إسرائيل تنزلق إلى حرب استنزاف طويلة
بعد مرور أسبوعين على العمليّة البرّيّة الّتي تشنّها إسرائيل في إطار حربها على لبنان، والّتي جاءت على خلفيّة “نجاحات” وصفت بأنّها “خارقة” تحقّقت عبر عمليّات سيبرانيّة وعمليّات اغتيال استهدفت قياداته العسكريّة والسياسيّة، شجّعت الجيش الإسرائيليّ “المنهك” بعد سنة من الحرب في قطاع غزّة على اقتحام الأراضي اللبنانيّة، وذلك بعد مضيّ 18 سنة من حرب 2006 الّتي منيت فيها إسرائيل بالفشل، وأطاحت بقيادتها العسكريّة والسياسيّة.
د. دورون ماتسا (عضو مجموعة “الأمنيّين” ومسؤول سابق في “الشاباك”) يذكر في مقال بعنوان “تكرار تاريخيّ لسيناريو سيّئ”، نشرته صحيفة “معاريف”، أنّ حرب لبنان الثانية (أيضًا) بدأت بضجّة كبرى لم تكن تبشّر بنتيجة “مرّة” بعد 30 يومًا من القتال الّذي انتهى بقرار مجلس الأمن 1701 المتداول هذه الأيّام.
ويشير د. برعام في مقاله، أنّ سلاح الجوّ الّذي أدير حينه من قبل قائد أركان يرتدي زيّه الأزرق (دان حالوتس) نجح خلال أربع ساعات بفعل ما لا يصدّق، حيث دمّر في ضربة جوّيّة تمهيديّة مخزون الصواريخ بعيدة المدى الّتي يمتلكها حزب اللّه، واعتبر ذلك نجاحًا مبهرًا، إلّا أنّ الواقع الميدانيّ والاستراتيجيّ تدهور بعدها حتّى تحوّل على وقع الحرب الحاليّة إلى مصطلح شائن.
في هذه الحرب أيضًا تسمع أصداء وقائع من حرب 2006 لا يذكرها أحد، كما يقول د. برعام، حيث بنيت على نقطة البداية المتشابهة توقّعات كبيرة رأينا فيها الخلاص بأمّ أعيننا… وأنّه بعد كلّ النجاحات بدأت تصل ردود حزب اللّه، مع نصر اللّه أو بدونه، بما يذكر بفصل ثاني من حرب لبنان الثانية، إطلاق صواريخ نحو خطّ حيفا شمالًا وجنوبًا نحو الشارون وغوش دان وصولًا إلى منطقة الساحل.
برعام ليس الوحيد الّذي يحذر من تكرار سيناريو حرب 2006 الّتي بدأت بنجاحات مبهرة، وانتهت بفشل ذريع، وإن كانت إسرائيل قد أدخلت خلال هذه الفترة العديد من التقنيّات الحديثة مثل “القبّة الحديديّة” الّتي تخفّف أضرار صواريخ حزب اللّه، ولكن بالرغم من ذلك نرى كيف أنّ صواريخ حزب اللّه تشلّ جميع مرافق الحياة في منطقة واسعة من شمال إسرائيل، وتعطّل سيرها في العديد من المناطق الأخرى.
كذلك فإنّ عدم قدرة الجيش الإسرائيليّ التوغّل البرّيّ في عمق الأراضي اللبنانيّة يشير إلى أنّه يواجه بمقاومة شرسة من مقاتلي حزب اللّه، الأكثر عددًا وعديدًا من مقاتلي حماس، حيث توفّرت لهم، وما زالت خطوط إمداد عن طريق البرّ والبحر، مكّنتهم من التزوّد بأسلحة أكثر حداثة وفتكًا، كما تساعدهم البيئة الطبيعيّة للجنوب اللبنانيّ الّذي يتمتّع بالطبوغرافيا الجبليّة الوعرة.
من هنا فإنّ التصريحات الإسرائيليّة الطموحة حول إنهاء الحرب وإعادة سكّان مستوطنات الشمال خلال بضعة أسابيع، لا تتطابق مع الوقائع الجارية على الأرض، والّتي تشير إلى أنّ إسرائيل ربّما أخطأت الحسابات عندما ظنّت أنّ حزب اللّه لن يقوم من الضربات الّتي وجّهتها له، وأنّ العمليّة البرّيّة ستباغته وتجهز عليه قبل أن ينهض.
لكن بالرغم من حالة التعافي الّتي أبداها حزب اللّه حتّى الآن في الدفاع والهجوم، فإنّ الوقائع الميدانيّة لم ترق بعد إلى حدّ لجم الطموح الإسرائيليّ الّذي فتحت شهيّته في أعقاب الضربات الناجحة الّتي وجّهها لقيادات الحزب العسكريّة والسياسيّة، وكسر العديد من التوازنات الّتي تمكّن حزب اللّه من ترسيخها خلال سنوات من العمل المقاوم.
ويبدو أنّ أسابيع قادمة من المعارك الّتي ستدور في الميدان بعد توغّل الجيش الإسرائيليّ في أراضي الجنوب، هي من سيحسم وجهة إسرائيل نحو الموافقة على وقف إطلاق النار والعودة إلى قرار مجلس الأمن 1701 بأقلّ تقدير، أو الانزلاق في حرب استنزاف طويلة الأمد على غرار الحرب على غزّة.
المصدر: عرب 48