Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

أدوية وعقاقير تحوّلت إلى كوارث صحيّة

بعد صدور الأبحاث الّتي تؤكّد الأعراض الجانبيّة الكارثيّة لتلك الأدوية تعرّضت تلك الشركات للكثير من الدعاوى القضائيّة خاصّة في الولايات المتّحدة…

تسبّبت بدعاوى جماعيّة: أدوية وعقاقير تحوّلت إلى كوارث صحيّة

أطراف طفل وُلِدَ لأم تناولت الثاليدومايد أثناء الحمل (ويكيبيديا)

أثارت جائحة كورونا والتحدّيات المترتّبة عليها الكثير من الجدل، وازداد الجدل عند إجبار الحكومات المواطنين على تلقّي اللقاح، ولا يزال الجدل قائمًا بعد اللقاح الجديد من شركة “فايز”، إذ لقاح خريف/ شتاء 2024-2025 يستهدف سلالات جديدة من الفيروس، وتستهدف اللقاحات الّتي ابتكرتها شركة فايزر-بيونيك وموديرنا سلالة KP.2، وهي جزء من عائلة FLiRT من السلالات الّتي انتشرت طوال الربيع والصيف. يستهدف اللقاح الّذي تصنعه شركة نوفافاكس سلالة مختلفة، وهي سلالة JN.1، الّتي انتشرت في وقت سابق طوال الخريف والشتاء، وترتبط اللقاحات الثلاثة ارتباطًا وثيقًا بالسلالات المنتشرة حاليًّا.

يتطوّر الطبّ الحديث بشكل سريع مع تدخّل التكنولوجيا، ولكنّ هذا التطوّر خاصّة في مجالات الصيدلة والأدوية يعتمد بشكل على تجارب سريريّة مفصليّة. تبدأ التجارب السريريّة الّتي تلي مرحلة الأبحاث باختبار العقاقير على الحيوانات، وفي حال أثبتت نجاحها تنتقل التجارب على البشر قبل اعتماد الدواء من قبل الهيئات المختصّة.

حتّى مع نجاح التجارب السريريّة لتلك الأدوية، فهي لم تكن دائمًا آمنة، فبعض الأدوية الّتي تمّ تطويرها وتحسينها عبر العقود أثبتت لاحقًا أنّها تسبّبت في كوارث مثل التشوّهات الخلقيّة وغيرها من الآثار الجانبيّة الّتي لا يمكن معالجتها. ولكن مع تقدّم العلوم الطبّيّة، تحاول الجهات المختصّة تجنّب تلك الحوادث وتطوير أنظمة أكثر صرامة لتقييم سلامة الأدوية قبل طرحها للاستخدام.

تاريخيًّا، هناك الكثير من التجارب التي انتهت بنتائج كارثيّة تسبّبت بأعراض جانبيّة لا يمكن معالجتها مثل التشوّهات الخلقيّة، وعلى رأس تلك القائمة تأتي فضيحة “ثاليدومايد”.

ثاليدوميد

في أواخر الخمسينيّات وأوائل الستّينيّات من القرن الماضي تمّ تطوير دواء ثاليدومايد في ألمانيا من شركة الأدوية الألمانيّة Chemie Grünenthal تحت الاسم التجاريّ Contergan كدواء يساعد على التخلّص من القلق ومشاكل النوم والتوتّر وغثيان الصباح، وتمّ تسويقه في البداية بشكل خاصّ للنساء الحوامل، للتخفيف من الأعراض الشائعة في الأشهر الأولى للحمل، ومنها الغثيان.

الأمر لم يحتج الكثير من الوقت لتبدأ النتائج الكارثيّة في الظهور. بدأت التقارير في الإبلاغ عن حالات غير طبيعيّة لأطفال ولدوا بتشوّهات جسديّة مخيفة وتمّ تحديد المشكلة الرئيسيّة على أنّها فوكوميليا، وهي حالة تؤدّي فيها الدواء إلى نموّ غير كامل أو غياب تامّ للأطراف، وكانت أطراف المواليد قصيرة للغاية أو مشوّهة بشكل كبير، ممّا جعل الأطفال يعانون من صعوبة شديدة في الحركة والنموّ الطبيعيّ، وفي عام 1961، بعد أربع سنوات من طرح الدواء أثر الدواء على حوالي 10,000 إلى 20,000 طفل حول العالم، ولكن لم يعرف التأثير الكارثيّ للدواء إلّا بعد فترة طويلة من انتشاره.

اكتشاف الأضرار الجانبيّة للدواء ولّد موجة واسعة من الغضب في المجتمع الدوليّ وبين الأطبّاء، وانتهى الأمر إلى سحب الدواء من الأسواق في عدّة دول، ولاحقًا، أصبحت قضيّة ثاليدومايد من الأمثلة الحاضرة على فشل النظام الطبّيّ في تقييم الأدوية قبل التصريح باستخدامها.

ما زاد الأمر سوءًا كان الفئة المتضرّرة بشكل كبير من النساء الحوامل، وبالتالي، فقد كانت الانعكاسات المروّعة تظهر على الأطفال حديثي الولادة، وأدّت تلك الكارثة إلى تطوير لوائح وتنظيمات جديدة في مجال الرقابة الدوائيّة ومنها اشتراط إجراء اختبارات صارمة على الأدوية، خصوصًا الأدوية الّتي تستهدف الحوامل.

“ثنائيّ إيثيل ستيلبسترول”

تعدّ الفترة منذ بداية الأربعينات إلى نهاية السبعينات من الفترات الكارثيّة فيما يخصّ الأدوية للنساء الحوامل؛ ففي بداية الأربعينات وصف دواء “ثنائيّ إيثيل ستيلبسترول” DES في حينها للوقاية من الإجهاض ومنع الولادة المبكّرة وتعزيز صحّة الحمل، ويعتبر هذا الدواء نوعًا اصطناعيًّا من هرمون الأستروجين.

تمّ تطوير الدواء لأوّل مرّة في عام 1938 من قبل شركة Eli Lilly and Company، وهي شركة أدوية أميركيّة. في البداية تمّ تطوير العقار كبديل لهرمون الأستروجين، وتطوّر الأمر بعد سنوات قليلة لعلاج الغثيان، وتمّ استخدام الدواء في الولايات المتّحدة وأوروبا وكندا وأستراليا وبشكل أكبر في الولايات المتّحدة.

بدأت الدراسات بالظهور في السبعينات عندما اكتشف أنّ للدواء آثار كارثيّة على صحّة النساء، وبشكل أكبر على الأجنّة، حيث وثقت العديد من حالات التشوّه والإصابة بالسرطان خصوصًا لدى الفتيات اللّاتي تعرّضن للدواء وهن في أرحام أمّهاتهنّ. وأظهرت الدراسات أنّ النساء اللّاتي تعرّضن لهذا الدواء أثناء الحمل كان لديهن أطفال أكثر عرضة للإصابة بنوع نادر من سرطان المهبل، ويعرف بسرطان الخلايا الصافية، ولكنّ التشوّهات لم تقتصر على ذلك، فقد أظهرت دراسات أخرى أنّ الفتيات تعرّضن لتشوّهات في الأعضاء التناسليّة مثل تشوّهات الرحم والعقم أو مشاكل في الحمل.

الأمر لم يتوقّف عند ذلك، بل استمرّ إلى الجيل الثاني من الأبناء، أحفاد النساء الّذين تناولوا الدواء، فقد أظهروا مشاكل صحّيّة ممّا جعل تأثير هذا الدواء يمتدّ لأجيال عديدة. وبعد ظهور نتائج الدراسات تمّ سحب الدواء تدريجيًّا وتوقّف الأطبّاء عن وصفه، ومثّلت تلك الفضيحة صدمة للمجتمع الطبّيّ.

أكيوتان Isotretinoin

في الثمانينات، تمّ طرح عقار “إكيوتان” Isotretinoin كعلاج فعّال لحبّ الشباب، وقدّم العلاج كحلّ نهائيّ للمشكلة الّتي يعاني منها على الأقلّ 10% من البشر وخاصّة المراهقين. في البداية تبيّن أنّ للدواء فعّاليّة كبيرة، ولكنّ الأمر لم يدم طويلًا، فقد بيّنت الدراسات أنّ للدواء آثار جانبيّة كبيرة على الحوامل، وأثبتت الدراسات انّه في حال تناول الدواء خلال الحمل، يمكن أن يتسبّب بالكثير من الأعراض الجانبيّة مثل التشوّهات الخلقيّة الشديدة وتشقّق الحنك، بالإضافة إلى تشوّهات القلب وعيوب في الدماغ. النتائج والأضرار الجانبيّة كانت كارثيّة جدًّا إلى درجة أجبرت الأطبّاء على وضع بروتوكولات حازمة لمنع تناول الدواء أثناء الحمل، أو التأكّد من عدم الحمل قبل صرف الدواء.

بعد صدور الأبحاث الّتي تؤكّد الأعراض الجانبيّة الكارثيّة لتلك الأدوية تعرّضت تلك الشركات للكثير من الدعاوى القضائيّة خاصّة في الولايات المتّحدة. وفيما يخصّ القضايا المتعلّقة بالعقار “ثاليومايد” رفعت العديد من العائلات دعاوى قضائيّة أثبتت أنّ الشركة لم تكن “شفّافة” فيما يخصّ المخاطر المرتبطة بالعقار، وتمّت تسوية تلك القضايا خارج المحكمة بتعويضات ماليّة مرتفعة. كما أقيمت دعاوى جماعيّة فيما يخصّ ثنائيّ إيثيل ستيلبسترول، وهي الدعاوى القانونيّة الّتي ترفع من قبل مجموعة من الأشخاص الّذين يعانون من أضرار مشابهة بسبب فعل واحد أو أكثر من الأفعال الضارّة الّتي قامت بها شركة أو جهة معيّنة، وتمكّن تلك الدعاوى الأشخاص الّذين لا يمكنهم تعيين محامين أن يطالبوا بحقوقهم.

وانتهت الدعوى الجماعيّة ضدّ الشركة بدفع تعويضات للضحايا عن أضرار مثل تشوّهات الأعضاء التناسليّة وسرطان المهبل، أمّا عقار اكيوتان فقد عرّض الشركة لدعاوى بسبب التشوّهات الخلقيّة، وانتهت بالتعويضات وإجراءات تنظيميّة أكثر صرامة بما ذلك برامج التعليم للمرضى والأطبّاء حول مخاطر الدواء.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *