Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

أين ستنتهي حرب إسرائيل متعدّدة الجبهات؟

لقد شكَّل اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الأسبوع الماضي لحظة مفصلية في منطقة الشرق الأوسط. إذ أصبح حزبًا، تحت قيادة نصر الله، أقرب حليف لإيران وقوة ردع حاسمة، والركيزة الأساسية لمحور المقاومة بالنسبة لطهران. وكان اغتياله بمثابة ضربة قاسية ومروِّعة ليس فقط لحزب الله، بل ولتحالف القوات المدعومة من إيران في جميع أنحاء المنطقة. أما بالنسبة لإسرائيل، فكان الاغتيال خطوة منطقية، وإن كانت جريئة، في سلم التصعيد. واتخذَّت إسرائيل بالأمس، الخطوة التالية في هذا السلَّم، بغزو بري على لبنان لتنفيذَ هجوم واسع النطاق على حزب الله، وواجهت في الوقت نفسه انتقامًا مباشرًا جديدًا من إيران، مع إطلاق ما يقرب من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل هذا الأسبوع.

أظهرت إسرائيل، منذ الهجوم الوحشي الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول قبل عام تقريبا، باستمرار استعدادها لتحمل أخطار أكبر في حربها ضد الداعمين الإقليميين لحماس، بما في ذلك إيران وحزب الله. استهدفت إسرائيل، على مدار العام الماضي، قادة في حزب الله والحرس الثوري الإيراني، مما أدى إلى مقتل مئات من كبار القادة منهجيًا. وأدَّى هذا إلى إضعاف حزب الله وإيران باطِّراد، ويأتي هذا بناءً على أنه على الرغم من أن كليهما سوف يحافظ على صراع منخفض المستوى، فإن أيًا منهما لا يريد حربًا واسعة النطاق مع إسرائيل. وقد شجعت الديناميكيات المحلية إسرائيل على مواصلة عملياتها أيضًا. ويرى العديد من الإسرائيليين أن العودة إلى الوضع الذي كان سائدا قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول أمر غير مقبول. وكان الدرس الرئيس المستفاد من هذه الهجمات هو أن إسرائيل لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الاكتفاء بإدارة واحتواء التهديدات على حدودها. وسوف يتطلب الأمر تحقيق انتصارات عسكرية حاسمة، بغض النظر عن التكاليف.

وهكذا أصبح القادة الإسرائيليون مدفوعين بقوة لاستعادة قوة الردع المحطمة وإعادة بناء صورتها، التي مزَّقتها هجومات حماس، بأنها لا تُقهر. وفي ظل عدم قدرتها على هزيمة حماس نهائيًا في قطاع غزّة، ربما ترى إسرائيل فرصة أكبر في القتال ضد حزب الله وإيران. لقد أمضى جيشها سنوات في الاستعداد للقتال على الجبهة الشمالية، وكما أظهرت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة في إيران ولبنان، فإن أجهزة استخباراتها اخترقت على الشبكات الإيرانية وحزب الله اختراقًا واسع النطاق.

وفي ظل البيئة التصعيدية الحالية، فمن غير المرجح أن تنجح الجهود الأميركية والدولية لتشجيع التوصل إلى تسوية دبلوماسية للحرب في لبنان أو قطاعِ غزّة، حتى مع تزايد الحاجة إلى وقف إطلاق النار في ضوءِ المواجهة المباشرة الجديدة بين إسرائيل وإيران. لا تسعى إسرائيل في الوقت الراهن إلى أيٍ مخرج دبلوماسي، بل تبحث عن النصر الكامل. وتضاف إلى الحسابات الإستراتيجية اعتبارات سياسية تربط البقاء السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحروب المستمرة التي يبدو أنها لا تؤدي إلا إلى تعزيز شعبيته واستقرار ائتلافه الحاكم.

كان نصر الله عدوًا خطيرًا، وقد ابتهج الإسرائيليون ــ وكثيرون غيرهم في المنطقة ــ بمقتلهِ. ويؤيد العديد من الإسرائيليين مواجهة حزب الله الضعيف في لبنان، وحتى زعماء المعارضة يؤيدون العمليات البرية الإسرائيلية الجارية حاليًا. ولكن بمجرد أن يتلاشى هذا الحماس –وهو ما قد يحدث بسرعة أكبر من المتوقع، حيث أدت الهجمات التي تشنها إيران وحزب الله ردًّا على مقتل نصر الله إلى إجبار الإسرائيليين في جميع أنحاء البلاد على اللجوء إلى الملاجئ– فقد يبدأ الإسرائيليون في سؤال قادتهم عما يعنيه النصر حقًّا. إذا كان النصر هو التصعيد والنجاحات العسكرية التكتيكية ضد حزب الله وإيران، فإن إسرائيل نجحت بالفعل. لكنه انتصار عابر. تنطوي خطة السلام الأميركية على تكاليف ونتائج غير متوقعة، ويبدو أنها غير مرتبطة بأي زخم جدي نحو السلام مع الفلسطينيين، والذين يعتبرون التحدي الوجودي الأكثر خطورة الذي تواجهه إسرائيل[1].

حسن نصر الله (Getty)

بعد مرور عام على الحرب، لا توجد إمكانية حقيقية لحدوث «يوم تال للحرب» أفضل في قطاع غزّة أو بقية المنطقة. إن الحديث في واشنطن عن الاستفادة من مقتل نصر الله وضعف إيران «لإعادة تشكيل» الشرق الأوسط يُذكرنا بالاعتقادات الخاطئة التي دفعت تجاه الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وحذا بنا إلى نتائج كارثية. يضر استمرار الصراع العسكري بالمنطقة، ويضر بالمصالح الأميركية. وبدون تغيير في الحكومة الإسرائيلية الحالية، قد تتحرك إسرائيل وجيرانها نحو يوم تالٍ مختلف تمامًا بعد ذلك: إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وربما حتى جنوب لبنان، فضلا عن تعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، إن لم يكن ضمها. وهذه ليست وصفة للنصر، بل للحرب الدائمة.

حربٌ في طور التكوين

كانت إحدى الأخطار المُحتملة والواضحة لحرب غزة هو أن تشعل نزاعًا إقليميًا أوسع نطاقًا، بما في ذلك المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران. وسرعان ما دخل حزب الله إلى الساحة، ولكن ربما ليس بالقدر الذي كانت ترغب فيه حماس. وفي إظهار للتضامن، بدأ حزب الله في شن هجمات عبر الحدود على شمال إسرائيل في الأسبوع الأول من الحرب، وردت إسرائيل بهجمات مضادة كثيفةٍ على نحو متزايد. وأدى تصاعد العنف إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين واللبنانيين على جانبي الحدود.

تشبث كثيرون بالوهم القائل بأن الصراع على الجبهة الشمالية يمكن احتواؤه؛ لأن أي طرف لم يكن يريد حربًا واسعة النطاق. واقتصر حزب الله إلى حد كبير على هجماته على أهداف قريبة من الحدود، والتي كانت ضمن قواعد الاشتباك المقبولة التي شكلها الحزب مع إسرائيل بعد حربهما الأخيرة في عام 2006. ولكن مع استمرار القتال في قطاع غزّة، تجاوزت إسرائيل وحزب الله الخطوط الحمراء بهجمات وصلت إلى عمق الأراضي الإسرائيلية واللبنانية وعرضت المدنيين للخطر. وارتفع عدد الضحايا، لكن بمستوى يوحي بأن الصراع ما يزال قابلًا للاحتواء.

إلا أن خطر اندلاع حربٍ شاملة كان موجودًا دائمًا، بإحدى طريقتين. كان أول هذه الاحتمالات هو احتمال وقوع خطأ في التقدير، وهو أن هجومًا من جانب أحد الطرفين من شأنه أن يؤدي إلى خسائر بشرية غير متوقعة، ويجبر الجانب الآخر على خوض حرب غير مرغوب فيها. وقد تجلى هذا الخطر بوضوح مع الهجوم الذي شنته إسرائيل في أوائل أبريل/نيسان على منشأة دبلوماسية إيرانية في دمشق، والذي أسفر عن مقتل كبار القادة الإيرانيين. واعترفت إسرائيل بأنها أخطأت في حساباتها، معتقدة أن الهجوم لن يثير رد فعل إيراني. ولكن الأمر كان مستفزًا بالفعل لإيران، إذ أطلقت أول هجوم صاروخي مباشر لها على إسرائيل. وفي حين تمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من صد الضربة واحتوائها بسرعة، إلا أن هذه الضربة أظهرت كيف يمكن للحسابات الخاطئة أن تتفاقم بسرعة، كما مهدت الطريق للصراع العسكري بين إيران وإسرائيل الذي يتكرر اليوم.

وكان المسار المحتمل الآخر نحو الحرب الشاملة هو تغيير الحسابات الاستراتيجية، حيث ترى إحدى القوى المعنية قيمة أعظم في شن حرب بدلًا من تجنبها. وهذه هي العقلية التي دفعت إسرائيل إلى تصعيد هجومها على حزب الله في لبنان. ورغم أن إيران وحزب الله بدا أنهما تعتقدان أن الصراع منخفض الدرجة مع إسرائيل أمر يمكن إدارته طالما ظلت إسرائيل منشغلة بقطاع غزّة، فإن حسابات إسرائيل تغيرت بالفعل مع تحول اهتمامها على نحوٍ متزايد نحو الشمال خلال الصيف.

آثار الدمار جراء القصف الإسرائيلي على الضاحية الجنوبيّة، بيروت (Getty)

وعندما يتعلق الأمر بالشمال، فثمة إجماع أكبر بكثير في المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية، وعلى طول الطيف السياسي مقارنة بالنقاش حول كيفية التعامل مع قطاع غزّة والرهائن المتبقين. بعد هجمات حماس، لم يعد الاعتماد على الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية لحماية البلاد من ترسانة حزب الله الضخمة كافيًا، ولن يكون كافيًا أيضًا للسماح للإسرائيليين النازحين بالعودة إلى ديارهم. ولم يكن بوسع إسرائيل أن تتسامح مع نشاط حزب الله على حدودها، ورفضت فكرة أن الصفقات الدبلوماسية التي اقترحها الأميركيون أو الفرنسيون ستكون وحدها كافية لردع الهجمات المستقبلية وإجبار حزب الله على التراجع تراجعًا كافيًا، بل قدرت إسرائيل أن حزب الله، وإيران من بعدها، كانا مترددين في توسيع صراعهما العسكري مع إسرائيل. وهكذا، حسبت إسرائيل أنها قد تستفيد من نصب كمين لكلا الخصمين دون مواجهة رد انتقامي كبير، وهو التقييم الذي يبدو الآن أنه كان طموحًا أكثر من اللازم. ولم تكن إسرائيل تتوقع الكثير من المقاومة من جانب حلفائها، نظرًا لأن الولايات المتحدة لم تفرض سوى القليل من القيود، إن فرضتها أصلًا، على النشاط العسكري الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ويبدو أن هذا التوقع قد تحقق: فقد واصلت الولايات المتحدة دعمها العسكري الكامل لإسرائيل، بينما توسع حملتها في لبنان وتواجه هجمات جديدة من إيران.

أشارت إسرائيل، قبل الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، إلى أنها تخطط فقط لتنفيذ عملية عسكرية محدودة في لبنان وليس احتلال جنوب لبنان مرة أخرى. ولكن لا توجد ضمانات بأن الحرب ستظل محدودة أو قصيرة، استنادًا إلى تاريخ الحروب بين البلدين؛ ونظرًا للمقاومة المحتملة التي ستواجهها إسرائيل من جانب حزب الله، حتى في حالته المتضائلة الآن بعد أن غزا الأراضي اللبنانية. وفي ظل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية المباشرة، قد تشتد حدة الحرب اللبنانية أكثر.

لعلَّ إسرائيل لم تكن تقصد أن يكون انفجار أجهزة النداء (Pagers) وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي وزعها حزب الله في منتصف سبتمبر/أيلول بمثابة الضربة الأولى في حربٍ ثانية. لكن إسرائيل، بطريقة أو بأخرى، كانت عازمة على تغيير المعادلة مع حزب الله. السؤال الآن هو إلى أي مدى تخطط إسرائيل للمواصلة؟ وإذا كان ما يحدث في قطاعِ غزّة مؤشرًا على أي شيء، فإن لبنان وشعبه قد يواجهون أسابيع صعبة للغاية في المستقبل، فقد نزح مليون لبناني في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من خمسة ملايين نسمة.

الهدف القادم؟

واجهت إيران معضلة في كيفية الرد على مقتل نصر الله والهجمات الإسرائيلية على حزب الله. ولقد كان قرارها بالتخلي عن الرد الفوري على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، في أواخر يوليو/تموز، بمثابة إشارة إلى درجة من الحذر والاهتمام المستمر بتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقًا. وعلى الرغم من كل عداوتهم تجاه إسرائيل، فإن القادة الإيرانيين يقدِّرون بقاءهم فوق كل شيء، ويدركون أن الحرب المباشرة مع إسرائيل، والتي قد تشمل الولايات المتحدة، قد تهدد وجودهم. تخوض إيران وإسرائيل منذ أكثر من عقد من الزمان ما يسمى بالحرب الخفية التي تتسم بالاغتيالات والتخريب والهجمات الإسرائيلية المتعددة على البنية التحتية النووية والعسكرية الإيرانية. كانت المرة الوحيدة التي هاجمت فيها إيران إسرائيل علنيًا ومباشرةً في إبريل/نيسان الماضي، في محاولة ثبت أنها فاشلة لاستعادة الردع الإيراني مع توسع الحرب في قطاع غزّة.

ولكن الهجمات الإسرائيلية البارزة على مدى الشهرين الماضيين، من مقتل هنية إلى هجمات أجهزة النداء واغتيال نصر الله، زادت من الضغوط داخل إيران للرد بقوة أكبر لإصلاح صورتها بين شركائها في المحور وإنهاء سلسلة انتصارات إسرائيل على مدى الأسابيع القليلة الماضية، والتي تضمنت ضربات إسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن. ولعلّ قادة طهران قد قدروا أيضًا أن إسرائيل، بغض النظر عن كيفية ردها، كانت مستعدة لمهاجمة إيران هجومًا مباشرًا، بفضل حالة حزب الله الضعيفة، التي كانت تشكل الرادع الإيراني الأكثر فتكًا ضد إسرائيل. بل وأصدر نتنياهو بيانًا مصورًا موجهًا للشعب الإيراني (باللغة الإنجليزية) في 30 سبتمبر/أيلول، صرح فيه على نحوٍ قاطع: «ليس هناك مكان في الشرق الأوسط لا تستطيع إسرائيل الوصول إليه».

ونتيجة لذلك، ورغم المخاطر، ولا شك بعد نقاش داخلي كبير، نفَّذت طهران وعدها بالرد، فأطلقت الصواريخ على إسرائيل للمرة الثانية في الأول من أكتوبر/تشرين الأول. وقد أعطت إخطارًا متأخرًا مقارنة بهجوم أبريل/نيسان، وكانت أهدافها تشمل منشآت عسكرية في مناطق ذات كثافة سكانية عالية في إسرائيل. وكما حدث في السابق، نجح نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، بمساعدة عسكرية أميركية، في صد الهجوم، مما أدى إلى الحد من الأضرار وضمان عدم وقوع إصابات في صفوف الإسرائيليين. وأعلن نتنياهو أن إيران «ستدفع» ثمن الهجوم، ووعد المسؤولون الأميركيون بعواقب وخيمة على إيران. ونظرًا للطبيعة المباشرة للضربة الإيرانية وقائمة الأهداف الإسرائيلية المتوسعة، فإن الرد الإسرائيلي شبه مؤكد. ولكن ما هو أقل يقينًا هو ما إذا كانت هذه الجولة الجديدة من المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل ستنتهي بالسرعة نفسها التي انتهت بها الجولة التي شهدتها في أبريل/نيسان الماضي.

ومع تدهور محور إيران بالوكالة، قد تُقرر إسرائيل اغتنام الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية أو زيادة استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني، أو حتى الزعماء السياسيين الإيرانيين. وتوجد أيضًا أسباب منطقية قد تجعل إسرائيل تقتصر في ردّها على توجيه ضربة أخرى مدروسة ومستهدفة لإيران، كما فعلت في أبريل/نيسان، مما سمح لكلا الجانبين بإعلان النصر والتراجع عن حافة الهاوية. ومن المرجح أن تكون مقاومة الولايات المتحدة لتوسيع الحرب كبيرة أيضًا. وقد هددت بالفعل قوات الميليشيات الموالية لإيران في العراق باستهداف الأفراد الأميركيين إذا تدخلت الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن إدارة بايدن لا تسعى إلى حرب مباشرة مع إيران. وفي كل الأحوال، قد تفضل إسرائيل العودة إلى تكتيكات حرب الظل، مستغلة ضعف حالة إيران. ومع ذلك، فإن المناخ التصعيدي الحالي والنتائج غير المتوقعة للحرب في كثير من الأحيان تعني أنه لا يمكن استبعاد أي أمرٍ.

نازحون من دير البلح في غزّة يراقبون الصواريخ الإيرانيّة الموجّهة إلى تل أبيب (Getty)

يتكهن بعض المحللين حاليًا بأن إيران قد ترد على تدهور شبكة تحالفاتها وتعوض عن ضعفها العسكري التقليدي من خلال التحرك نحو تسليح برنامجها النووي. ولكن مثل هذه الخطوة الجذرية ستكون سهلة الكشف، ولن تؤدي إلا إلى زيادة خطر وقوع هجمات إسرائيلية أكثر شدة ونطاقًا على البلاد.

يوم تالٍ يدلهمّ

كانت إسرائيل، في هذه المواجهة، مستعدة لبذل كل ما في وسعها لإضعاف حزب الله وإيران، وقد حققت بالفعل تقدمًا كبيرًا في تلك الجبهة. ولكن الحرب في قطاعِ غزّة وزيادة العسكرة في الضفة الغربية تثير التساؤل حول مدى استعداد إسرائيل للتقدّم في الأراضي الفلسطينية. ورأينا العام الماضي إلى أن حكومة نتنياهو تهدف إلى ما لا يقل عن خلق واقع جديد على كافة حدود إسرائيل.

وكان صناع القرار والمحللون يخططون لليوم التالي منذ بدء الحرب. وكانوا يأملون أن تبرز الفرصة من المأساة. وربما تساعد الأطراف الإقليمية والدولية الإسرائيليين والفلسطينيين على التوصل أخيرًا إلى اتفاق وإعادة بناء الضفة الغربية وقطاع غزّة بعد سنوات من الإهمال. إن حجم المعاناة والخسارة يمكن أن يكون بمثابة تذكير قاسٍ، ولكن فعّال، بأن هذا الصراع لا يمكن تجاهله، وأنه قادرٍ على التسبب بالدمار، ليس فقط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل وأيضًا في جميع أنحاء المنطقة، بطرق من شأنها أن تمس كل ركن من أركان العالم. وأعربوا عن أملهم في أن يثبت ذلك أن النتيجة الوحيدة المقبولة هي إيجاد حل سياسي قابل للتطبيق، ومن شأنه أن يكسر دورات العنف التي لا تنتهي.

ومن المؤسف، إن لم يكن من المتوقع، أن تتلاشى رؤية يوم سلمي ومزدهر بعد هذه الأحداث أكثر فأكثر. ولكن الصورة بدلًا من ذلك هي صورة استمرار القتال، وارتفاع أعداد القتلى، والدمار المادي الكارثي، والنزوح الجماعي، والظروف الإنسانية المزرية. في هذه الأثناء، ما يزال الرهائن الإسرائيليون المتبقون الذين لم تقتلهم حماس يعانون في الأنفاق تحت القطاع.

تكمن تحت هذه الكوارث الحالية عواقب طويلة الأجل لم تكن حتمية بأي حال من الأحوال. إن الخيارات التي يتخذها نتنياهو وائتلافه الحاكم المتطرف الآن قد تؤدي إلى انهيار عقود من الجهود التي بذلها رؤساء الوزراء الإسرائيليون السابقون إسحاق رابين وإيهود باراك وأرييل شارون لفك ارتباط إسرائيل بالأرض الفلسطينية. وفي قطاع غزّة، ما تزال القوات الإسرائيلية متمركزة تمركزًا عميقًا، حيث تحافظ على السيطرة في ممر فيلادلفيا على الحدود مع مصر، وتستعد لوجود عسكري طويل الأمد. ويستمر التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، بحماية الجيش الإسرائيلي وبتشجيع من الوزراء الإسرائيليين الذين يطمحون إلى السيطرة على كامل الأراضي. وقد زادت عمليات التوغل التي تقوم بها قوات الدفاع الإسرائيلية في المدن الفلسطينية، مثل المداهمات الواسعة في جنين وطولكرم، في الأشهر الأخيرة مع ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية. لقد بدأت عملية عسكرية برية إسرائيلية داخل لبنان، وبدأ الزعماء والمحللون الإسرائيليون يناقشون إمكانية إعادة إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان، على غرار المنطقة العازلة التي أنشأتها إسرائيل بعد غزوها للبنان في عام 1982 وحافظت عليها حتى الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب في عام 2000.

وإذا استمرت هذه العمليات، فقد ينتهي الأمر بإسرائيل، عن قصد أو دون قصد، إلى إعادة احتلال أجزاء من غزة أو كلها، والضفة الغربية، وحتى جنوب لبنان. وغني عن القول أن اليوم التالي سيكون مُدلهمًا أكثر مما تصوره الكثيرون. لكن هذا احتمال حقيقي وله عواقب وخيمة محتملة. إن إعادة الاحتلال من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل على المدى الطويل، وأن يقضي على التطلعات الفلسطينية إلى الاستقلال والكرامة، وأن يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها.

شوكة في الطريق

من شأن إضعاف إسرائيل لحزب الله أن يعمق الاعتقاد الراسخ بالفعل بين العديد من القادة والشعب الإسرائيلي بأن القوة العسكرية هي القادرة فقط على جعلهم آمنين. وبعد صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول ومع صعود الزعماء القوميين الإثنيين الدينيين في إسرائيل، ربما يتوصل الإسرائيليون إلى استنتاج مفاده أن الاستيلاء على الأراضي هو أفضل وسيلة لتأمين بلدهم. ويبدو أن الصيغة التي تحكم الدبلوماسية الإسرائيلية منذ المعاهدة التي أبرمتها إسرائيل مع مصر في عام 1979، أي الأرض مقابل السلام، أصبحت اليوم غير موثوقة. وافقت إسرائيل آنذاك على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء مقابل تطبيع العلاقات الثنائية. ولكن مع هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي جاء من قطاع غزّة، التي احتلتها إسرائيل أيضًا في وقت سابق، بدا أن السيطرة على الأرض اكتسبت مرة أخرى قيمة أكبر بوصفها إستراتيجية دفاعية. ولم تكن الأسوار ذات التقنية العالية كافية لحماية الإسرائيليين من الأذى. إن الدفاع الصاروخي والبنية الأساسية للدفاع المدني تحد من الأضرار التي يمكن أن يلحقها العدو، ولكن من دون نقل القتال إلى العدو وإعادة احتلال الأرض، يزعم بعض قادة إسرائيل اليوم، أن إسرائيل لن تكون آمنة.

ويبدو أن احتمالات هذه النهاية تزداد يوما بعد يوم. ولكنها لا تستطيع أن تحقق الأمن الطويل الأمد الذي تسعى إليه إسرائيل. بل من شأنه أن يجعلَ إسرائيل حبيسة دائرة من الحرب والعزلة العالمية، مع جر الولايات المتحدة معها. إن إسرائيل بحاجة إلى زعيم يشكك في التعريف الحالي للنصر، ويعترف بأن النصر الحقيقي غير ممكن بدون السلام. ولا يتعين علينا أن نؤمن بـ «الشرق الأوسط الجديد» حيث تُقبلُ إسرائيل قبولًا كاملًا، وتتاجر وتتفاعل مع جيرانها، لندرك أن هناك مسارًا مختلفًا وواقعيًا للمضي قدمًا. إن هذا الطريق ليس طريق احتلال دائم وحرب دائمة. ولكن في الوقت الراهن فإن هذا هو المسار الذي تنتهجه إسرائيل.


إحالات:

[1] وهذا لأنها تهتم بالاستقرار فقط، وبتقديم رؤى سلامٍ منزوعة من العدالة لضحايا المشروع الاستعماري الاستيطاني، ما يجعل كل الجهود لاحتواء الفلسطينية تبوء بالفشل بعد كل فترة، ويبدأ انتفاضة أو ثورة أو هبَّة جديدة (المُترجم).


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *