مثقفون يُرحبون بتحكيم القرّاء أعمالهم.. وآخرون يرفضون
وقال السمّاح: لا شك أن مثل هذا القارئ موجود في مكان ما، وافتراض وجوده، هو الذي يجعلنا نكتب بقدر من اليقين، وإلا توقفنا عن الكتابة، فمن غير المعقول أن يكتب الكتاب للكتاب، لا بد من وجود هذا القارئ، مؤكداً أن المتابع للحركة الأدبية يستطيع أن يتلمس وجود أمثال هؤلاء القرّاء في النصف الأول من القرن العشرين، إذ نستشعر حضورهم معلّقين على الكتابة في مجلات الرسالة والهلال والمقتطف، ليجد الكاتب نفسه أمام قراء ذوي وجهة نظر، ولذا عشنا وعايشنا دخول عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والعقاد وأترابهما، في سجالات، ومناقشات وردود ربما تتوالى على صفحات أكثر من عدد.
واستحضر السمّاح سيرة «المعلم دبشة» أحد متذوقي الغناء في الثلاثينات والأربعينات الذي كان يحرص على حضور حفلات أم كلثوم، والحفلة التي لا يحضرها، ترسل إليه أم كلثوم سائقها ببوكيه ورد، إذ لا بد أنه مريض، لافتاً إلى أنه لشهرته الكبيرة في تذوق الغناء، اختارته لجنة إجازة المغنين بنقابة الموسيقيين، ليجلس على منضدة الممتحنين بجوار كبار الموسيقيين، ليمتحن المطربين الجدد. وأضاف: إذا استطعنا أن نجد بين القرّاء من هو في مستوى «المعلم دبشة»، فليحكم على الكتاب والكتابة، على الأقل من ناحية التذوق، بعيداً عن الآليات العلمية للكتابة. وأوضح أنه أول المرحِبِين بهذه الفكرة، التي تمنح القارئ بعض حقوقه علينا نحن الكتاب الباحثين عن قارئ نوعي.
فيما عدّت الناقدة الدكتورة فاطمة إلياس القارئ عنصراً مهماً جداً في منظومة القراءة بعد النص. وترى أن سُلطة القارئ النقدية تختلف من شخص لآخر وتتفاوت، بناءً على توافر الأسس المنهجية والأكاديمية التي تؤهله للحكم على النص أو تحكيمه.
وذهبت إلياس إلى أن أحكام القارئ العادي غير المؤهل لا تعدو كونها آراء انطباعية، ومجرد ذائقة تصب في القاعدة الجماهيرية للكاتب، وليس القيمية أو القيمة الفنية للنص. مؤكدةً أنه مع ثورة مواقع التواصل الاجتماعي، غدا للقارئ العادي أو الانطباعي منصات للتعبير عن انطباعاته وآرائه القرائية، وهي عادة محل تقدير للكتّاب كونها تعكس أصداء المستوى القرائي الأول لأعمالهم، إلا أنها لا ترقى إلى القراءات النقدية للقارئ النموذجي أو الناقد المؤهل علمياً ومنهجياً.
وترى أن إشراك القارئ العادي في تحكيم الجوائز محض عبث، وظلم للأعمال الأدبية، لأن قراءة التحكيم تفتقر للأسس المنهجية اللازمة لاشتراطات الترشح والفوز. وأضافت: غالباً ما تشوب وجهة نظر القرّاء العاطفة والشللية وربما الحمية القومية أو القبلية! كما في بعض مسابقات الشعر التي تعتمد على التصويت! وكذلك مسابقات الغناء «آراب آيدول» أو «ذا فويس» وما شاكلهما مما يعتمد الفوز فيها على عدد المصوتين ونسب التصويت، وليس أهلية وتفاضل المتسابقين، مشيرةً إلى أنه شتان بين هذا وذاك لأن القائمين على الجوائز الأدبية يربأون عن الزج بالنتاج الأدبي في أتون المهاترات الانطباعية للقراء العاديين.
فيما رفض الباحث العراقي الدكتور رشيد الخيون الفكرة، وعلل رفضه بكون تحكيم النصوص الأدبية ليس انتخابات وتصويتاً، إذ كم من نص تافه من الناحية الفنية ينال إعجاب جمهرة كبيرة من القراء، لأنه مثلاً يلامس العواطف، ويدغدغ مشاعر ما، فيما تحكيم أو تقييم النصوص الأدبية، أو أيّ نصوص إبداعية وبحثية، يقوم عليها أهل الاختصاص، وأصحاب التجارب، من أهل الأدب والبحث.
وعدّ مثل هذه الفكرة تقاطعاً مع موضة تصويت الفضائيات والحفلات، لافتاً إلى أن تمكين القرّاء من الحكم، ربما يصلح لشعبية الكاتب، إلا أن ذلك لا علاقة له بفن الكتابة، فالحق لا يُقيم بالأكثرية والأقلية، فكم من باطل نال الأكثرية. وتساءل: تُرى مؤرخ مثل جواد علي، أو آثاري بحجم طه باقر، كم سيصوت له من القرّاء الفضلاء، أمام سيل المنتحلين الذين يملأون شاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، ويعدون أنفسهم مؤرخين ومختصين، كذباً وزورا؟
فيما يرى رئيس بيت الشعر الشاعر سامح محجوب، أن رأي القارئ مهم إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينسحب إلى تقييم الأعمال الذي يحتاج معرفة ووعياً بأدوات فنية لا تتوفر للمتلقي بل ربما لا تتوفر لمعظم النقاد خصوصاً من الأكاديميين الذين تتوقف معرفتهم بالفن عند حدود بعض النظريات والمناهج، بينما يؤسس الفن لمعارفه الخاصة التي تبدأ من حيث تنتهي المعارف المعيارية التي تعتمد عليها العلوم، مؤكداً أن أكثر الأشخاص قدرة على تقييم الفن هم الفنانون أنفسهم.