Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

إسرائيل تعزّز الربط بين الجبهات

بعد أيام قليلة، تدخل حرب الإبادة على غزة عامها الثاني. لم تُخفِ إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 أهدافها الحقيقية من الحرب إلى جانب أهدافها المعلنة. بالمجمل، تسعى إسرائيل إلى إعادة ترميم قدرة الردع التي تضررت بشكل كبير في هجوم السابع من أكتوبر، وإلى تغيير حالتها الاستراتيجية، أي إعادة عجلة الزمان إلى الخلف وصناعة إسرائيل القوية التي لا تُقهر ولا تُهزم، باعتبار أن كل من يجرؤ على ضرب إسرائيل سيدفع ثمناً باهظاً لم يتخيله أبداً. وبناءً على ذلك، تتوزع وتتنوع الأهداف الإسرائيلية التكتيكية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية وفقاً للجبهات.

إسرائيل تعيد عقيدة التهجير في غزة

في غزة، حددت الحكومة الإسرائيلية أهداف الحرب بالقضاء على قدرات حركة حماس العسكرية والإدارية-المدنية، ومنع نشوء أي تهديد مستقبلي من غزة على إسرائيل، وبعدها أضافت هدف إعادة المحتجزين الإسرائيليين في القطاع. لغاية الآن، وبعد مرور نحو عام على الحرب، لم تحقق إسرائيل أهدافها الاستراتيجية المعلنة. فعلى الرغم من وحشية وجرائم الحرب، وقتل قرابة خمسين ألفاً من سكان قطاع غزة، وتدمير هائل في البنى التحتية والمباني والمنشآت، وإلحاق أضرار بقدرات “حماس”، لم تقضِ إسرائيل تماماً على قدرات “حماس” العسكرية ولا الإدارية-المدنية. ووفقاً للتقديرات الإسرائيلية، فبإمكان “حماس” إعادة ترميم قدراتها وتجديد صفوفها في حال توقفت الحرب، بل إنها تقوم بذلك حالياً وخلال الحرب.

الجانب الآخر من أهداف إسرائيل، الذي لمّح إليه العديد من القيادات الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، من دون أن يصاغ رسمياً بسبب رفض رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ونتيجة للخلافات العميقة بين المؤسستين العسكرية والسياسية، كان حول طبيعة الترتيبات السياسية لما يطلق عليه “اليوم التالي من الحرب” في غزة واستبدال حكم “حماس”. حتى الآن، لم تنتج حرب الإبادة أي بديل سياسي لإدارة غزة بعد الحرب، على الرغم من طرح العديد من المقترحات. إسرائيل لم تحسم أمرها لغاية الآن حول الصيغة المفضّلة لها، لكنها تقول، إنه بجميع الحالات دون القضاء على قدرات “حماس” لن تتمكن من تغيير النظام القائم في غزة. قد تؤجل إسرائيل اختيار طبيعة النظام وإدارة غزة في اليوم التالي، إلى أن تستكمل بعضاً من أهدافها غير المعلنة تجاه غزة، خصوصاً تنفيذ رغبتها في تهجير سكان القطاع، أو قسم منهم.

عملية طوفان الأقصى وتداعياتها وفّرت فرصة للعديد من القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، لإعادة طرح مشاريع التهجير، بذريعة أن كل شيء مباح بعد العملية. إعادة تأطير فكرة التهجير جاءت هذه المرة عبر مراكز أبحاث ومقالات تحليلية، غُلّف بغلاف أخلاقي مزيف، وعبر الادعاء أنه الحل الأنسب للواقع الجديد المتشكل بعد “طوفان الأقصى”، بحيث بدأت دعوات التهجير مباشرة بعد العملية. وكشفت صحيفة كالكاليست الإسرائيلية، منتصف شهر أكتوبر الماضي، عن ورقة سياسات صادرة عن وزارة الاستخبارات، حول تهجير سكان غزة كلهم إلى مصر. تضمنت الوثيقة ثلاث مراحل: إنشاء مدن من الخيام في سيناء جنوب غربي القطاع، وتوفير ممرات أمنية لعبور سكان غزة، وبناء مدن في منطقة شمال سيناء. بالإضافة إلى ذلك، دعت الوثيقة إلى خلق تعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول، حتى تتمكن من استقبال الفلسطينيين المهجرين من غزة وتزويدهم بسلال الاستيعاب (مساعدات). وتم ذكر كندا والدول الأوروبية مثل اليونان وإسبانيا ودول شمال أفريقيا من ضمن الدول المقترحة كعنوان لتهجير الفلسطينيين من سكان غزة.

نتنياهو لم يلغِ إمكانية التهجير، إذ صرّح في جلسة لكتلة حزبه، حزب الليكود، عقدت في الكنيست بتاريخ 25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بالقول: “ليست لديّ مشكلة مع هذه الفكرة. مشكلتنا ليست في السماح بالخروج، وإنما في إيجاد الدول المستعدة للاستيعاب. ونحن نعمل على ذلك. هذا هو الاتجاه الذي نسير فيه”. ولم تلغِ إسرائيل لغاية الآن احتمال التهجير في غزة، وربما تسعى لخلق واقع غير قابل لحياة البشر يؤدي إلى هجرة سكان القطاع. توسيع الحرب إلى مخيمات وبلدات الضفة الغربية المحتلة والتلميح بتفكيك السلطة الفلسطينية، وبدء الحرب الموسعة على حزب الله اللبناني، ربما تساهم، وفقاً للعقلية الإسرائيلية، في تسهيل تنفيذ مخططات تهجير سكان غزة في حال حققت إسرائيل أهداف الحرب في الجبهات الأخرى.

إعادة ترتيب الاحتلال في الضفة الغربية

بالتوازي مع حرب الإبادة على القطاع، بادرت إسرائيل إلى عمليات عسكرية واقتحامات عديدة في مدن وبلدات ومخيمات الضفة الغربية المحتلة، قامت خلالها بتدمير بنى تحتية وهدم مبانٍ، وتجريف شوارع. وقد استشهد في هذه الاجتياحات والاغتيالات، حتى الآن، 722 فلسطينياً، واعتُقل أكثر من 11,100، وفق إحصاءات رسمية ومؤسسات الأسرى الفلسطينيين. سياسة إسرائيل في الضفة الغربية، وتزايد العمليات العسكرية فيها، تحمل بوادر تغيير جدي عن سياسات الحكومات الإسرائيلية اليمينية في العقدين الأخيرين، تحديداً منذ عودة نتنياهو للسلطة عام 2009. وقد رفضت تلك الحكومات اتفاقيات أوسلو، لكنها تعاملت معها كأمر واقع، وعملت باستمرار على توسيع الاستيطان والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، خصوصاً محاولات ضم مناطق ما يسمى وفقاً لاتفاقيات أوسلو مناطق “ج” (تخضع لسيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية كاملة)، مع الحفاظ على سلطة فلسطينية ضعيفة ومقيّدة تدير الجوانب المدنية والاقتصادية في التجمّعات السكانية الفلسطينية الكبيرة.

الحكومة الإسرائيلية الحالية تستغل الوضع الناشئ بعد حرب الإبادة على غزة لفرض تغيير جوهري في واقع الضفة الغربية. من ضمن ذلك، محاولة إلغاء اتفاقيات أوسلو على أرض الواقع، وإضعاف السلطة الفلسطينية أمنياً واقتصادياً ومالياً، ربما تمهيداً لتفكيكها الكامل، وضم فعلي للأراضي الفلسطينية في المناطق “ج”، وتوسيع الاستيطان وزيادة أعداد المستوطنين. بذلك تسعى الحكومة إلى خلق واقع يمنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقبلاً، وهو فعلياً تطبيق لخطة الحسم الذي عرضها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عام 2017 (دفع السلطة الفلسطينية للانهيار، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وفرض السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية). إسرائيل لا تخفي هذه الأهداف عبر تصريحات قيادات سياسية وعسكرية، وتهدد السلطة الفلسطينية، علناً وسراً، وربما تنتظر نضوج الحالة التي تسمح بتحقيق أهدافها. كما تحاول إسرائيل إضعاف المقاومة في الضفة الغربية والقضاء على قدراتها وضرب السلطة الفلسطينية، تمهيداً لتحقيق أهدافها في غزة والضفة بدون معارضة أو احتجاجات جدية.

أهداف الحرب على لبنان

منذ الثامن من أكتوبر 2023، ومع فتح حزب الله اللبناني “جبهة الإسناد” في جنوب لبنان، لم تخفِ إسرائيل نواياها في خوض حرب مع الحزب. إسرائيل كانت تدّعي أن هدفها الأساسي هو إعادة النازحين الإسرائيليين من مستوطنات الشمال إلى مستوطناتهم بأمان، إما عبر حل دبلوماسي أو أدوات أخرى. ولمحت كل الوقت إلى أن الجيش غير مهيأ وغير قادر على خوض حرب في جبهتين في الوقت نفسه، وأن الجبهة الداخلية ستدفع ثمناً باهظاً في حال حصول الحرب. هذا الوضع تغيّر قبل قرابة شهر، بعدما قررت إسرائيل، وهيأت قواتها لخوض حرب واسعة مع حزب الله، وهي التي بادرت إلى ذلك لتوفر ظروف تعمل لمصلحتها في فتح الحرب.

الحكومة الإسرائيلية عدلت أهداف الحرب على غزة قبل عدة أسابيع وأضافت بند إعادة المستوطنين إلى الشمال، وأعلنت أنها تريد فك الارتباط بين جبهة الشمال وجبهة غزة، بغية الضغط على “حماس” وسحب أوراق قوة منها للوصول إلى اتفاق تبادل أسرى ومحتجزين وفقاً للشروط الإسرائيلية. أما الأهداف غير المعلنة التي تشتق من هذا الهدف، فهي إرجاع قوات حزب الله إلى شمال نهر الليطاني جنوبي لبنان (في أبعد نقطة عن الحدود حوالي 40 كلم)، وضرب قدرات الحزب العسكرية، وإضعافه. كما لا تنكر إسرائيل رغبتها في إعادة ترتيب الحالة السياسية وموازين القوى السياسية في لبنان في حال نجحت في تحقيق أهدافها العسكرية. ارتباطاً بأهداف الحرب غير المعلنة في غزة، ترى إسرائيل أن إضعاف حزب الله وضرب قدراته العسكرية، ومنها إضعاف محور المقاومة، يمكن أن يسهّلا مستقبلاً فرض واقع سياسي مختلف في غزة، وربما تنفيذ تهجير سكان غزة، وفرض واقع جديد في الضفة.

تشابك الجبهات والأهداف

إسرائيل ترى أن تحقيق أهداف الحرب في الجبهات كافة سيساهم في ترميم قدرة الردع الإسرائيلية، وتصحيح الخلل في مكانتها الاستراتيجية الناتج عن “طوفان الأقصى”، وربما يؤدي إلى تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة، وصولاً إلى إضعاف مكانة إيران وربما ضرب المشروع النووي الإيراني. نتنياهو يشدد في خطاباته كافة على أن إسرائيل تخوض حرباً ضد إيران وضد محور الشر، كما يسميه. بعدما انفردت إسرائيل، من دون أي إزعاج جدي، في ضرب “حماس” وتنفيذ تدمير شامل في غزة يرقى إلى الإبادة، وتنفيذ ما تريده في الضفة الغربية بدون أي رادع أو مانع، وادعائها أنها ترمي إلى فك الارتباط بين جبهة الشمال وغزة، تقوم بعدما بادرت إلى فتح حرب واسعة ضد حزب الله، والتهديد بتوجيه ضربة قوية لإيران بعد الهجمات الصاروخية الإيرانية يوم الثلاثاء الماضي، بفرض واقع أمني وعسكري جديد مختلف، معاكس لكل ما قالته إسرائيل ورغبت به لغاية الآن. إسرائيل تقوم بنفسها بإنتاج تشبيك بنيوي بين أهداف ونتائج الحرب في الجبهات كافة. فبدل فك الارتباط، خلقت إسرائيل واقعاً جديداً يتعلق فيه تحقيق أهداف الحرب على غزة بنتائج الحرب مع حزب الله، ونتائج المواجهة مع إيران. ولا تستطيع إسرائيل التوصل إلى اتفاق مع “حماس” قبل وضوح نتائج الحرب أمام حزب الله، ولا تستطيع إعادة مستوطني الشمال من دون أن تتضح نتائج المعارك والضربات مع إيران. ولا تستطيع إعادة قوات حزب الله إلى نهر الليطاني من دون حسم المعارك والحرب. بذلك، دفعت إسرائيل بأيديها إلى تشابك وترابط الجبهات والأهداف والنتائج.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *