إسرائيل اعتبرت هجومها بدمشق ليس مستفزا لإيران وأخطرت واشنطن قبله مباشرة
في البداية، توقعت إسرائيل أن يشمل هجوم إيران ضدها 10 صواريخ أرض-أرض، وبمنتصف الأسبوع الماضي، زادت تقديراتها إلى ما بين 60 إلى 70 صاروخًا أرض-أرض. وتبين ليلة الهجوم أن هذا أيضا تقدير منخفض للغاية
القنصلية الإيرانية بدمشق بعد الهجوم الإسرائيلي (Getty Images)
قال مسؤولون إسرائيليون إنهم لم يعتبروا أن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق وأدى لمقتل 7 من قادة الحرس الثوري الإيراني بينهم الجنرال محمد رضا زاهدي، مطلع الشهر الجاري، يشكل استفزازا لإيران، ولم يخطروا واشنطن بهذا الهجوم سوى قبل شنّه مباشرة، وفق لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” اليوم، الخميس.
وفاجأ الإخطار القصير الموظفين الأميركيين، الذين سارعوا إلى إبلاغ مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان ومسؤولين آخرين الذين بحسب الصحيفة، رأوا أنه ستكون عواقب وخيمة للهجوم الإسرائيلي. وفي الوقت نفسه أعربوا علنا عن دعمهم لإسرائيل، لكنهم عبروا سرًا عن غضبهم من أنها ستتخذ مثل هذا الإجراء العدواني ضد إيران دون استشارة واشنطن.
قال المسؤولون الأميركيون الذين شاركوا في مناقشات رفيعة المستوى بعد الهجوم، إن الإسرائيليين اعتقدوا أن إيران لن ترد بقوة، وفق ما نقلت عنهم الصحيفة.
ففي البداية، توقعت أجهزة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية أن يكون رد إيران بإطلاق ما لا يزيد عن 10 صواريخ أرض-أرض على إسرائيل، وهو الهجوم الذي أطلق عليه اسم “أوراق الشجر المتأخرة”. وبحلول منتصف الأسبوع الماضي، أدرك الإسرائيليون أن إيران سترد بقوة أكبر بكثير وزادوا تقديراتهم إلى ما بين 60 إلى 70 صاروخًا أرض-أرض. وحتى هذا تبين أنه تقدير منخفض للغاية.
وأطلقت إيران خلال هجومها على إسرائيل، ليلة السبت – الأحد الماضية، أكثر من 300 طائرة بدون طيار وصاروخ على إسرائيل، وجرى بذلك التوضيح أن قواعد الاشتباك في الصراع المتواصل بين إسرائيل وإيران قد تغيرت بشكل جذري في الأشهر الأخيرة، مما يجعل من الصعب أكثر من أي وقت مضى على كل جانب قياس نوايا الطرف الآخر وردود أفعاله.
وبعد أن أصبح من الواضح أن إيران سترد، اعتقد المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون في البداية أن حجم الرد سيكون محدودًا إلى حد ما، قبل أن يتدافعوا لمراجعة تقييمهم مرارًا وتكرارًا. وينصب التركيز الآن على رد إسرائيل وبعد ذلك كيف سيكون الرد الإيراني.
وقال مسؤولان إسرائيليان إن التخطيط للضربة الإسرائيلية في سوريا بدأ قبل شهرين. وكان الهدف هو محمد رضا زاهدي، قائد فيلق القدس الإيراني في سوريا ولبنان.
ووافق كابينيت الحرب الإسرائيلي على الهجوم ضد القنصلية الإيرانية في دمشق، في 22 آذار/مارس، وفقًا لسجلات الدفاع الإسرائيلية الداخلية التي لخصت الاستعدادات لهذا الهجوم واطلعت عليها “نيويورك تايمز”.
كما أوضحت هذه السجلات نطاق ردود الفعل التي توقعتها الحكومة الإسرائيلية من إيران، ومن بينها هجمات صغيرة النطاق من قبل وكلاء وهجوم صغير الحجم من إيران. ولم يتوقع أي من التقييمات شدة الرد الإيراني الذي حدث بالفعل.
ومنذ يوم الهجوم في دمشق، تعهدت إيران بالانتقام، علنًا ومن خلال القنوات الدبلوماسية. لكنها أرسلت أيضًا رسائل خاصة مفادها أنها لا تريد حربًا صريحة مع إسرائيل، وحتى أقل من ذلك مع الولايات المتحدة، وانتظرت 12 يومًا للهجوم.
وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولون الأميركيون وجدوا أنفسهم في موقف غريب وغير مريح: فقد ظلوا في حالة من عدم اليقين بشأن إجراء مهم اتخذته حليف وثيق، إسرائيل، حتى عندما أبلغت إيران، الخصم القديم، عن نواياها مقدما. لقد أمضت الولايات المتحدة وحلفاؤها أسابيع منخرطين في دبلوماسية مكثفة، في محاولة لإخماد الهجوم الإيراني المضاد المتوقع أولاً، ومطالبة إسرائيل برد لا يقود لتصعيد واسع.
وقال مسؤولون أميركيون ومسؤول إسرائيلي إن الإسرائيليين اعترفوا في وقت لاحق بأنهم أخطأوا بشدة في تقدير عواقب الهجوم في دمشق.
وقال مسؤولون أميركيون إن وزير الدفاع، لويد أوستن، اشتكى مباشرة إلى وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، في مكالمة هاتفية يوم 3 نيسان/أبريل، من أن الهجوم في دمشق عرّض القوات الأميركية في المنطقة للخطر، وأن عدم التحذير لم يترك الوقت لتعزيز دفاعاتهم. ولم يكن لدى غالانت تعليق فوري.
وفي ليلة الغارة على دمشق، استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير السويسري في طهران لنقل غضب إيران إلى واشنطن، إلى جانب رسالة مفادها أنها تعتبر الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، مسؤولة عن الهجوم.
وردّت الولايات المتحدة، بواسطة عُمان وتركيا وسويسرا كوسطاء، أنها لم تشارك في الهجوم وأنها لا تريد الحرب.
ونفذت الحكومة الإيرانية حملة دبلوماسية مفتوحة وواسعة النطاق بشكل غير عادي، حيث نشرت كلمة مفادها أنها تعتبر الهجوم انتهاكًا لسيادتها يتطلب الانتقام.
وفي 7 نبسان/أبريل، التقى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مسقط بنظيره العماني، بدر البوسعيدي. وكانت الرسالة الإيرانية في ذلك الاجتماع، وفقًا لدبلوماسي مطلع عليه، هي أن إيران يجب أن ترد لكنها ستبقي هجومها تحت السيطرة، وأنها لا تسعى إلى حرب إقليمية.
قبل وبعد ذلك الاجتماع، كانت هناك زوبعة من المكالمات الهاتفية بين الجنرال تشارلز كيو براون جونيور، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي؛ وزير الخارجية أنتوني بلينكن؛ بايدن؛ أوستن؛ سوليفان؛ ونظرائهم في إسرائيل والصين والهند والعراق؛ حلفاء الناتو؛ وغيرهم، على حد قول المسؤولين الذين تحدثوا إلى الصحيفة.
وقال مسؤول أميركي إن إدارة بايدن لا تعتقد أن بإمكانها ثني إيران عن الهجوم على الإطلاق، لكنها تأمل في الحد من نطاق هجومها على إسرائيل.
وتحدث بلينكن إلى كبار أعضاء كابينيت الحرب الإسرائيلي، وأكد لهم أن الولايات المتحدة ستساعد في الدفاع ضد أي هجوم إيراني، وحثهم على عدم شن هجوم مضاد متهور دون دراسة جميع الاعتبارات.
وعملت وكالات الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية بشكل وثيق معاً، بمساعدة الأردن ودول شرق أوسطية أخرى، لمعرفة ما في وسعها عمله بشأن نوايا إيران.
وقال مسؤولون أميركيون وإسرائيليون إن وسطاء وحلفاء أبلغوا الولايات المتحدة وإسرائيل أن إيران تخطط لضرب مواقع عسكرية وليس أهدافا مدنية.
ويقول المسؤولون الإسرائيليون إنه، بفضل التعاون الدولي جزئياً، كانت لديهم فكرة جيدة مسبقاً عن أهداف إيران وأسلحتها. وقام الجيش الإسرائيلي بإجلاء عائلات من بعض القواعد الجوية ونقل الطائرات بعيدا عن الاستهداف الإيراني.
وانتشرت في العالم أخبار الموجة الأولى من الهجوم الإيراني، ليلة السبت – الأحد، وتألفت من 185 طائرة مسيرة بطيئة نسبيًا، قبل ساعات من وصول أي منها إلى إسرائيل. وكانت صواريخ كروز الثلاثين التي أطلقتها إيران في وقت لاحق أسرع بكثير، لكن التحدي الأكبر كان يتمثل في الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي أطلِقت بسرعة تفوق سرعة الصوت عدة مرات. وأطلقت إيران 110 منها، مما يشكل أول اختبار كبير لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي المضاد للصواريخ الباليستية.
وأسقطت الطائرات الحربية وأنظمة الدفاع الجوي الأميركية والبريطانية والفرنسية والإسرائيلية والأردنية معظم الطائرات بدون طيار والصواريخ قبل وصولها إلى إسرائيل. وقال مسؤولون إسرائيليون إن 75 طائرة مسيرة إيرانية دخلت المجال الجوي الإسرائيلي، حيث تم إسقاط معظمها أيضًا. ولم يلحق الهجوم سوى أضرار بقاعدة “نيتافيم” الجوية وبقاعدة جوية أخرى وكلتاهما في النقب، وتم الإبلاغ عن إصابة واحدة خطيرة لطفلة عربية من القرى مسلوبة الاعتراف.
وقال مسؤولون إيرانيون إنه طوال فترة الضربة، أبقت وزارة الخارجية الإيرانية والحرس الثوري خطا ساخنا مفتوحا مع الحكومة العمانية، لتمرير الرسائل ذهابا وإيابا مع الولايات المتحدة، حسب الصحيفة.
وفي الساعة الثالثة صباحًا، تم استدعاء السفير السويسري في طهران مرة أخرى – ليس إلى وزارة الخارجية، كما جرت العادة، ولكن إلى قاعدة للحرس الثوري، وفقًا لمسؤول إيراني وآخر أميركي. وطُلب منه أن ينقل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى خارج القتال، وأنه إذا ردت إسرائيل، فإن إيران ستضرب مرة أخرى، بقوة أكبر ودون سابق إنذار.
المصدر: عرب 48