Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

إسرائي وسياسة القتل الجماعيّ كوسيلة انتقاميّة

بعد أشهر من الحصار والاقتحامات والقصف انتهت هذا الأسبوع بمداهمة المستشفى وحرق أقسامه، نجح جيش الاحتلال بإخراج مستشفى كمال عدوان عن الخدمة ليدمّر بذلك ركنًا أساسيًّا من أركان الحياة في شمال قطاع غزّة، وييسّر التمرير النهائيّ لخطّة التطهير العرقيّ لهذه المنطقة الّتي يسعى إلى تحويلها إلى منطقة عازلة ميّتة أو ربّما مزروعة بالمستوطنات، الّتي تستعدّ دانييلا فايس وبن غفير وغيرهم من أوباش المستوطنين إلى معاودة إقامتهم على أنقاض الفلسطينيّين في قطاع غزّة.

وكان مشهد اعتقال الدكتور حسام أبو صفيّة، وهو يشقّ طريقه بين أنقاض المستشفى نحو الدبّابة الإسرائيليّة الّتي ابتلعته، تتويجًا للكارثة الّتي سبّبتها قوّات الاحتلال وبطولة الكادر الطبّيّ للمستشفى، مشهد لا يوازيه إلّا مشهد اعتقال مدير مجمع الشفاء الدكتور محمّد أبو سلميّة الّذي سبق أن لاقى المصير نفسه في إطار التدمير المنهجيّ المتعمّد للقطاع الصحّيّ الفلسطينيّ، وإن كانت حرب الإبادة قد حوّلت كلّ بقعة في القطاع إلى شاهد حيّ على محرقة العصر، وجعلت من كلّ امرأة وشيخ وطفل في غزّة بطل في الملحمة الأسطوريّة.

لا خطّة عسكريّة أو سياسيّة للجيش الإسرائيليّ في قطاع غزّة سوى الانتقام، الانتقام من شعبها الأعزل، “أطفال يموتون من البرد، جرحى بترت أطرافهم بسبب النقص في الأدوية والأطبّاء الاختصاصيّين، أمّهات تلحق بشاحنات الغذاء يجري دفعهنّ ليطرحن أرضًا، عجزة تمزّقت خيامهم أو طيرتها الرياح، مرضى سرطان يموتون؛ لأنّهم لا يستطيعون الخروج للعلاج في مستشفيات مصر”، هذه الأقوال الّتي تصف بعضًا من الكارثة ليست لنا، بل للصحفيّ الإسرائيليّ تسفي برئيل.

برئيل يقتبس روبرت باكستون في كتابه “نشوء الفاشيّة” وهو يتذكّر “ليلة البلّور” ليقول، إذا أردنا فهم فشل منظومات القضاء والسلطات المدنيّة والدينيّة وقوى المعارضة في وقف هتلر في نوفمبر 1938، يجب أن نبدأ في فهم الدائرة الواسعة من الموافقة الصامتة الشخصيّة والمؤسّسيّة الّتي تمكّن أقلّيّة متشدّدة التحرّر من القيود وارتكاب حرب إبادة …

لكن عندما يتعدّى الأمر مسألة الصمت واللامبالاة، إلى الحضّ والتحريض من قبل الشارع ووسائل الإعلام وإسباغ الشرعيّة على ممارسات وجرائم الحرب والإبادة الجماعيّة من قبل المؤسّسات القضائيّة، ومن قبل المعارضة السياسيّة، عندها تصبح الشراكة بالفعل، وليس فقط بالصمت، كما حصل في ألمانيا، وربّما ذلك ما يميّز المجتمع الاستيطانيّ الإسرائيليّ ومؤسّساته الّتي تخدم هذا الهدف، خاصّة عندما يتعلّق الموضوع بإزالة الشعب الّذي يجري الحلول محلّه.

تحقيق “نيويورك تايمز” كشف أنّ الجيش الإسرائيليّ سمح بتنفيذ قتل جماعيّ في قطاع غزّة، حيث يتّضح من فحص عشرات الوثائق وإجراء مقابلات مع أكثر من مئة جنديّ وعامل في الدوائر الحكوميّة، بينهم 25 من الّذين كانوا شركاء في فحص أهداف حربيّة والمصادقة عليها، وكلّها شهادات تشير إلى كيفيّة قيام إسرائيل بتنفيذ إحدى الهجمات الجوّيّة الأكثر فتكًا في القرن الحاليّ، إذ كانت الهجمات الجوّيّة الأكثر كثافة في الشهرين الأوّلين من الحرب، حيث قتل فيها 15 ألف فلسطينيّ، وهو ما يعادل ثلث القتلى الّذين وقعوا في الحرب.

وتشير “نيويورك تايمز” أنّ الأمر العسكريّ الّذي أصدره الجيش الإسرائيليّ، والّذي أعطى صلاحيّة واسعة لضبّاط بدرجات متوسّطة في الجيش إصدار الأوامر بمهاجمة أهداف واسعة، معظمها ذات أهمّيّة عسكريّة منخفضة حتّى بثمن مرتفع من المسّ بالمدنيّين، شكل سابقة في التاريخ العسكريّ الإسرائيليّ، حيث سمح بالمسّ بعناصر حماس من درجات منخفضة وهم في بيوتهم ومحاطين بأبناء عائلاتهم وجيرانهم، وليس وهم وحدهم خارج بيوتهم.

أمر آخر أصدرته القيادة العليا للجيش الإسرائيليّ في الثامن من أكتوبر، كما أشار تحقيق “نيويورك تايمز”، هو السماح بتنفيذ غارات في حال شكّلت خطرًا على 500 مدنيّ يوميًّا، وقد أعقب ذلك إعلان السلطات المعنيّة في قطاع غزّة بمقتل أكثر من 500 فلسطينيّ في يوم واحد.

وكما هو معلوم، فإنّ ارتكاب المجازر وعمليّات الانتقام الصهيونيّة هي ليست وليدة الحرب الأخيرة، حيث جرى تنفيذها قبل وبعد قيام إسرائيل، وفي السياق يشير الناشط الحقوقيّ إيتاي ماك، في مقال نشرته “هآرتس” إلى 122 عمليّة انتقام قام بها الجيش الإسرائيليّ بين 1950-1956 بينها مجزرة قبّيّة الّتي جرى خلالها تفجير 45 بيتًا وقتل 60 مواطنًا فلسطينيًّا.

وينقل الكاتب تقديرًا لوكالة استخبارات تابعة لوزارة الدفاع الأميركيّة من سنة 1984 جرى الكشف عن عام 2016، يفيد بأنّ غريزة الانتقام متجذّرة عميقًا في المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة… وأنّه منذ سنوات الخمسين وحتّى سنوات الثمانين انتقلت إسرائيل من سياسة عمليّات “العين بالعين” البسيطة، إلى استراتيجيّة انتقام مطلق متطوّرة، تقوم على التقرير بالتعامل مع “الإرهاب” عن طريق جباية ثمن عال عن هذه العمليّات بشكل غير معقول.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *