إبادة وبرد وجوع.. احتار الغزيون أيهم يقاومون
ظروف إنسانية قاسية تلك التي يعيشها النازحون الفلسطينيون بقطاع غزة بعدما غمرت مياه الأمطار خيامهم وعصفت الرياح بأماكن إيوائهم التي لجأوا إليها عقب تدمير إسرائيل منازلهم طوال 15 شهرا من الإبادة الجماعية.
وللعام الثاني على التوالي، يعيش غالبية النازحين فصل الشتاء داخل مراكز إيواء بدائية وخيام قماشية مهترئة مع نقص حاد في المستلزمات الأساسية والملابس والأغطية ووسائل التدفئة.
هذه الظروف تتشابك مع أوضاع معيشية كارثية جراء نقص المواد الغذائية والمياه والكهرباء، ما تسبب بإصابة آلاف النازحين خاصة الأطفال بسوء تغذية حاد وهي مرحلة وصفتها الأمم المتحدة بـ”محطة ما قبل الموت”.
وفي نهاية آب/ أغسطس الماضي، قالت الأمم المتحدة إن آلاف الأطفال بالقطاع يعانون من خطر سوء التغذية الحاد، حيث تم الكشف عن إصابة حوالي 15 ألف طفل بسوء التغذية، منهم ألفين و288 مصابون بسوء تغذية “حاد وخيم”، بعد فحص نحو 240 ألف طفل في القطاع منذ بداية 2024.
ويشكو النازحون من عدم قدرة أطفالهم على تحمل موجات الصقيع وسط ضعف مناعتهم الناجمة عن الجوع وسوء التغذية حيث يصبح الجسم أكثر عرضة للتأثر بالبرد الشديد.
وأعرب النازحون عن تخوفاتهم على حياة أطفالهم، مشددين على الحاجة لطعام صحي مناسب من شأنه أن يساهم بتوفير طاقة للجسم تمكنه من تحمل البرد.
وحتى الإثنين، ارتفع عدد الوفيات بين النازحين بسبب موجات الصقيع خلال الأيام القليلة الماضية إلى 7 بينهم 6 أطفال معظمهم حديثو الولادة.
ويتأثر قطاع غزة بمنخفض جوي مصحوب بأمطار غزيرة وكتلة هوائية باردة ضربت الأراضي الفلسطينية مساء الأحد، وفق الأرصاد الجوية.
البقاء في العراء
جهاز الدفاع المدني الفلسطيني بقطاع غزة، قال اليوم الثلاثاء، إن العشرات من خيام النازحين غرقت بمياه الأمطار منذ فجر الإثنين.
وأضاف في بيان، تلقيه مئات الاستغاثات من النازحين الذين غمرت مياه الأمطار خيامهم وأماكن إيوائهم يناشدون بإنقاذ أطفالهم.
وتابع أنه “نتلقى منذ الأمس اتصالات استغاثة كثيرة من مواطنين نازحين غمرت مياه الأمطار خيامهم ومنازلهم المدمرة”.
وبسبب الظروف التي خلفتها الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بقطاع غزة منذ 15 شهرا والتدمير الذي طال قطاع الإسكان، تنقل طواقم الدفاع المدني النازحين من “أماكن الإيواء المتضررة والمغمورة بالمياه إلى أماكن أخرى تكون في الغالب غير صالحة للإيواء حيث يبقون في العراء تحت المطر والبرد القارس”.
وناشد الدفاع المدني بضرورة المساهمة في إنقاذ تلك العائلات ومساعدتها في “الانتقال إلى أماكن إيواء مناسبة تقيهم من مياه الأمطار”.
غرق الخيام
منذ فجر الإثنين، غرقت عشرات الخيام في أنحاء مختلفة من القطاع وتطاير بعضها جراء المنخفض الجوي والأمطار الغزيرة.
كما تجمعت مياه الأمطار في الشوارع وبين الخيام مع عجز النازحين عن التخلص منها، مبينين أنها بحاجة إلى تدخل متخصص من الدفاع المدني لسحبها.
إسلام أحمد (26 عاما) التي تعيش في خيمة بمنطقة المواصي بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، قالت إن الشتاء فاقم من المأساة التي يعيشونها في المخيمات.
وتابعت أن “مياه الأمطار أغرقت كافة مستلزماتنا داخل الخيمة، من أغطية وفرشات وملابس، والآن كلها غير صالحة للاستعمال بعدما تلوثت بالطين”.
وأوضحت أن الأطفال الذين تبللوا بمياه الأمطار لم يعد لديهم مجالا لتبديل ملابسهم لحماية أنفسهم من تبعات البرد، مضيفة أن “الأطفال يرتجفون بردا ولا سبيل لتدفئتهم”.
وأشارت إلى أن النازحين حاولوا قبل بدء المنخفض تثبيت خيامهم وإحاطتها بالرمال من أجل منع دخول المياه إليها إلا أن الهطل المتواصل والغزير حال دون ذلك.
البرد القارس
من جانبها، تقول سها بربخ (41 عاما)، المتواجدة في مواصي خان يونس، إنها باتت تتفقد أطفالها يوميا وهم نيام داخل الخيمة خوفا عليهم من الموت بردا.
وتضيف أنه “لم نتخيل أن تصل بنا الأحوال إلى الموت بردا، تخليت عن غطائي من أجل تدفئة أجساد أطفالي خوفا من فقدانهم”.
وأوضحت أن البرد القارس تسبب بتشققات شديدة في يديها ما يؤدي لنزيفها أحيانا، متابعة “نحن تأثرنا بهذا البرد فما حال الأطفال والرضع”.
ولفتت إلى أن النازحين باتوا يشكون من أوجاع في العظام جراء البرد الذي “ينخرها دون رحمة”، ووسط عدم توفر وسائل التدفئة.
والسبت، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في بيان إن 81 بالمئة من خيام النازحين مهترئة، ما يهدد بموت آلاف النازحين مع دخول فصل الشتاء وموجات الصقيع الشديدة، محملا إسرائيل المسؤولية عن ذلك بعد تدميرها منازل المواطنين وإجبارهم على النزوح قسريا.
ويتركز وجود النازحين في منطقة المواصي الممتدة على طول ساحل البحر المتوسط من جنوب مدينة دير البلح وسط القطاع وحتى شمال مدينة رفح جنوبي القطاع.
هذه المنطقة المقدرة بخمس مساحة قطاع غزة، لجأ إليها على مدار أشهر الإبادة أكثر من مليون و700 ألف نازح فلسطيني، وفق معطيات نشرتها منظمة المساعدة الإنسانية الدولية “أوكسفام” في حزيران/ يونيو الماضي.
وعانى النازحون في هذه المنطقة الرملية من ظروف معيشية صعبة للغاية وسط نقص إمدادات المياه والغذاء ومستلزمات الحياة الأساسية.
تأتي هذه المأساة بالتزامن مع استمرار القصف الإسرائيلي وعمليات نسف المنازل في مناطق مختلفة من قطاع غزة ما يسفر عن شهداء وجرحى.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تشن إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت نحو 154 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية، في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بحق رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن السابق، يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
المصدر: عرب 48