مسار سوري يستقطب الغرب.. ويغيب عنه العرب
مقاربة عقلانية وواقعية سياسية
كان تفاعل المبعوثين الدوليين واضحاً مع أعمال المدونة وشكلها السياسي والمدني، خصوصاً وقد جرت العادة في الاجتماعات السياسية المتعلقة بالأزمة السورية أن تنتهي إلى صراعات ونزاعات وتعميق الفجوات بين الأطراف، لكن في اجتماع برلين وما سبقه من اجتماعات كان هدف أعضاء المدونة مقاربة الوضع السوري إلى أقصى درجات العقلانية والمنطقية والواقعية السياسية، للقول إن السوريين بإمكانهم إيجاد مساحة تقارب فكري واجتماعي وسياسي وبناء مجتمع سوري حقيقي، وهذا ما يجري دوماً في أروقة المدونة السورية.
لا تهميش، لا إقصاء هي أحد روح المبادئ الـ11 في المدونة التي وقع عليها الأعضاء قبل سنوات.
المبادى الـ11 التي اتفق عليها طيف واسع من السوريين ووقع عليها الأعضاء ما زالت هي الدليل المتفق عليه بين كل الأعضاء، ولعل هذا من أبرز تحديات المسارات السياسية في سورية؛ وهي أن تحافظ مجموعة سياسية أو مدنية على مبادئ طوال ست سنوات، الأمر الذي قد يفسر إلى حدٍّ كبير اهتمام المبعوثين الدوليين بهذه المدونة التي حافظت ولا تزال على بنيتها الأساسية من خلال المبادئ الـ11.
مدونة تجاوزت المطبات
على مدار عقد من الزمان، منذ أن دخلت الأزمة السورية حيز التدويل في عام 2013، انهارت العديد من التجمعات السياسية والمسارات الدولية، حتى بعض المسارات الدولية ذهبت أدراج الرياح؛ تارةً بسبب التباعد بين طرفي الصراع، وتارةً بسبب ملل المجتمع الدولي من أزمة تدور حول نفسها، إلا أن المدونة تجاوزت مثل هذه المطبات وحافظت على الاستمرار منذ ما يقارب سبع سنوات، بل في كل مرة ترفع من مستوى الحضور الدولي، ففي العام الماضي كان حضور وزير الخارجية اليوناني لفتة أوروبية تستحق الوقوف عندها، وفي عام 2023 شكل حضور العديد من المبعوثين الدوليين إشارة أكثر تقدماً مقارنة بالعام الماضي وحجم الاهتمام الدولي، ما يشير إلى خطوات ثابتة ومتصاعدة لهذه المدونة المؤهلة أن تلعب جسراً عابراً لكل الخلافات السورية بين أطراف الصراع بعيداً عن الأجندات السياسية.
وربما اللافت في هذا المسار، على الرغم من الزخم الغربي الواسع، والحضور المتنوع على المستوى الدبلوماسي، هو حالة الغياب العربي الكاملة عن هذا الاجتماع وما سبقه من اجتماعات، الأمر الذي يبعث على التساؤل: أليس العرب هم أحق بمثل هذه المسارات، أليس دوائر السياسة العربية هي الأكثر تفهماً لمثل هذه المبارات لاعتبارات التاريخ والجغرافية والتداخل؟ خصوصاً أن الأزمة السورية أثقلت كاهل الجميع؛ وفي المقدمة الدول العربية التي لا تزال تحاول تبحث عن مخرج آمن للسوريين.
للسعودية دور فاعل وإيجابي في حلِّ القضايا
لكن هل يمكن أن يكون لجامعة الدول العربية أو السعودية (صاحبة المبادرة الأولى بإعادة دمشق إلى المنظومة العربية في قمة جدة مايو الماضي)، دورٌ في الدفع بهذه المبادرة لتكون جزءاً من الحل في سورية وفق القرارات الدولية؟
نعم بالطبع ما زال الأمر ممكناً ما دامت الأزمة السورية دون حل، ومن خلال حديث «» مع معظم أعضاء المدونة، فإن الجميع من كل الاتجاهات يتطلع إلى البوابة العربية والسعودية على وجه التحديد، لما للمملكة من دور فاعل وإيجابي في حل القضايا الإقليمية العربية، في ظل التوجه السعودي نحو «تصفير المشاكل» في الشرق الأوسط والدفع بمنطقة آمنة خالية من الصراعات، ولعل سورية الدائرة المليئة بالتحديات والتعقيدات وأي حل لهذه المعضلة سيكون أكبر انتصار سياسي للسياسة العربية وبطبيعة الحال للسعودية؛ التي باتت في موقع متقدم في العقد الأخير، وبكل تأكيد المدونة هي أحد العوامل السياسية والاجتماعية التي يمكن من خلالها إبصار النور السوري.