Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

أيّ مستقبل ينتظر مواقع التواصل الاجتماعيّ؟

بصرف النظر عن بقاء تلغرام من عدمه، ففي زمن تزداد فيه وتيرة الصراعات ومعها وجهات النظر بشكل يوميّ، فإنّ الحاجة المستمرّة إلى تطبيقات تراعي الخصوصيّة والأمان ستظلّ قائمة…

“لكي تصبح حرًّا بشكل حقيقيّ، عليك أن تخاطر بكلّ شيء من أجل الحرّيّة” هكذا علّق مؤسّس تطبيق تلغرام الروسيّ، بافيل دوروف، في إحدى مقابلاته، والذي اعتُقِل في فرنسا، وتمّ الإفراج عنه بشروط مقيّدة، وكفالة تتجاوز الـ5 ملايين دولار أميركيّ.

قصّة التأسيس

بافيل دوروف، البالغ من العمر 40 عامًا، أسّس الموقع الروسيّ الشهير Vkontakte في عمر 22 عامًا، والّذي أصبح في وقت قصير من أشهر المواقع في روسيا. ولكن بعد وقت قصير جدًّا وتحت ضغوطات كبيرة، قرّر بافيل مغادرة روسيا ونفي نفسه اختياريًّا. بافيل لديه “سلّة” من الجنسيّات، يُذكر منها منها الجنسيّة الروسيّة والفرنسيّة وجنسيّة ساينت كيتس نيفيس، وهي الدولة المعروفة بأنّها الملاذ الضريبيّ الآمن لأصحاب رؤوس الأموال، بالإضافة إلى الجنسيّة الإماراتيّة. وتعدّ الجنسيّة الإماراتيّة مثار اهتمام كبير، خاصّة عند الأخذ بعين الاعتبار أنّ أكثر من 90% من حملة هذه الجنسيّة من المواطنين الإماراتيّين الأصليّين، وليس ثمّة مسار واضح ومعروف لكيفيّة حصوله على الجنسيّة. في عام 2017 أصبح مؤسّس تلغرام مقيمًا في الإمارات بشكل دائم. أمّا فيما يخصّ الجنسيّة الفرنسيّة، فقد صرّح مصدر مقرّب من السلطات الفرنسيّة، أنّ المدير التنفيذيّ لتطبيق تلغرام كان قد تقدّم بطلب الحصول على الجنسيّة إلى وزير الخارجيّة الفرنسيّ آنذاك.

لا شكّ في أنّ تطبيق تلغرام أصبح واحدًا من أشهر التطبيقات في السنوات الأخيرة، وذلك بعد وصوله إلى مليار مستخدم فعّال شهريًّا. ينتمي مستخدمو التطبيق إلى جميع الأطياف السياسيّة، بدءًا من اليمين المتطرّف وانتهاء في المجموعات المعنيّة بالحفاظ على البيئة، ولكن ما السرّ في الزيادة الواضحة بعدد المستخدمين في ظلّ وجود تطبيقات مثل ماسنجر وواتساب؟

مؤسّس تطبيق تلغرام بافيل دوروف (Getty)

يرجع بعض الخبراء زيادة عدد مستخدمي التطبيق في دول مثل إيران من جراء العقوبات المفروضة عليها، والّتي تمنع شركات مثل ميتا (فيسبوك) من العمل فيها. ويضيف خبراء آخرون أنّ ارتفاع وتيرة الأزمات في السنوات الأخيرة، مثل الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة، زادت من الحاجة إلى مصادر المعلومات ووسائل الاتّصال لنقل المعلومات، بالإضافة إلى أنّ التطبيق يتيح خدمات لا تتوفّر في وسائل اتّصال أخرى. ولكن، وبحسب دوروف، فإنّ الدافع لإنشاء تلغرام هو أنّ التطبيق يخدم بشكل خاصّ أولئك الّذين يعيشون في ظلّ أنظمة تراقب الاتّصالات. قبل عقد من الزمن، ومنذ تأسيس تلغرام، ازدادت شعبيّته في دول مثل إيران، ولكنّ تفاقم الأزمات في السنوات الأخيرة، جعلت من التطبيق ملاذًا للكثيرين، ما ساهم في زيادة أعداد مستخدميه بصورة فاقت كلّ التوقّعات.

بالإضافة إلى “المستخدمين العاديّين” لتطبيق تلغرام، فإنّ الكثير من التقارير كانت قد أشارت خلال السنوات الماضية، إلى أنّه تحوّل إلى ملاذ لمخالفي القانون ومهرّبي وتجّار المخدّرات والقائمة تطول، ولكن، وعلى الجانب الآخر، فإنّنا قد نجد رؤساء دول مثل الرئيس الأوكرانيّ فلاديمير زيلينسكي من مستخدمي التطبيق. كما تشير تقارير أخرى إلى استخدام تلغرام ضمن أحداث سياسيّة مثل اقتحام مبنى الكابيتول الّذي نفّذه مناصرو الرئيس الأميركيّ السابق، والمرشّح الحاليّ، دونالد ترامب.

فلسفة التطبيق: في سؤال الحريّة والخصوصيّة

في إحدى مقابلاته، عبّر الرئيس التنفيذيّ للتطبيق، بافيل دوروف، عن تطلّعاته في ما يتعلّق بسياسة الخصوصيّة وارتباطاتها بالحرّيّة. وعلّق على عدم فرض أيّ قيود على حسابات تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش”، وقال: “أعتقد أنّ الخصوصيّة، في آخر المطاف، وحقّنا فيها، أكثر أهمّيّة من الخوف من الأفعال الخاطئة الّتي يرتكبها الناس مثل الإرهاب”. وأضاف: “إنّها سلسلة من الحوادث المؤسفة، ولكن في النهاية فإنّ داعش حتمًا سيجدون دائمًا وسيلة للتواصل في ما بينهم. لا أعتقد أنّ علينا الشعور بالذنب في ما يتعلّق بهذا الأمر. ولا أزال أعتقد أنّنا نفعل الشيء الصحيح. نحمي خصوصيّة عملائنا”.

تطبيقات التواصل الأكثر رواجا (Getty)

مؤخّرًا، اعتقلت السلطات الفرنسيّة مؤسّس التطبيق المولود في روسيا. جرى اعتقال دوروف، الّذي تحصل على الجنسيّة الفرنسيّة عام 2021، بالقرب من العاصمة الفرنسيّة باريس. وتمّ الإفراج عنه بعد أيّام، وتحديد الكفالة بما يقارب 5.5 مليون دولار تدفع مرّتين في الأسبوع ومنعه من مغادرة البلاد. التحقيق الجاري يشير إلى أنّ الادّعاء الفرنسيّ سيوجّه ما يصل إلى 12 تهمة، منها ما هو مرتبط بالنشاط الإجراميّ على التطبيق، ومن تلك الأنشطة؛ غسيل الأموال، الإرهاب، تهريب وبيع المخدّرات، وتهم ذات ارتباطات جنسيّة في ما يتعلّق بالقاصرين والأطفال، بالإضافة إلى نشاطات الجماعات المتطرّفة. وتشير الاتّهامات الأوّليّة إلى تسهيل دوروف لتلك العمليّات من خلال عدم انصياع التطبيق للقيود والقوانين الأوروبّيّة، وبالرغم من أنّ إدارة تلغرام تؤكّد التزام الشركة بالقوانين الأوروبّيّة، إلّا أنّ الادّعاء الفرنسيّ لا يزال يحقّق في القضيّة، حيث يواجه دوروف عقوبات قد تصل إلى السجن لمدّة 10 سنوات في حال ثبوتها.

من جهته، صرّح الادّعاء الفرنسيّ أنّ الاعتقال جاء إثر تحقيق واسع، وأنّ التطبيق لم يتجاوب مع السلطات للحدّ من المحتوى الجنسيّ والاتّجار بالمخدّرات وغسيل الأموال عبر المنصّة، ومن جهته نفى الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون أنّ الحادثة لها أيّ أبعاد سياسيّة، وهي فقط إجراء قضائيّ ناتج عن تحقيق منفصل يُدار من الادّعاء الفرنسيّ، كما علّقت وزارة الخارجيّة الإماراتيّة بأنّها تتابع ما يحدث عن كثب مع السلطات الفرنسيّة.

أزمات متلاحقة مع المشرّعين

منذ نشأته، لم تتمكّن الحكومات، الأوروبّيّة خاصّة، من إجراء حوار والتواصل مع تلغرام بشكل مثمر، فمن جهة، ينادي القائمون على التطبيق، وعلى رأسهم المدير التنفيذيّ بالديمقراطيّة والحرّيّة، ومن جهة أخرى، تحاول الحكومات جاهدة التحكّم، ولو قليلًا، بما يحدث داخل التطبيق. من وجهة نظر الحكومات، فإنّ التطبيق يتيح لتجّار المخدّرات، مثلًا، عرض بضائعهم وبيعها دون عناء. وعلى الرغم من تقنين بعض الموادّ المخدّرة في أوروبا، إلّا أنّ اللائحة تطول بأنواع أخرى.

(Getty)

“من الصعب العمل على ترتيبات معيّنة مع تلغرام، ومن الصعب التواصل معهم”، هكذا عبّر وزير هولنديّ عن الأمر ببساطة عندما وُضِع تحت ضغوطات من المشرّعين حول تقارير إخباريّة تفيد بأنّ التطبيق يتيح لتجّار المخدّرات عرض وبيع بضاعتهم عبر دردشات التطبيق. الأمر بسيط وسهل، يوفّر تلغرام خدمة الردّ الآليّ أو ما يُعرف بالـ Bots، وبمجرّد السؤال، يتمّ الردّ بقائمة من المنتجات، ويتبع ذلك تحديد الكمّيّات وإمكانيّة تزويد العناوين وطريق الدفع المختلفة، وهكذا، فإنّ الموضوع بسيط كشراء خضار من البقّالة المجاورة، ولكنّ هذه المرّة من المنزل، ولا شكّ أنّ الكثير من المشرّعين الأوروبّيّين يأملون أن يكون الاعتقال الأخير المدير التنفيذيّ بداية لوضع حدّ الخدمات والمزايا الّتي يوفّرها تلغرام للمستخدمين.

تاريخ الصراع مع تلغرام طويل ومضنٍ لطرفي النزاع، وقد سبق إغلاق التطبيق في عدد من الدول، إذ أغلقت إسبانيا التطبيق لعدّة ساعات في شهر آذار/ مارس الماضي، إثر شكوى من مجموعات صحافيّة أفادت بتلاعب بالمعلومات على التطبيق وترويج معلومات مغلوطة. دول أخرى مثل تايلاند، الصين، وإيران أغلقت التطبيق منذ سنوات، وثمّة دول مثل الهند والنرويج والمملكة المتّحدة ترى التطبيق كمصدر قلق.

مخاوف قديمة، لكنّها تتجدّد

دائمًا ما كان الحوار حول تطبيقات المراسلة يدور حول اطّلاع الحكومات والمشرّعين على معلومات المستخدمين وقدرة هؤلاء المشرّعين بالتحكّم في انتشار مواضيع معيّنة دون أخرى. مؤخّرًا وفي ظلّ اعتقال دوروف، اتّهم المدير التنفيذيّ لشركة ميتا، المالكة لتطبيقات مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب، مارك زوكربيرغ، أنّ إدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن وضعته تحت الكثير من الضغوط من أجل حظر معلومات تتعلّق بجائحة كورونا.

المدير التنفيذيّ لشركة ميتا (Getty)

“أعتقد أنّ ضغوطات الحكومة كانت خاطئة، وأنا نادم أنّني لم أتحدّث عن ذلك من قبل”. وأضاف: “أنا أيضًا أعتقد أنّنا قمنا ببعض الخيارات، والّتي حين ننظر إليها الآن، وبالنظر إلى جميع معطياتها، فإنّها لم تكن صحيحة في حينه”.

في بلاد مثل ألمانيا والمملكة المتّحدة، على غرار الدول الأوروبّيّة الأخرى، فإنّ مفاهيم الديمقراطيّة والحرّيّة “لا تمسّ ولا تتغيّر”، ولكن، عند الحدّ من سيطرة الدولة والمشرّعين في أيّ سياق، فهل يتمّ التنازل عن هذه المفاهيم؟ لا شكّ أنّ تلغرام يشكّل واحة من الحرّيّة للجميع. كلّ أطراف النزاع موجودة، وتعبّر عن رأيها، وتنشر معلوماتها بحرّيّة.

يطرح الكثير من المستخدمين الأسئلة، والتي تتمحور حول مزايا الأمان في التطبيق، ويبقى السؤال المتكرّر: هل تلغرام تطبيق آمن؟ يوجد الكثير من الإجابات لهذا السؤال، ولكن لا يوجد جواب جازم. ففي الوقت الذي يدّعي فيه القائمون على التطبيق أنّ العاملين لا يستطيعون الاطّلاع على الرسائل بين المستخدمين، يردّ الكثير من الخبراء بأنّ العاملين يستطيعون ذلك إن أرادوا، سواء في المجموعات أو المراسلات الخاصّة، وذلك بفضل الخوارزميّة التي يعمل التطبيق من خلالها.

لا شكّ أنّ واتساب يشكّل الحصّة السوقيّة الكبرى، بالإضافة إلى عدد مستخدمين هو الأعلى عالميًّا، ولكنّ تلغرام أصبح يشكّل منافسًا قويًّا في قارّة آسيا، خاصّة مع تصاعد الصراعات الجيوسياسيّة والنزاعات المختلفة. هناك الكثير من البدائل فيما يخصّ تلغرام، منها تطبيق سيغنال الّذي يشترك مع واتساب بنفس نوعيّة التشفير للرسائل وميّزات الأمان. التطبيق مملوك لمنظّمة غير ربحيّة تعمل في سان فرانسيسكو في الولايات المتّحدة، إذ يمكّن المستخدمين من إرسال رسائل نصيّة وإرسال مقاطع صوت وفيديو، بالإضافة إلى إجراء مكالمات صوتيّة ومرئيّة، وتقدّم الكثير من الشركات الرائدة في مجالات التكنولوجيا العديد من البدائل. منها فيسبوك وجوجل ومسنجر وغيرها…

من ناحية نظريّة، فإنّ الخوارزميّات ومميّزات الأمان هي اختراعات بشريّة يتمّ التحكّم بها من أولئك الّذين ابتكروها، وفي ما يخصّ بدائل تلغرام والسؤال المطروح حول قدرة العاملين أو الحكومات والمشرّعين على الوصول لمعلومات المستخدمين ورسائلهم، فإنّ الأمر راجع لفلسفة إدارة التطبيق والعاملين عليه، ولعلّ العامل المطمئنّ في ما يخصّ تلغرام، هو أنّ المدير التنفيذيّ والمبتكر للتطبيق يتمسّك بفلسفته الّتي قادته إلى إنشاء التطبيق بالدرجة الأولى، وهي سياسات الأمان والحرّيّة الّتي تسمو فوق كلّ القيم الأخرى، على حدّ تعبيره.

يشير آدم هادلي، المؤسّس والمدير التنفيذيّ لمنظّمة التكنولوجيا ضدّ الإرهاب في العاصمة البريطانيّة لندن، أنّ تلغرام واجه الكثير من التحدّيات والعقبات من قبل ونجح بتخطّيها. “التطبيق مرن جدًّا. من المؤكّد أنّ تلغرام سيبقى متاحًا”. وأضاف “نجح التطبيق بمقاومة الكثير من الهجمات من الحكومات؛ ولذلك، أعتقد أنّه سيستمرّ بالعمل. وعلى الجانب الآخر، يبقى السؤال حول التغييرات في سياسات الخصوصيّة المتّبعة. فهل سيحدث اعتقال المدير التنفيذيّ ومواجهته للاتّهامات تغييرات جوهريّة في التطبيق؟ عبّر الكثير من المستخدمين حول العالم عن قلقهم إثر اعتقال المدير التنفيذيّ للتطبيق، إذ يُخشى أنّ هذا الاعتقال سيتسبّب في فتح المجال أمام السلطات لمراقبة المستخدمين بشكل أكبر.

“الكثير من الجماعات المتطرّفة تتحدّث عن ذلك” يقول جوان دونوفان، مؤسّس معهد دراسات الإنترنت النقديّة، والّذي يدرس سياقات تتعلّق بالتحريض والمعلومات المضلّلة الّتي تؤدّي إلى العنف على التطبيق. يقول دونوفان إنّه في الأيّام القليلة الماضية، لاحظنا الكثير من الخوف والشكوك بأنّه “الآن تمّ اعتقال المدير التنفيذيّ، إذًا، فإنّ تلغرام سيتوقّف عن كونه آمنًا”

في تعليق نُشِر بعد الاعتقال، علّق تطبيق تلغرام أنّه “من السخيف الادّعاء أنّ المنصّة أو مالكها مسؤولون عن أيّ إساءة استخدام”. وأضافت المنصّة أنّ “ما يقارب المليار مستخدم عالميًّا يستخدمون تلغرام كوسيلة للتواصل وبأنّه مصدر حيويّّ للمعلومات”.

لا شكّ أنّ الحوار طويل والمسألة معقّدة عند الحديث عن دور شبكات التواصل الاجتماعيّ ومسؤوليّات القائمين على المنصّات المختلفة في ما يخصّ تنظيم المحتوى، إذ أدّى اعتقال المدير التنفيذيّ لتطبيق تلغرام إلى موجة من التعليقات والتفاعل من الخبراء والمستخدمين.

ولكن، بصرف النظر عن بقاء تلغرام من عدمه، ففي زمن تزداد فيه وتيرة الصراعات ومعها وجهات النظر بشكل يوميّ، فإنّ الحاجة المستمرّة إلى تطبيقات تراعي الخصوصيّة والأمان ستظلّ قائمة، وبحسب ميلاني جارسون، الأستاذة المشاركة في حلّ النزاعات الدوليّة في جامعة لندن، فإنّه “يوجد دائمًا رائد أعمال ذكيّ، ولكن يوجد أيضًا مستخدم ماكر أشدّ ذكاء سيجد طرقًا للتواصل”.

تابع/ي موقع عرب 48 في تلغرام


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *