إرهاب المستوطنين والتحول من خلايا سرية إلى عصابات مسلحة
عمليات الحرق والتخريب والترويع التي قام بها المستوطنون في ترمسعيا وقرى فلسطينية أخرى، وقبلها في حوارة، ردا على عمليات فدائية فلسطينية، هي مؤشر شديد الوضوح على خروج “الإرهاب اليهودي الاستيطاني” من دائرة الخلايا السرية المحدودة إلى فضاء العصابات المسلحة والمليشيات الضاربة التي بدأت باحتلال الدور المنوط بها في القيام بالأعمال الإجرامية القذرة التي لا يُراد للجيش الإسرائيلي القيام بها لكنها تتم تحت حراسته.
في كتابه الذي صدر حديثًا بعنوان “وانتقم – قصة الإرهاب اليهودي”، يشير روعي شارون، المحلل العسكري لهيئة البث العام الإسرائيلي (“كان”)، إلى حالة التطبيع مع الإرهاب اليهودي وتحول الظاهرة إلى طبيعية و”مقبولة” إسرائيليا، ويعزو ذلك إلى أكثر من سبب، أولها الحاجة السياسية التي دفعت نتنياهو الذي رفض في السابق التعاون مع الكاهانية، إلى التحالف مع “عوتسما يهوديت” في الكنيست وفي الحكومة، الأمر الذي أعطى شرعية لرجالها من قبل الحاخامات وممثلي الجمهور.
هذا إلى جانب التأثير المتزايد لخطاب الشبكات الاجتماعية وتبدل الأجيال داخل قيادة الصهيونية الدينية، وغياب التيار الليبرالي واليمين المعتدل عن القيادة الجديدة، إضافة إلى تلاشي دور المرجعيات الدينية، حيث يقول شارون إنه بحدود عام 2013 نشأ جيل جديد لم يعد بحاجة لحاخامات ليدلوه إلى طريق “الصراع على أرض إسرائيل”، وهكذا حصل أنه رغم إلقاء الحاخام غينزبورغ، الذي كان يعتبر المرجعية الأولى، خطبة شديدة اللهجة ضد ظاهرة “تدفيع الثمن” وقعت مجزرة دوما بعد نصف سنة.
جيل البؤر الاستيطانية الجديد الذي نشأ في ذات السنة وكان متماثلا مع تنظيم “تشتيت هميرد” الذي كان وراء قتل عائلة الدوابشة، لم يفتش، كما يقول شارون، عن فتاوى شرعية من الحاخامات، حيث يستمد شبيبة التلال أبناء الـ15 سنة الصلاحية الروحية من أبناء الـ17 سنة، في حين أنه يحدد ثلاثة أهداف للإرهاب اليهودي، هي الانتقام وإحباط التسوية السياسية وتقريب ساعة الحسم.
آدم راز الذي قدم عرضا للكتاب في مقال مطول نشرته “هآرتس”، يرى أن الكتاب يعرض دزينة عمليات إرهابية وقعت منذ أواسط التسعينيات، وتبدأ بقضية “الأخوين كهلاني” وهي العملية التي نجح الشاباك في إحباطها بعد أن فكك سلاحهما دون علمهما، ويخصص فصلا إضافيا للمجزرة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين في الحرم الإبراهيمي بالخليل، ثم يأتي على إلقاء القبض على أعضاء الخلية الإرهابية “بات عاين” الذين حاولوا وضع عربة مفخخة أمام مدرسة للبنات في القدس، قبل أن يصل إلى جريمة حرق عائلة الدوابشة في دوما الخليل، وقتل الفتى محمد أبو خضير في القدس، وبعض الجرائم “الأقل أهمية”، ما يجعل الجزء الأكبر من الكتاب يتركز في استعادة لأحداث إرهابية وفي الصراع بين القسم اليهودي في الشاباك وبين المتهمين المعتقلين وأهاليهم.
وينتقد راز تجاهل الكاتب للعنف اليومي الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، وقفزه عن مراكز القوى التي تسوّغ جرائمهم وتساعد في تطبيع الإرهاب، ورؤيته للإرهاب على أنه فقط قتل أو محاولة قتل الفلسطينيين، وعليه فإن عدد المتورطين بالإرهاب اليهودي خلال عقود يتراوح بين عشرات ومئات الأفراد فقط.
هذا التوصيف هو، برأي راز، تخريجة أيديولوجية للتغطية على النهب الذي يمارسه مشروع الاستيطان ونتائجه العنيفة على الأرض، ورغم تطرق الكتاب بشكل سطحي ومختصر لظاهرة “تدفيع الثمن”، إلا أن مؤلفه لا يرى بالعنف الممارس يوميا من قبل اليمين الاستيطاني ضد الفلسطينيين إرهابا، ولذلك فهو غير مذكور تقريبا في الكتاب.
وربما يعود تفسير ذلك إلى كون الكاتب كان قد تربى في فتوته بمؤسسات “الصهيونية الدينية” ونشأ في مستوطنة “كارني شومرون”، كما يكتب في سياق الحديث عن السبق الصحافي الخاص به والمتعلق بنشر شريط الفيديو من “عرس الكراهية” الذي ظهر فيه المستوطنون وهم يطعنون دمية تمثل الطفل علي الدوابشة الذي قتل في جريمة إحراق بيت عائلة الدوابشة، وهي الصور التي شكلت نقطة تحول في حياته.
وبدون شك، فإن نقطة الذروة في قصة الإرهاب الاستيطاني تتمثل في خروجه من السر إلى العلن وتحوله من خلايا سرية إلى مليشيات مسلحة تهدد حياة الفلسطينيين، ويتم توظيفها في “خطة الحسم” التي صاغها سموترتش والتي تهدف إلى تفريغ المناطق ج تمهيدا لضمها إلى إسرائيل.
المصدر: عرب 48