لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات
وهنا يطرح السؤال نفسه: هل يكفي توثيق كل هذه الانتكاسات بالأرقام، أم أن الدولة اللبنانية باتت أمام أزمة تتجاوز الأرقام مع استمرار الحرب؟
فقدان 500 ألف فرصة عمل
منسق لجنة الطوارئ الحكومية وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور ناصر ياسين، كشف في التقرير الأخير الذي يحمل الرقم 48 حول الاعتداءات الإسرائيلية، فتح 1173 مركزاً معتمداً لاستقبال النازحين، فيما بلغ عدد مراكز الإيواء المعتمدة التي وصلت إلى قدرتها الاستيعابية القصوى 981 مركزاً. وبلغ العدد الإجمالي للنازحين المسجلين 187992 نازحاً (44322 عائلة)، سجلت النسبة الأعلى للنازحين في محافظة جبل لبنان وبيروت، ولكن المقدّر أن عدد النازحين أعلى بكثير.ولفت التقرير إلى أنه من تاريخ 23 سبتمبر حتى 18 نوفمبر الجاري، سجّل الأمن العام عبور 385555 مواطناً سورياً و225328 مواطناً لبنانياً إلى الأراضي السورية.
الأرقام التي تعرضها «» في هذا التقرير وصفها مراقبون بالخطيرة جداً، والتي تبدأ بالبطالة التي قدرت بنحو 250 ألف عامل، مع توقعات بارتفاعات مع زيادة معدل إغلاق المؤسسات في القطاعات الحيوية، إذ سجل حتى الآن خسارة 500 ألف فرصة عمل.
ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن مراكز الإحصاء، فإن خسائر لبنان الإجمالية نتيجة الحرب، وتحديداً الفترة الممتدة بين أكتوبر ونوفمبر 2024، قدرت بنحو 11 مليار دولار؛ أي أن حجم هذه الخسائر يزيد مرتين عن تلك التي تكبّدتها في حرب يوليو 2006؛ التي بلغت حينها خمسة مليارات و300 مليون دولار.
خسائر البنية التحتية
قدرت خسائر البنى التحتية بنحو 570 مليون دولار، توزعت بين المباني المدمرة بشكل كامل وتقدر بـ46 ألف وحدة سكنية، والمباني المدمرة بشكل جزئي وقدرت بـ30 ألف وحدة سكنية، والمباني التي تعرضت لأضرار طفيفة وقدرت بـ145 ألف وحدة سكنية.
وفي تقرير أصدره البنك الدولي تحت عنوان (تحليل الأضرار والخسائر في لبنان)، أوضح أن الخسارة اللاحقة بالعمال بسبب النزوح حتى 6 أكتوبر 2024، بلغت 166 ألف وظيفة، لافتاً إلى أنه نتج جراء ذلك تراجع في مداخيل هؤلاء بقيمة تقدّر بنحو 168 مليون دولار، وهذا الرقم لا يتضمن الخسائر اللاحقة بالعمال في المناطق التي تصنّف آمنة.
أما أكثر القطاعات المتأثرة بالحرب، فأكد التقرير أنه قطاع التجارة؛ الذي تبلغ قيمة الأضرار المباشرة التي أصابته نحو 178 مليون دولار، إلى جانب خسائر في النشاط الاقتصادي مقدرة بنحو 1.7 مليار دولار. والمقصود بالأضرار المباشرة، الخسائر المادية الناتجة عن القصف الإسرائيلي. ومعظم هذه الأضرار والخسائر، بحسب ما يقول البنك الدولي، تأتي بسبب خروج الموظفين وأصحاب العمل من المناطق المعرّضة للعنف الإسرائيلي بشكل أساسي. ونحو 83% هي في هذه المناطق، في حين تعرّض القطاع في المناطق اللبنانية الأخرى إلى 17% من الخسائر المذكورة.
وأفاد التقرير بأن الخسائر في الوظائف مصدرها قطاع السياحة الذي يضمّ 4.4% من القوى العاملة في لبنان؛ فقد تعرض هذا القطاع لأضرار مباشرة تقدّر بنحو 18 مليون دولار، وخسائر في النشاط الاقتصادي تقدّر بنحو 1.1 مليار دولار. وكان هذا القطاع قد تضرّر من تراجع حجم السياحة في الأشهر الأولى من الحرب، قبل توسّعها في سبتمبر.
انخفاض نسب الاستهلاك
وكشفت الهيئات الاقتصادية في لبنان أرقاماً كارثية أخرى، إذ انخفضت جراء هذه الحرب نسب الاستهلاك من مليار ونصف المليار دولار في الشهر إلى نحو 500 مليون دولار شهرياً، مشيرة إلى أنه لولا قطاعات أساسية جداً مثل المأكل والمشرب والمحروقات وحاجيات النزوح لكان الاستهلاك انخفض أكثر. وأفادت بأن كل ما يسمى سلعاً معمّرة أو كماليات توقفت حركتها التجارية بشكل كلي، بنسبة 85 إلى 90%.
وتحدثت مصادر اقتصادية مطلعة لـ«»، أن لدى الدولة القليل من المال، وإذا قررت اليوم البدء بالصرف من مالها ومن الحساب رقم 36 في مصرف لبنان، لكن إدارة الحساب 36 أصبحت عند المصرف المركزي، أي أصبح هذا الحساب جزءاً من السياسة النقدية والمحافظة على سعر الصرف، وأحسن مصرف لبنان في سياسته المعتمدة على هذا الصعيد منذ أغسطس 2023 وحتى اليوم، وبالتالي نحن أمام تحدٍ، فإذا صُرفت أموال أكثر من اللزوم يصبح الاستقرار النقدي في خطر. والتحدي الأكبر أن يتمكن لبنان من الحصول على أموال ومساعدات من الخارج، من دون المسّ بهذا التوازن الهشّ الموجود بمسألة السياسة النقدية، لأن كل لبنان اكتوى بارتفاع سعر الصرف في المرحلة السابقة.
وأفادت المصادر بأن الفجوة المالية قبل الحرب كانت نحو 70 مليار دولار، وبالتالي نحن نراكم عشرات المليارات ونغرق أكثر فأكثر في الحفرة.