إسرائيل تنقل نموذج غزّة في “التدمير والتهجير” إلى الضفّة
إذا كان جيش الاحتلال الإسرائيليّ قد طبّق “نموذج الضاحية” في الحرب على غزّة، فإنّه يطبّق نموذج غزّة في حربه الّتي بدأها أمس الأربعاء على الضفّة الغربيّة ومخيّماتها، وذلك باعتماد على ركيزتين أساسيّتين هما التدمير والتهجير.
وقد لمسنا ذلك في عمليّات الهدم والتجريف الواسعة الّتي دمّرت الشوارع والبنى التحتيّة وخطوط المياه والكهرباء والاتّصالات، والّتي طالت مخيّم جنين وبعض أحيائها ومخيّمات طولكرم والفارعة الّتي شملتها العمليّة العسكريّة حتّى الآن، وفي ما تبدّى من تصريحات مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيليّة الّذين لم يستبعدوا إخلاء السكّان من مناطق العمليّات العسكريّة، والّتي لاقت ترجماتها الأوّليّة في سيطرة الجيش الإسرائيليّ على بعض بيوت مخيّم جنين وإجبار سكّانها على المغادرة.
وكان وزير الخارجيّة يسرائيل كاتس قد قال في تغريدة له على تويتر “إنّ حكومته تفكّر بإخلاء السكّان الفلسطينيّين (من مناطق العمليّات) بشكل مؤقّت”، واصفًا العمليّة العسكريّة الّتي يقوم بها الجيش الإسرائيليّ بأنّها حرب بكلّ معنى الكلمة، وعلى إسرائيل أن تنتصر فيها، أمّا وزير الزراعة ورئيس “الشاباك” الأسبق آفي ديختر، والّذي طالما هدّد الفلسطينيّين بنكبة ثانية، حتّى قبل الحرب على غزّة، فقد صرّح في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيليّ، “أنّ العمليّة ستشمل نقل سكّان إذا ما كان ذلك ضروريًّا للحفاظ على أمن الجنود”.
ولتعزيز الاعتقاد بأنّه يخوض حربًا حقيقيّة قام جيش الاحتلال، وللمرّة الأولى منذ سنوات، بعمليّة إنزال جوّيّ على مخيّم الفارعة للّاجئين الواقع في غور الأردنّ، حيث هبط جنود الكوماندو من مروحيّات “يسعور” حلقت في سماء المخيّم، وذلك بالتزامن مع الهجوم البرّيّ والقصف الجوّيّ الّذي نفّذته مسيرة على أحد المباني.
يذكر أنّ جيش الاحتلال كان قد بدأ باستخدام المسيرات لقصف أهداف في مخيّمات جنين وطولكرم ومناطق أخرى في الضفّة الغربيّة، مع بدء الحرب على قطاع غزّة، وذلك إلى جانب تكثيف عمليّات التجريف وتدمير البنى التحتيّة، وفي السياق نقلت صحيفة “هآرتس” أنّ العمليّة تتسبّب بأضرار هائلة للبنيّة التحتيّة، فيما تحدّث مراسل الجزيرة عن أربع جرّافات عسكريّة ضخمة تعمل منذ الأوّل من أمس على تجريف شوارع مخيّم نور شمس في طولكرم وتدمير بناه التحتيّة بالكامل، بينما نقلت مراسلتها عن التسبّب بأضرار لمبنى تابع للأمم المتّحدة في مخيّم الفارعة، وهو ما يذكّرنا باستهداف مقرّات ومدارس وكالة الأونروا وغيرها من المؤسّسات الدوليّة في قطاع غزّة.
كما أنّ قيام قوّات الاحتلال بمحاصرة مستشفيات جنين هو استنساخ لحصار مستشفيات القطاع واقتحامها تباعًا ومن ثمّ تدميرها، في سياق عمليّات الإبادة الّتي تهدف إلى جعل المنطقة المستهدفة غير قابلة للحياة، وهو ما تسعى، على ما يبدو إلى تنفيذه في المخيّمات الفلسطينيّة ومحيطها، وذلك بغية تحقيق هدفين، الأوّل هو ضرب جيوب المقاومة الفلسطينيّة المتبقّية والناشئة في الضفّة الغربيّة، والثاني هو التخلّص من المخيّم كزمزابدي للّجوء والعودة.
في المحصّلة، فإنّ القتل والتدمير والتهجير هي الأهداف الفعليّة غير المعلنة للحرب الّتي بدأتها قوّات الاحتلال ضدّ الضفّة الغربيّة ومخيّماتها، أو قلّ توسيع الحرب الّتي بدأتها إسرائيل غداة السابع من أكتوبر على قطاع غزّة إلى الضفّة الغربيّة، والّتي تسعى إلى تدمير حياة الفلسطينيّين ودفعهم إلى النزوح عن أرضهم وديارهم بعد تحويل بيئتهم الطبيعيّة إلى بيئة طاردة وغير قابلة للحياة.
لقد كشفت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر عن وجهها الحقيقيّ كدولة استعمار استيطانيّ تستند في وجودها إلى استراتيجيّة المحو والإبادة والتطهير العرقيّ، وتجد إزاء صمت العالم على حرب الإبادة الّتي تشنّها منذ 11 شهرًا على قطاع غزّة، أنّ الفرصة مواتية لتوسيع الدائرة نحو الضفّة الغربيّة، خاصّة في ضوء نفاذ النسخة الدينيّة المسيحانيّة للصهيونيّة في دائرة صنع القرار لحسم الصراع بعد إدارته لسنوات طويلة، وذلك عبر دفع الشعب الفلسطينيّ إلى التخلّي عن حقوقه السياسيّة والعيش في كنف الدولة اليهوديّة أو النزوح عن وطنه، وفق خطّة سموتريتش.
المصدر: عرب 48