«وثائق البنتاغون».. من يجرؤ على التسريب ؟
والسؤال هنا، هل فعلاً هذه التسريبات هي تسريبات؟ أم يراد أن تكون تسريبات من أجل نقل رسائل سياسية للحلفاء والكشف عما تريده الولايات المتحدة للعالم وخصوصاً الحلفاء؟ أم أن هناك حالة أمريكية خاصة بطبيعة الإدارة تتيح لمثل هذه التسريبات أن تخرج للعلن من دون القدرة على ضبط المعلومات؟!
بناء على هذه التساؤلات، يمكن فهم مغزى التسريبات الأمريكية حول الحرب الأوكرانية، علما أن التسريبات لم تشمل فقط الحرب في أوكرانيا، بل تسربت العديد من الوثائق تتعلق بالعلاقات الأمريكية مع الحلفاء في كل دول العالم.
ليس مفاجئاً أن تقول الوثائق السرية التي تسربت من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إن الولايات المتحدة تتجسس على الحلفاء في أوكرانيا، فهذا من طبيعة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في كل دول العالم، ففي عالم الاستخبارات لا يوجد أصدقاء، فالعالم عبارة عن سوق معلومات، صديقاً كان أم عدواً.
ومن الطبيعي أيضاً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ العالم بسبب حرب أوكرانيا وتشكل تحالفات دولية سياسية وعسكرية واقتصادية، أن تقوم الولايات المتحدة بتقييم الأوضاع بشكل دوري، خصوصاً من قبل الحلفاء، في إطار اهتزاز الثقة بهذه التحالفات الدولية، وظهور «الناتو» بأنه قوة ممولة للسلاح فقط، وغير قادرة على إرساء الأمن والسلم الدولي.
سجلت الولايات المتحدة اختراقات ضد الحلفاء على مستويات كبيرة وفيها ما يحرج النظام الأمريكي الأمني والسياسي، ففي عام 2013 اتصلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بالرئيس باراك أوباما بعد تلقيها معلومات تشير إلى أن الولايات المتحدة ربما تجسست على هاتفها المحمول، كانت ميركل غاضبة من هذا التصرف في ظل العلاقة الوطيدة والخاصة مع إدارة أوباما، لكن هذا ما حدث فعلاً تجسست الاستخبارات الأمريكية على هاتف ميركل.
وفي حينها كذبت واشنطن هذه الأنباء حول التجسس على ميركل، إلا أن الواقعة أثارت ضجة كبيرة في الأوساط الألمانية والأمريكية، ولاحقاً تم طي الصفحة، وقد حدث ذلك في أكثر من دولة ومع العشرات من الزعماء في العالم، لكن القصة ليست هنا، وإنما المفاجأة.
تشير إحدى التسريبات في الوثائق السرية المؤرخة بتاريخ 23 فبراير بالتفصيل كيف سيتم استنفاد أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية إس300 بحلول الثاني من مايو وفقاً لمعدل استخدامها الحالي، فهل هذه رسالة إلى الروس مثلا لدفعهم مجدداً إلى الوحل الأوكراني وزيادة التعقيد في المشهد!
وتظهر بعض الوثائق، تفاصيل دقيقة عن التدريب والمعدات التي يجري توفيرها لأوكرانيا، التي تجمع عشرات الألوية الجديدة لشن هجوم يمكن أن يبدأ في غضون أسابيع، كما تكشف الوثائق متى ستكون الألوية جاهزة، وتسجل جميع الدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية التي يجري توفيرها من قبل حلفاء أوكرانيا الغربيين.
صحيح أن الكثير من التسريبات تشمل دول الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أنها اقتصرت على مستوى تقييم الولايات المتحدة للحلفاء ورأي الإدارة الأمريكية في بعض الحلفاء، إلا أن التسريبات المتعلقة بالحرب الأوكرانية تأخذ طابعاً أمنياً بحتاً واستخباراتياً يفتح المجال لكشف الوضع الميداني العسكري ويعطي الروس الكثير من المعلومات عن الواقع الميداني.
وثمة رأي يقول إن هذه التسريبات التي اختلط فيها ما هو مهم في الحرب الأوكرانية، وما هو ثانوي بالنسبة للحلفاء الغربيين، الهدف منه مخاطبة الروس بالدرجة الأولى، وجاءت التسريبات الأخرى كي لا تكون الرسائل الأمنية الأمريكية مباشرة لروسيا! بينما يعتقد البعض الآخر، أن هذه التسريبات حقيقية وهي تهدد فعلاً الأمن القومي الأمريكي بحسب تصريحات مسؤولين في «البنتاغون».
حسب الإحصاءات المعلوماتية، فإن الولايات المتحدة تدير 70% من حجم المعلومات في العالم ولديها القدرة العالية جداً من الناحية التقنية لمعرفة أصل المعلومات ومصدرها، بل يمكن للتقنية الأمريكية الحديثة أن تحدد المكان الذي يتم منه بث أي معلومة في العالم، ومع ذلك تحقق وزارة العدل في حادثة التسريبات، فهل هذا التحقيق جزء من مسرحية التسريبات، أم أن أمريكا باتت عاجزة فعلاً عن حماية أمنها المعلوماتي، خصوصاً أن اعترافات المسؤولين الأمريكيين الرسميين تشير إلى أن هذه المعلومات في حوزة الموظفين الأمريكيين فقط!
وأخيراً؛ في العام 2014 حجب الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الرأي العام الأمريكي صوراً سربها الضابط السوري «قيصر»، كانت تظهر بشاعة التعذيب في السجون السورية، وكانت حجة أوباما حينذاك أنه لا يريد إثارة الرأي العام الأمريكي، وعلى الرغم من اتساع دائرة الاهتمام الأمريكي والغربي عموماً بملف قيصر إلا أن إدارة أوباما استطاعت فعلاً حجب هذه الصور عن الرأي العام، فهل أمريكا هشة إلى هذه الدرجة لتخرج مثل هذه التسريبات التي تمس الحلفاء والخطط الأمريكية للحرب في أوكرانيا؟