يعني بكل تأكيد النظر بعناية مدروسة إلى مفهوم الأمن الغذائي برؤية دقيقة ومحكمة في ظل التقارير الأممية التي تحذر من تراجع الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد القراءة المسبقة للتغيرات العالمية في الفترة القادمة.
ليس هذا فحسب، بل إن رؤية الحكومة على المستوى الاقتصادي والتجاري بعيدة، خصوصا في ظل التعاون الدولي من أجل شبكات طرق النقل التجاري، وعلى ما يبدو تدرك حكومة الإقليم أهمية الطرق الخارجية، لذا لوحظ في الآونة الأخيرة إنجاز 585 مشروعًا للطرق خارج المدن بتكلفة 930 مليار دينار، وترميم أكثر من 1363 كيلومترا من الطرق، وإنجاز 1967 مشروعًا لفتح الشوارع داخل المدن بتكلفة 1863 تريليونا.
هذه الأرقام لم تكن لتصل إلى هذا المستوى لو أن حكومة الإقليم باتت أسيرة التحديات الداخلية أو على مستوى دول الجوار.
إلا أن فلسفة الإقليم في العقد الأخير ارتكزت على مبدأ التنمية الداخلية والعلاقات المتينة والآمنة مع الجوار وكل الإقليم، وهي سياسة ناجعة حققت لأربيل الاستقرار مع حكومة مسرور بارزاني الذي أحدث نقلة نوعية على المستوى الاقتصادي والسياسي، خصوصا إذا ما تابعنا الزيارات الأخيرة لرئيس الحكومة إلى دول الخليج وسعيه إلى شراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية تخدم مصالح الطرفين.
ويرى مراقبون أن مسيرة مسرور بارزاني امتداد لرؤية «كاكا» مسعود بارزاني الذي عمل على مدى سنوات للحفاظ على استقلالية الإقليم، ما منحه القدرة على التفكير الاقتصادي والسياسي.
ففي 16 أغسطس 2017، وخلال حوار أجرته «» مع «كاكا» مسعود بارزاني، قال إن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني التقى به عدة مرات، وطلب فتح طريق من إيران إلى سورية عبر إقليم كردستان العراق مقابل إغراءات مادية وأمنية كثيرة، إلا أن الزعيم الكردي مسعود بارزاني كان يرفض ذلك، ليجنب أربيل لعبة التجاذبات الدولية والإقليمية ويحافظ على استقلال الإقليم من التأثيرات الخارجية.
اليوم تثبت التجربة أن نمو أربيل المتزايد يؤكد صحة فلسفة «كاكا» مسعود في أن نهضة الإقليم ممكنة بعوامل داخلية أكثر من الاعتماد على العوامل الخارجية ذات التأثير البعيد.
ولعل حقبة مسرور بارزاني منذ توليه رئاسة وزراء الإقليم في يونيو 2019 أكدت أيضا رؤية «كاكا» مسعود في أن تكون أربيل حالة خاصة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، خصوصا أنها في موقع متميز بين تركيا وسورية، وهذا ما يجعلها تلعب دورا اقتصاديا حيويا وأمنيا يجعلها صمام أمان في المنطقة.
يشير مستوى الرضا الشعبي في إقليم كردستان عن أداء حكومة مسرور بارزاني إلى توازن وثقة هذه الحكومة، ولعل نجاح مسرور في تعزيز الاقتصاد المحلي، وهو أحد أولوياته وشعاراته الداخلية، من خلال تنفيذ مجموعة من الإصلاحات المالية والإدارية، كان مصدر الثقة المحلية، فضلا عن تسهيلات الاستثمار الأجنبي، التي رفعت من مستوى الموثوقية الاقتصادية في الإقليم، كل هذه العوامل مجتمعة من شأنها أن تعكس حقيقة توجه الإقليم ليكون مصدر جذب استثماريا فريدا من نوعه، خاصة أنه يتطلع بشكل كبير إلى المزيد من الاستثمارات الخليجية التي تتمتع بالثقة والمصداقية وعلى رأسها الاستثمارات السعودية.
لم تهدأ أربيل أمنياً في السنوات الأخيرة في ظل الصراع الإيراني الأمريكي، فضلا عن محاولة بعض الدول زعزعة الاستقرار، لكنها وعلى الرغم من كل التحديات المحيطة بها لم تهدأ في مسيرة التطوير، فهي اختارت طريقا آخر بعيدا عن التجاذبات الإقليمية والدولية، وهذا ما جعل منها مركز استقطاب اقتصادي حيوي في المنطقة، وبطبيعة الحال فإن مهمة رئيس وزراء الإقليم ستكون طويلة ومليئة بالتحديات، وهذا ما يجعل مسيرة الإنجازات في الإقليم متينة وقوية.