أشرف غريب يكتب: الحاضر الغائب في حفل «كاسيت 90» – كتاب الرأي
لا تزال الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تمتعنا وتبهرنا بأفكار غير تقليدية فى نطاق الدورة الثانية لمهرجان العلمين الجديدة الممتد حتى نهاية الشهر الحالى تحت شعار «العالم علمين»، واحدة من هذه الأفكار كان الحفل الذى ضم مجموعة من نجوم أغنية التسعينيات تحت عنوان «كاسيت 90» بحضور كل من محمد فؤاد وهشام عباس وإيهاب توفيق وخالد عجاج.
ومعهم الكابو حميد الشاعرى ذلك الرجل الذى صبغ أغنية الثمانينات وما بعدها بلونه الخاص ولا تزال بقية من هذا اللون حاضرة فى أغنيات اليوم حتى لو اكتست بمسميات أخرى بخلاف ما كنا نطلق عليها وقت رواج دولة حميد وأعوانه خلال عقدين من الزمان من قبيل «الأغنية الشبابية» أو «أغنية التيك أواى» وخلافه.
ولا أبالغ إذا قلت إن حفل «كاسيت 90» قد مس شيئاً بداخلى ليس فقط باعتبارى من مستمعى هذه المرحلة شأنى فى ذلك شأن الملايين الذين عايشوا تلك الفترة، وإنما أيضاً باعتبارى شاهداً على صناعة بعض أغنياتها بحكم ما جمع بينى وبين كثير من مطربى هذا الجيل من صداقة وعشرة طويلة.
وتحت تأثير هذه الفكرة البراقة التى أتحفتنا بها الجهة المنظمة اقتحمتنى مجموعة من الخواطر والتأملات ربما يشاركنى بعضكم فيها.. أولاً: لم تكن فقط فكرة هذا الحفل التى يمكن وصفها بالذكاء، وإنما كان العنوان الذى أقيم الحفل تحت شعاره «كاسيت 90» أكثر ذكاء وتلخيصاً لجيل كامل كان فيه شريط الكاسيت هو أداته المهمة للوصول إلى الجمهور حتى من قبل الأسطوانة.
ثم عصر الأغنية الفردية فى زمن الإنترنت والمستحدثات الأخرى، كان شريط الكاسيت هو فقط مقياس نجاح هذا المطرب أو ذاك، وكانت أرقام المبيعات مؤشراً فارقاً على أفضلية مطرب بعينه لدى جمهوره، فالجمهور هنا ليس فقط مجرد مُتلقٍ لعمل فنى.
وإنما هو صاحب مبادرة فى التنازل عن جزء من ماله من أجل شراء كاسيت مطربه المفضل تماماً كحال نجم السينما الذى ينزل المشاهد من بيته ويدفع من ماله مقابل مشاهدة أحدث أفلام هذا النجم، كانت أصوات مطربى التسعينات تصاحبك فى حلك وترحالك، فى سيارات التاكسى والسيارات الخاصة، وحتى فى الميكروباصات، تعانق آذانك أينما كنت عبر المحال والشوارع وأكشاك بيع الكاسيت، فتعرف للتو ألبوم مَن من المطربين له الصدارة ومن ذا الذى ينافسه.
كنت تستطيع فى حينه ومن خلال حركة سوق الكاسيت التعرف على قائمة أفضل عشرة أو عشرين «TOP 10» أو «TOP 20» وكان لبرنامج مثل «أجمد سبعة الساعة سبعة» تأثيره الواضح، وهذا كله من خلال مبيعات سوق الكاسيت، أما اليوم فباتت الأغنية الفردية على شبكة الإنترنت ليست مقياساً لشىء، أو قل إن الاطمئنان إلى أرقام الدخول عليها أو تحميلها أمر له محاذيره وبحاجة إلى كثير من الوقت والتراكم، ناهيك طبعاً عن الحقوق المادية والأدبية التى تنتهك على مذبح الشبكة العنكبوتية.
ثانياً: هذا الجيل من المطربين هو الذى أدخلنا زمن «الفيديو كليب» على نطاق واسع، ومعه أصبحت الأغنية صوتاً وصورة، صحيح كان لهذا عيوبه وسلبياته، لكنه كان مسايرة ضرورية لما يحدث حولنا فى العالم، تماماً مثلما فعل حميد الشاعرى وجيله حينما ملأوا فراغاً غنائياً أوجده رحيل جيل العمالقة بعد منتصف عقد السبعينات مستفيدين من النقلة الموسيقية التى أحدثتها الفرق الغنائية الجماعية فى الذائقة الموسيقية العربية مثل الجيتس والمصريين والأصدقاء والـ«فور إم».
ثالثاً: من خلال معرفتى بكثير من فرسان الثمانينات والتسعينات أستطيع القول إنهم كانوا ولا يزالون يعملون تحت مظلة من الحب والتكامل، كانوا يتبادلون التلحين لبعضهم البعض، ويحضرون تنفيذ أغنيات زملائهم ويبدون ملاحظاتهم بمنتهى الود والإخلاص غير معنيين بأمور المنافسة أو التطاحن على صدارة المشهد الغنائى كما يحدث الآن للأسف الشديد، هذه المحبة بدت واضحة فى الحلقة التى بثتها الشركة المتحدة مع المذيع إبراهيم عبدالجواد وضمت كلاً من حميد الشاعرى وهشام عباس وخالد عجاج.
رابعاً: إذا كان حفل «كاسيت 90» الذى شهده مهرجان العلمين، واستعاد معه الجمهور أحلى ذكرياته قد ضم خمسة فقط من أبناء هذا الجيل فإن أسماء أخرى غابت أمثال مصطفى قمر وحلمى عبدالباقى وحنان وسيمون ومنى عبدالغنى ومحمد محيى وغيرهم، وربما يكونون هم أو بعضهم نجوم حفل مماثل فى العام القادم.
وكم كنت أتمنى لو كان الغائب الحاضر علاء عبدالخالق أحد رموز هذه المرحلة موجوداً بينهم، فمن المؤكد أن وجوده كان سيعطى إضافة قوية لفكرة براقة وموحية كهذه بما له من حضور وأعمال راسخة فى الوجدان التسعينى، لكننى أزعم أن وجود هذه الأسماء على خشبة مسرح مهرجان العلمين قد استدعى فى نفوس جمهور الحفل وعبر شاشات التليفزيون اسم علاء عبدالخالق وقائمة أغنياته التى أمتعنا بها.
وفى هذه المناسبة دعونى أعتب على «حميد وعباس وعجاج» ضيوف إبراهيم عبدالجواد الذين تباروا فى ذكر بقية أسماء جيلهم مع إغفال اسم صديق عمرهم علاء عبدالخالق، طبعاً أنا متأكد أنه سهو غير مقصود، فالمحبة التى كان يكنها هؤلاء لزميلهم الراحل ليست محل شك، وحالة الاحتضان التى أحاطوه بها وقت محنة مرضه فى سنواته الأخيرة تقول الكثير عن مدى محبتهم وتقديرهم لشخص وفن علاء عبدالخالق، لكنه على أية حال السهو الإنسانى الذى ترك فى النفس شيئاً من الغصة.
أخيراً: كل الامتنان والتقدير للشركة المتحدة التى أحيت بهذا الحفل سيلاً جارفاً من الذكريات فى نفوس جيل كامل عاش وكبر وتفاعل مع هذه الأصوات التى حتماً قد اكتسبت بتلك المشاركة فى مهرجان العلمين إكسيراً جديداً للخروج من حالة الكسل الفنى التى لازمتهم طوال الفترة الماضية أياً كانت أسباب هذا الخمول الفنى، فحُسن استقبال الجمهور لهم وتفاعله مع أغنياتهم لا بد أن يحمل الكثير من المعانى والرسائل التى تدفعهم إلى مزيد من الحضور على الساحة الفنية فى قادم الأيام.
المصدر: اخبار الوطن