إسرائيل تعود لطبيعتها بالاحتلال المتجدّد في غزّة والجولان ولبنان
إعلان شركة سياحة إسرائيليّة عن نيّتها تنظيم رحلات ترفيهيّة إلى قمّة جبل الشيخ السوريّة (المحتلّة حديثًا)، هو إضافة أخرى إلى المشهد العبثيّ الّذي يمثّل تمدّد الاحتلال الإسرائيليّ المتجدّد شمالًا وجنوبًا، بما يذكر بطبيعة إسرائيل التوسّعيّة في ظلّ الإعلان عن عزمها بالبقاء في الأراضي السوريّة الّتي جرى احتلالها بعد سقوط نظام بشّار الأسد وعن آنيتها بعدم تطبيق وقف إطلاق النار والانسحاب من أراضي جنوب لبنان.
هو مشهد تكتمل عناصره بوجود أو بدون علاقة بالمؤتمر الاستيطانيّ الّذي كان قد عقد بمشاركة شقيق زوجة نتنياهو بعدم الانسحاب من أراضي جنوب لبنان، وفي ضوء تصريح رئيس وزراء أيرلندا عن إقامة مستوطنات في مصر!! وفي وقت أضحى فيه دخول قادة المستوطنين وخروجهم من قطاع غزّة استعدادًا لتجديد الاستيطان روتينًا يوميًّا.
ويبدو أنّ إسرائيل الّتي انسحبت من جنوب لبنان من طرف واحد عام 2000 بعد عشرين سنة من الاحتلال، وانسحبت من غزّة في إطار خطّة فكّ الارتباط عام 2005 بعد احتلال مباشر دام 28 عامًا، وأبدت استعدادًا للانسحاب الكامل من الجولان إلى الحدود الدوليّة في عهدي رابين وأولمرت، وفي عهد نتنياهو الأوّل مقابل اتّفاقيّة سلام مع سورية، وهي تعيد احتلال كلّ هذه المناطق في نطاق حرب لا تنتهي يبدو كأنّها تدشّن مرحلة جديدة في تاريخها الاستعماريّ المتجدّد مدفوعة بتحوّلات تاريخيّة وديمغرافيّة أفرزت نخبًا أيديولوجيّة أكثر تطرّفًا ودمويّة، وهي تأبى إلّا تجريب المجرّب إيمانًا منها بأنّها تستطيع الإتيان بما لم يأت به الأوائل، وأنّها تمتلك فائضًا من القوّة لتحقيق ذلك.
هذا النموذج يظهر بوضوح في حرب الإبادة غير المنتهية على غزّة من خلال أبطالها العسكريّين أمثال الجنرال يهودا فاخ قائد “محور نيتسريم”، القادم من كريات أربع وخرّيج الكلّيّة العسكريّة الاستيطانيّة “عاليه”، والّذي تربّى على يدي باروخ غولدشتاين ومناحيم لفنيه، والّذي يؤمن بأنّ جميع أهالي غزّة هم “عماليق” محكوم عليهم بالموت بغضّ النظر عن الجنس والجيل، كما يقول الكاتب يوسي كلاين.
والحال كذلك فإنّ القتل الّذي كان في بداية الحرب عمليّة انتقام تحوّل إلى استراتيجيّة، برأي كلاين، إلى رغبة محسوبة للإبادة البطيئة بواسطة قطع المياه والكهرباء، وأن تنتقل العمليّة الّتي حصلت في جباليا إلى غزّة حيث ما زال هناك 100 ألف فلسطينيّ، كما يقول المحلّل العسكريّ عاموس هرئيل، الّذي يشير إلى أنّ الكثيرين من عناصر وحدات الاحتياط يعملون بدوافع أيديولوجيّة “حردلية” ترى بأنّ هناك فرصة لمعاودة تجديد الاستيطان في قطاع غزّة، ومنع أيّ انسحاب مستقبليّ.
هرئيل يتحدّث عن خطّة تهدف إلى هدم كلّ المنطقة الواقعة شماليّ وادي غزّة، “معبر نيتسريم”، هدم مكثّف لجميع البنى القائمة فوق الأرض وتحت الأرض، وبعدها فقط يمكن البحث في عودة السكّان… ولا أحد يعرف متى يحدث ذلك؟ لكنّ وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش الّذي يرفض أيّ محاولة لإدماج السلطة الفلسطينيّة ودول عربيّة أخرى في إدارة القطاع، يعرف أنّ الأمر لا بدّ أن يستغرق الكثير من الوقت داعيًا إلى التوقّف عن الخوف من كلمة احتلال، والتأقلم مع مفهوم آخر من احتلال غزّة ينطوي على تقسيم القطاع إلى عدّة وحدات جغرافيّة.
سموتريتش كان قد صرّح في مؤتمر الاستيطان الّذي انعقد في غلاف غزّة في وقت سابق، بأنّه لا أمن دون استيطان، وأنّ الوجود العسكريّ مرتبط بالوجود المدنيّ، داعيًا إلى إحياء ما أسماه بالاستيطان الطلائعيّ القويّ في قطاع غزّة.
ومن المفارقة أن يصبح ممرّ “نيتسريم” الّذي سمّي على اسم مستوطنة صغيرة أخليت عام 2005 إلى مساحة بحجم مدينة كبيرة، فيما يتمّ السعي لسحب هذا النموذج على لبنان والجولان، كما يقول الكاتب أوري مسجاف الّذي يشير في هذا السياق إلى شريط فيديو يصوّر احتفالًا لجنود بإدخال كتاب توراة إلى موقع سوريّ محتلّ، والى المؤتمر الّذي كان قد عقد في مستوطنة “حنيتا” ويدعو إلى الاستيطان في مرج عيون اللبنانيّة.
المصدر: عرب 48