Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

إصدار كتاب “في مآلات إسرائيل تحت وطأة ماضيها”: حوارات نخب إسرائيلية

القاسم العام المشترك بين الشخصيات في المقابلات هو أنها نشطت أيضًا في الفعل العام والسياسي منه خصوصًا، ليس داخل إطار عملها أو تخصصها فحسب، وإنما أيضًا أوسع من ذلك، ربما تصحّ تسميته “عضويًا” في الفعل الثقافي

صدر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية – مدار وضمن “مختارات ’قضايا إسرائيلية’” كتاب “في مآلات إسرائيل تحت وطأة ماضيها: مقابلات خاصة مع نخب إسرائيلية” من تأليف أنطوان شلحت وبلال ضاهر.

ويضمّ هذا الكتاب عددًا من المقابلات المعمّقة التي أجريَت بين خريف 2009 وخريف 2014، مع شخصيات إسرائيلية بارزة وناشطة كُلّ في تخصّصها ومجالها، السياسي منها والدبلوماسي والأكاديمي والصحافي والأدبي، ولكن القاسم العام المشترك بينها هو أنها نشطت أيضًا في الفعل العام والسياسي منه خصوصًا، ليس داخل إطار عملها أو تخصصها فحسب، وإنما أيضًا أوسع من ذلك. وبمفهومٍ ما، لعب قسم ممن تمت محاورتهم هنا دورًا ربما تصحّ تسميته “عضويًا” في الفعل الثقافي حين قاربوا الحيّز السياسي- الاجتماعي سعيًا للتأثير والتغيير.

وتمتد المقابلات، والتي نُشرت في مجلة “قضايا إسرائيلية” الفصلية المتخصصة الصادرة عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، وتتفرّع في مناح ٍ عدة وعلى مستويات مختلفة، فيها السياسي والثقافي والعسكري، وكلّها معًا داخل سياق التاريخ بأحداثه القاصمة ومحطاته المصيرية التي أفضت إلى الراهن السياسي في وقت كل مقابلة ومقابلة، ولكن أيضًا في الوقت الذي نعيشه اليوم.

وسوف يلاحظ القرّاء أن جميع المقابلات من دون استثناء ذهب المحاوَرون فيها إلى الفترة المؤسِّسة، عام النكبة 1948 وما سبقه، أحيانًا كجزء من التاريخ الشخصي لديهم وأحيانًا أخرى في محاولة استعادتهم للمحرّكات السياسية التي دفعت العقود الماضية في دولة إسرائيل وصولًا إلى اللّحظة الراهنة للمقابلات. وهكذا، بقصد أو من دون قصد، لا تتم محاولات توصيف الحاضر ووضع التصوّرات للمستقبل سوى بالعودة إلى ذلك الماضي المتفاعل بما أفضى إليه في الحاضر.

أمّا الشخصيات التي تمت محاورتها وفقًا لتسلسل زمني تصاعدي للمقابلات، فهي: الدبلوماسي السابق ورئيس “معهد دراسات الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، الدكتور عوديد عيران (خريف 2009)؛ أستاذ الأدب العبري والفلسفة في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور مناحيم برينكر، الحائز على “جائزة إسرائيل” التي تعتبر أرقى جائزة إسرائيلية (صيف وخريف 2011)؛ الناشط السياسي اليساري الراديكالي، والصحافي والكاتب، وعضو الكنيست الأسبق أوري أفنيري (صيف 2012)؛ السياسي البارز الذي أشغل في حياته السياسية الطويلة مناصب كثيرة منها وزير جودة البيئة ووزير التربية والتعليم وعضو كنيست عن حزب العمل ورئيس حزب ميرتس، يوسي سريد (خريف 2012)؛ الضابط المتقاعد برتبة عقيد، مردخاي بار أون، الذي تدرج في عدة مناصب عسكرية، والأهم بينها حين كان مدير مكتب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، موشيه دايّان، ولاحقًا عُرف كمؤرخ وسياسي وعضو كنيست سابق عن حزب راتس، الذي أصبح بعد اتحاده بحزبي مبام وشينوي حزب ميرتس (ربيع 2013)؛ المؤرخ زئيف شتيرنهل، أحد علماء السياسة البارزين والمتخصص الأول في موضوع الفاشية، على المستويين النظري والتاريخي (صيف 2013)؛ أحد أبرز الأدباء الإسرائيليين من أبناء من يوصفون بأنهم “جيل الدولة” أبراهام ب. يهوشواع (خريف 2014).

وقدّم للكتاب أنطوان شلحت فأشار إلى أن المقابلات تنطوي على استنتاجات ومدارك يصحّ القول إنها لم تفقد شيئًا من صلاحيّتها الزمنيّة، وخصوصًا ما يتعلّق منها بآفاق ومسارات الخروج من حالة الصراع، بل حالة الحرب الدائمة التي تشهد وقفات تقصر أو تطول، قبل أن تعود لتتجدّد بمختلف الوتائر والأساليب والمساحات مرة بعد أخرى. وإذا كان جميع المحاوَرين لا يتهرّبون من العام 1948، بمعنى إلى ناحية أثره المتفاعل في الحاضر السياسي حتى بعد انقضاء عقود، فإنهم يتّسمون بالمناورة أو التحفّظ او حتى الرفض الصريح لمواجهة أكبر وأهمّ تبعات 1948: قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة التي تنصّ عليها قرارات صادرة عن هيئات دولية يصعب حصرها، ناهيك عن البنود الصريحة في القانون الدولي. وإن هذه الإشكالية لا تخلو من تناقض: رؤية ملفّات العام 1948 مدماكًا أساسيًا للمشكلة ولكن الامتناع عن رؤيتها بل وإقصائها كجزء من الحلّ.

ومما جاء في التقديم أيضًا: ليس من باب التشاؤم السياسي ولا الإفراط النقدي، نرى أننا ملزمون بملاحظة أن الواقع السياسي الإسرائيلي الذي يرتسم من مقابلات هذا الكتاب في تحليلها للماضي وتوصيفها للحاضر واستشرافها المستقبل، يعجّ بالإشكاليات والقصورات. مع ذلك، فقراءة الراهن السياسي الإسرائيلي في الأعوام التالية لموعد إجراء المقابلات تقود إلى استنتاج قاتم جدًا. فالمحاوَرون في هذا الكتاب، على الرغم من تقديمهم رؤى منقوصة للحل بمقاييس الحقوق الوطنية الفلسطينية، قد حافظوا على قدر جديّ من واقعية ورشد سياسيين في تحليل الوقائع واستشراف سبل الخروج من بين الدماء والدمار، وأقرّوا بوجوب احترام الحق السيادي للشعب الفلسطيني. ولكن النخب الحالية في اليسار الصهيوني، ومنذ نحو ربع قرن، قد انكفأت بخطوات واسعة وتراجعت القهقرى إلى الوراء، وانزاحت معاييرها ومرتكزاتها أكثر نحو اليمين السياسي، من جهة، وابتعادًا عن إعمال الرُشد والمسؤولية والشجاعة خلال التمعّن في الحاضر وتعليق الأبصار والبصائر على المستقبل، من جهة أخرى. ولعل الغاية الأهم من إعادة نشر هذه المقابلات في الكتاب هي استعادة تشخيص بعض النخب الإسرائيلية البارزة لما كان، ولما هو كائن، ولما يمكن أن يكون، وبالأساس كما ستلاحظون في ضوء المستجدّات الملازمة لكل مقابلة وأخرى على حدة، وخاصة المستجدّات المرتبطة بالتحوّلات الجيو سياسية والدراماتيكية التي طرأت على المشهد السياسي العام وعلى أوساط المجتمع اليهودي في إسرائيل، والتي أثّرت من دون شك في الصيرورة الحالية لإسرائيل من خلال ارتباطها العضوي أيضًا بالمنشأ.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *