وتسقط ورقة أخرى
وتسقط ورقة أخرى من أوراق الإبداع برحيل الفنان القدير هشام بنجابي الى الدار الآخرة، ويعجز اللسان عن الكلام والعقل عن إدراك هذا الخبر، ولكن هذه سنة الحياة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولكن لنا في الله عزاء من كل مصيبة وخلف من كل جلل، فإن الموت حق٬ ولنا من بعده انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر، وقد ترهق وقد تصفو، وقد تُضحك وقد تُبكي، حتى يأتي بلا هيبة أو تردد، يختارنا واحداً إثر الآخر… «لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون» وعندما تتساقط أوراق الإبداع، يتركون لنا لوعة الفراق وألم البعاد.
كان هشام بنجابي إنسانا راقيا قبل أن يكون فنانا، كان أخا وصديقا للجميع، دمث الأخلاق حلو المعشر عفيف اللسان وفيا كريما شهما نبيلا، مساندا لكل الأنشطة الفنية والثقافية وفعاليات مؤسسات المجتمع المدني التي ترعى النوادي الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون التشكيلية، وحرصه على مؤازرة أنشطتها وتشجيع المبدعين، ويعتبر من أبرز المقتنين والداعمين للحراك الثقافي والإبداع الفكري السعودي، وكان فنانا من نوع خاص، له خصوصيته وأسلوبه الفريد ونكهته الشخصية، تظل محفورة في الذاكرة لا تبرحها، ستترك بلا شك بصمة مؤثرة وإنجازا خالدا لكل الأجيال الفنية، وكان علامة فارقة في خارطة التشكيل السعودي، بتحقيقه أعلى درجات التوازن الفني، وله نشاط مبكر اثناء دراسته الأولية في مصر عام 1962م، ودراسته الأكاديمية في الفنون وفي الأدب الإنجليزي من أسكتلندا ثم كندا «بتورونتو» وحصوله على بكالوريوس اللغة الإنجليزية من جامعة الملك عبدالعزيز، بجدة، أقام ثلاثة معارض شخصية في جدة وكندا، وشارك في أكثر من 195 معرضا٬ ومسابقات وفعاليات ومهرجانات فنية ومناسبات وطنية داخل المملكة وخارجها، وحاز على العديد من الجوائز المتقدمة والأوسمة والتكريم وشهادات الشكر والتقدير من جهات رسمية وخاصة محلية ودولية، وتحتفظ بأعماله عدد من المتاحف في المكسيك وإسطنبول وبنغلاديش والأردن وجدة، ويقتني أعماله بعض رؤساء الدول والوزراء وأصحاب السمو الملكي والأمراء والشخصيات المهمة وسيدات المجتمع وعدد من الجهات الحكومية والخاصة، عضو مؤسس جماعة الفن التشكيلي للجاليات الأجنبية بجدة (التي تعتبر أول جمعية فنية تأسست في المملكة عام 1970ه) عمل مديرا لمتاحف المنطقة التاريخية بجدة ومتحف الملك عبدالعزيز بأمانة جدة، ورئيس مجلس الفنون الجميلة بالغرفة التجارية وعضو مجلس إدارة غرفة جدة لتنمية الأعمال ورئيسا لبيت الفنانين بجدة، ورئيس جسفت جدة، مصمم «دوار الهندسة» بجدة بمشاركة المهندس علي أمين. وعزاؤنا في فراقه، أعماله الفنية التي نتمنى ان تكون جزءا من المعارض والفعاليات الداخلية والخارجية بما يمد جسور التواصل معه والتي تذكرنا به لنتواصل الدعاء له، انتظارا لمشاهدتها وغيرها من أعمال الفنانين الذين رحلوا عن دنيانا في متحف للفن السعودي، كما هي المتاحف في دول العالم يرتاده زوار الدولة ويصبح جزءا من برامج السياحة، قبل أن تضيع وتندثر مع عثرات الإهمال وعوامل النسيان، لأنها أصبحت من تراث الوطن الثقافي، يجب الحفاظ عليها وإبرازها كنموذج للفن التشكيلي السعودي، ليضيء ما بدواخلنا من ذكريات فنحن لا نبكيهم لأنهم رحلوا، بل نبكي أنفسنا لأنهم تركونا وحدنا وإن كل آلامنا ودموعنا لأننا لن نراهم بعد اليوم في دنيانا، وعندما يرحل مثل هؤلاء الرموز تتألم كل أطراف الساحة التشكيلية القريب منها والبعيد، وتنطفئ منارة كبرى كانت ترسل إشعاع إبداعاتها في ربوع الوطن، وعندما يرحل المبدعون تنفطر القلوب لذهابهم، وقد كانوا جزءا من حياتنا، إننا نبكي من أجلنا نحن، لا من أجلهم، لأنهم رحلوا، فلن يشعروا ببكائنا، ولن يستعيدوا شيئا مما مضى، ولن يكون بمقدورهم أن يصنعوا شيئا لأنفسهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.