Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

ألغام في سورية

الآن، وبعد أن هُزم النّظام، يتخوّف كثيرون من الأيدي العابثة التي تحاول زرع الفتنة. هنالك من يرفضون أحمد الشّرع في اللباس المدني، ويصرّون على إعادته إلى أصوله الجهاديّة، كي يثبتوا صحّة مواقفهم المعادية لتحرّر الشعب السّوري من الدكتاتورية ويبرّروها، رغم أن الإنسان يتغيّر مع تقدمه في السّن، ومن خلال تجاربه الحياتيّة، ويكتسب الخبرة، وقد تتبدّل أفكاره ومواقفه في السياسة والمجتمع وكل شيء.

على رأس هذه المخاطر المحيقة، هي محاولة اغتيال أحمد الشّرع الذي بات رمزًا للهيئة، وخصوصًا أنه يظهر في الأمكنة العامة، وذلك من قبل أجهزة استخبارات أجنبية، أو من بقايا فلول النظام السّابق، وقد تكون يدًا عربيّة في الأساس، فهنالك أنظمة عربيّة ترتعد فرائصها خشية انتشار عدوى استعادة الشّعوب لثقتها بنفسها، وأخذ زمام المبادرة، واستئناف ما بدأته عام 2011 لكنس الدكتاتوريات إلى مكبّات القمامة.

محاولة اغتيال أحمد الشرع ممكن أن تسبّب ردود فعل غاضبة وتلقائية من أنصاره تحمل طابع الفتنة، يرافقها تحريك خلايا نائمة من مخلّفات النّظام، ومن عملاء أجانب، تستيقظ لتمارس دورها التخريبي.

هنالك أيدٍ عربية ما زالت تحت تأثير الصّدمة، وهي التي كانت تسعى إلى التطبيع مع بشّار الأسد وإعادة تأهيله، وهي التي ارتكبت وشاركت في الجرائم الوحشية ضد الشّعب السّوري. لن تستسلم للواقع الجديد بسهولة.

خطرٌ آخر هو ما انتشر قبل أيام عن إحراق شجرة عيد الميلاد، أو تحطيم رموز دينية للمسيحيين أو غيرهم. قد يقوم بهذا العمل الدنيء مدسوسون بهدف التّحريض والتّخريب، وقد يقوم بهذا بعض أتباع الهيئة، فليس جميع هؤلاء على درجة واحدة من الوعي، منهم متعصّبون ومتشدّدون، وليس غريبًا أن يقوموا بممارسات مسيئة للجميع، ولهذا يجب أن تكون قيادة الهيئة نفسها حازمة في موضوع احترام المعتقدات المختلفة ومع رجالها أوّلا، في بلد فيه تعددية طائفية ومذهبية وفكرية.

الدين والقناعات الدينية وجمهورها، ميدان هامٌ جدًا وحسّاس. هنالك من يعبث ويلعب على العصب الديني والمذهبي والعشائري، بهدف الإحباط، وإعادة سورية إلى المربّع الأول.

هذا ممكن أن يعطي ذريعة للضغط على هيئة التحرير وفرض عقوبات عليها، وعرقلة استقرار الوضع في سورية.

هناك من ينتظر خطأ ما ليضخّمه، علمًا أنّه قد يكون حادثًا فرديًا وصغيرًا، وقد تقوم به يدٌ مدسوسة تهدف إلى زعزعة الثّقة التي اكتسبتها الهيئة بين الناس، وذلك لإعادة سورية إلى دائرة العنف والآلام التي لم تتوقف بعد.

ما حدث في بداية الثورة عام 2011 وما تلاها، كانت أعمال وحشية قام بها من لبسوا ثوب الثورة، كان هذا الدسّ من جهات عربية وأجنبية خشيت امتداد الربيع العربي، وهي نفسها التي تحرّض اليوم ضدّ هيئة تحرير الشام. ستحاول هذه القوى أن تعيد الكَرّة من خلال تنفيذ اعتداءات عملائها على مواطنين، قد تكون بشعة ومستفزّة جدًا ذات طابع وحشي بهدف إعادة الهيئة إلى الصورة الجهاديّة التي دُمغت بها في بداية الثورة.

هنالك مئات آلاف من العائلات السّورية التي ثكَلت أبناءَها، أو اعتدي على أعراضها وأموالها من قبل شبّيحة النّظام، وبلا شك في أن هناك من يسعى للانتقام لنفسه بصورة فردية، وهذا يؤدي إلى حالة من الفوضى، وإلى الخلط بين الشأن العام والخاص، وبالتالي، عرقلة عملية انتقال السّلطة بانسياب وسلالة، وفرض حالة من الفوضى، وتخريب الصّورة الجميلة المتفائلة التي اتّسم بها أعضاء الهيئة حتى الآن.

لا يمكن التسامح مع من لُطِّخت أيديهم بدماء السّوريين من ضباط وقادة في مراكز التحقيق والاعتقال، وممن مارسوا التّعذيب والقتل والتنكيل، ولكن يجب أن تجري محاكمتهم وفق القانون وبمحاكم عادلة، كي يشعر كلُّ مواطن بأنّ القانون فوق الجميع، وأن لا يأخذ أحدٌ تطبيق القانون بيده.

هنالك خطر إضافي ممكن أن يكون من الثوار أنفسهم، أن تتمرّد مجموعة ما وتنشق، وترفع راية مختلفة، وتعلن أهدافًا مختلفة تؤدي إلى صدامات داخلية، تدمّر ما جرى تحقيقه حتى الآن، قد تكون بمبادرتها، كذلك قد تحرّكها أيدٍ خارجية عابثة.

هنالك قوى علمانية تتخوّف من فرض نظام متزمّت عليها وبحقّ، ولكن أغلب الظّن بأنّ النّموذج التركي الذي نفذّه حزب العدالة والتنمية في تركيا، هو النموذج الذي ستتبناه الهيئة، وهو ما يمارس حتى اللحظة، وخصوصا أن تركيا هي الداعم الأول لها، ونأمل أن يستمر منح الشُّعور بالأمان والحرية الشخصيّة.

الاحتلال الإسرائيلي-الأميركي لاعب أساسي في القلاقل، ومن مصلحته الأولى تقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ، وهو الذي يتحدّث عن تقسيم سورية إلى دويلات طائفية، ويُذكي ويحرّض، ولهذا فإن مسؤولية كبيرة تقع على قيادات الطوائف والمذاهب المختلفة بعدم الإصغاء إلى هذا التحريض المدمّر وعدم التعامل معه.

سارع الاحتلال إلى إحراج هيئة تحرير الشام، واحتل أجزاءً جديدة من الجولان، ودمّر مخازن ومنشآت الجيش العربي السّوري التي كان يعرف تفاصيل تفاصيلها، بفضل النظام القديم المهترئ المتعفّن، وهنالك من يحرّض من هذه الزاوية بعد صمت طويل ونكتة “الزمان والمكان المناسبين”.

هنالك مخاطر لنقل الصراع إلى السّاحة اللبنانية، فهنالك من لهم حسابات داخلية مع حزب الله، سوف يحاولون الزّج بهيئة تحرير الشّام إلى الصراع اللبناني الداخلي، الأمر الذي يعني الدخول في دوّامة صراع مذهبي وطائفي، وعلى الهيئة الحذر من الدخول إلى هذا المطبّ، وترك أمره للّبنانيين أنفسهم.

يلعب الذباب الإلكتروني دورًا كبيرًا في استفزاز المشاعر المذهبية والطائفية والقومية، من خلال العبارات المسيئة جدًا من مختلف الأطراف، وواضح أن من يقف وراءها يستدعي الفتنة المذهبية والطائفية والقومية-أتراك وعرب وكرد وفُرس-.

هنالك من ينشرون فيدووات قديمة منذ سنوات، لإظهار وحشية هذا الطّرف أو ذلك، بهدف بث روح الانتقام وإبقاء الغرائز الدمويّة مشتعلة.

هنالك أعداد من “المثقفين” وصنّاع المحتوى الذين يريدون متابعين بأيّ ثمن كان، ولا يهمهم أن يسهموا بالفتن وتخريب الأوطان، ويجب الحذر منهم.

من تحملوا رذالة النظام وخصوصًا بعد شعار “الأسد، أو نحرق البلد”، وصبره على الاحتلال أكثر من نصف قرن، صاروا يطالبون هيئة تحرير الشام بفاتورة الحساب.

ما زال الطريق طويلا وشائكًا ومليئًا بالألغام، فأعداء الشّعوب لن يسملّوا ولن يهدأوا، وعلى رأسهم أميركا وذيولها في المنطقة، وسوف يستمرون في محاولاتهم الخبيثة والحاقدة على كل بذرة خير تنمو في أرض العرب.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *