Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

إلى أين يمكن أن يصل الحظر الصينيّ على صادرات المعادن النادرة؟

الحرب الحاليّة على الصادرات والتعريفات الجمركيّة بين أكبر اقتصادين في العالم لها أثرها على الجميع بدون استثناء. وربّما يشتدّ التأثير بشكل أكبر على حلفاء الصين والولايات المتّحدة؛ بسبب قوانين “المستخدم النهائيّ” للموادّ المحظور تصديرها…

حظرت الصين مؤخّرًا صادرات المعادن الهامّة مثل الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون إلى الولايات المتّحدة. وتعدّ تلك المعادن أساسيّة في صناعات عسكريّة وتجاريّة واسعة النطاق، ممّا أدّى إلى تصعيد التوتّرات التجاريّة بعد الحملة الواسعة من الإدارة الأميركيّة على قطاع الرقائق في الصين.

أشارت توجيهات وزارة التجارة الصينيّة بشأن الموادّ ذات الاستخدام المزدوج، في القطاع العسكريّ والقطاع التجاريّ، إلى مخاوف تتعلّق بالأمن القوميّ. ويتطلّب الأمر، الّذي دخل حيّز التنفيذ بشكل فوريّ، مراجعة أكثر صرامة للمستخدم النهائيّ للموادّ الجرافيتيّة الّتي يتمّ شحنها إلى الولايات المتّحدة.

وقالت الوزارة: “من حيث المبدأ، لن يسمح بتصدير الجاليوم والجرمانيوم والأنتيمون والموادّ شديدة الصلابة إلى الولايات المتّحدة”.

وتستخدم معادن الجاليوم والجرمانيوم في أشباه الموصّلات، في حين يستخدم الجرمانيوم أيضًا في تكنولوجيا الأشعّة تحت الحمراء وكابلات الألياف الضوئيّة والخلايا الشمسيّة. ويستخدم الأنتيمون في الرصاص والأسلحة الأخرى، في حين يعدّ الجرافيت أكبر مكوّن من حيث الحجم في بطّاريّات السيّارات الكهربائيّة. وقد أثارت هذه الخطوة مخاوف جديدة من أنّ بكين قد تستهدف بعد ذلك معادن حيويّة أخرى، بما في ذلك تلك الّتي لها استخدامات أوسع مثل النيكل أو الكوبالت.

وقال تود مالان من شركة “تالون ميتالز” Talon Metals الّتي تحاول تطوير منجم للنيكل في ولاية مينيسوتا، وتستكشف عن المعدن في ولاية ميشيغان “تشير الصين منذ بعض الوقت إلى أنّها مستعدّة لاتّخاذ هذه الخطوات، فمتى ستتعلّم الولايات المتّحدة درسها؟”. ومن المقرّر أن ينضب منجم النيكل الوحيد في الولايات المتّحدة بحلول عام 2028. وقال متحدّث باسم البيت الأبيض إنّ الولايات المتّحدة تقيم القيود الجديدة، لكنّها ستتّخذ “الخطوات الضروريّة” ردًّا على الخطوات الصينيّة الأخيرة.

وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة “إنّ هذه الضوابط الجديدة تؤكّد فقط على أهمّيّة تعزيز جهودنا مع الدول الأخرى لتقليل المخاطر وتنويع سلاسل التوريد الحيويّة بعيدًا عن جمهوريّة الصين الشعبيّة”.

المصدر الرئيسيّ

تشير بيانات الجمارك الصينيّة أنّه لم تكن هناك شحنات من الجرمانيوم أو الجاليوم إلى الولايات المتّحدة هذا العام حتّى أكتوبر/تشرين الأوّل، على الرغم من أنّها كانت رابع وخامس أكبر سوق للمعادن على التوالي قبل عام. وبالمثل، انخفضت شحنات الصين الإجماليّة من منتجات الأنتيمون في أكتوبر/تشرين الأوّل بنسبة 97% عن سبتمبر/أيلول بعد أن دخلت خطوة بكّين للحدّ من صادراتها حيّز التنفيذ.

كانت الصين مسؤولة العام الماضي عن 48% من الأنتيمون المستخرج على مستوى العالم، والّذي يستخدم في الذخيرة والصواريخ الّتي تعمل بالأشعّة تحت الحمراء والأسلحة النوويّة ونظّارات الرؤية الليليّة، وكذلك في البطّاريّات والمعدّات الكهروضوئيّة، وأنتجت الصين هذا العام 59.2% من الجرمانيوم المكرّر و98.8% من إنتاج الجاليوم المكرّر.

وقالت شركة “يونايتد ستيتس أنتيموني” United States Antimony، الّتي تستخرج معدن الأنتيمون في مونتانا، إنّها تعتقد أن تحرّك الصين سيعزّز أسعار المعدن، وتشير التقارير إلى أنّ أسعار ثالث أكسيد الأنتيمون في ارتفعت في روتردام ارتفعت بنسبة 228% منذ بداية العام إلى 39 ألف دولار للطنّ المتريّ في 28 نوفمبر/تشرين الثاني.

.وقالت شركة “بيربيتوا ريسورسز” Perpetua Resources الّتي تعمل على تطوير منجم للأنتيمون في أيداهو بدعم ماليّ من الحكومة الأميركيّة، إنّ الصين “تستغلّ” استخراج المعادن المهمّة للجيش الأميركيّ وشركات التكنولوجيا. وقال الرئيس التنفيذيّ للشركة جون شيري “يجب أن نتعامل بجدّيّة مع مصادر المعادن الأميركيّة. لقد حان الوقت لإنهاء اعتمادنا على الصين وتأمين مستقبلنا”

يأتي إعلان الصين بعد أن أطلقت واشنطن حملتها الثالثة في ثلاث سنوات على صناعة أشباه الموصّلات في الصين، حيث قيّدت الصادرات إلى 140 شركة، بما في ذلك شركة “ناورا تكنولوجي جروب” Naura Technology Group صانعة معدّات الرقائق.

قال ترامب، الّذي تصدّرت الحرب التجاريّة مع الصين عناوين الأخبار خلال ولايته الأولى الّتي استمرّت أربع سنوات في البيت الأبيض، إنّه سينفّذ تعريفات جمركيّة بنسبة 10% على السلع الصينيّة، وهدّد بفرض تعريفات جمركيّة مرتفعة بنسبة 60% على الواردات الصينيّة خلال حملته الرئاسيّة.

من جهته قال بيتر أركيل، رئيس رابطة التعدين العالميّة في الصين “ليس من المستغرب أن تستجيب الصين للقيود المتزايدة من قبل السلطات الأميركيّة، الحاليّة والوشيكة، بقيودها الخاصّة على إمدادات هذه المعادن الاستراتيجيّة”. مضيفًا “إنّها حرب تجاريّة لا يوجد فيها فائزون”.

وفي سياق منفصل، دعت العديد من مجموعات الصناعة الصينيّة أعضاءها إلى شراء أشباه الموصّلات المصنّعة محلّيًّا، وقالت إحداها إنّ الرقائق الأميركيّة لم تعد آمنة وموثوقة.

وتشمل الموادّ الّتي تمّ الإعلان عنها مؤخّرًا صادرات الموادّ شديدة الصلابة، مثل الماس وموادّ الاصطناعيّة الأخرى يتمّ استخدامها في العديد من المجالات الصناعيّة مثل أدوات القطع وفرامل الأقراص والطلاء الواقي. ويشير الخبراء إلى موادّ أخرى قد تنضمّ إلى قائمة الحظر مثل سبائك التنغّستنّ والمغنيسيوم والألومنيوم.

التأثير على الأسواق العالميّة

لا شكّ أنّ الحرب الحاليّة على الصادرات والتعريفات الجمركيّة بين أكبر اقتصادين في العالم لها أثرها على الجميع بدون استثناء. وربّما يشتدّ التأثير بشكل أكبر على حلفاء الصين والولايات المتّحدة؛ بسبب قوانين “المستخدم النهائيّ” للموادّ المحظور تصديرها، كما في حالة حظر المعادن الصينيّة ومحاولات الصين منع تلك الموادّ من الوصول إلى السوق الأميركيّة.

هنا يجب الفصل بين المشتري والمستخدم النهائيّ. فالمستخدم النهائيّ، والمعروف أيضًا باسم المستهلك النهائيّ، هو الشخص الّذي يقوم بالشراء النهائيّ أو استخدام المنتج. وتلعب القوانين الناظمة للمستخدم النهائيّ دورًا كبيرًا في تحديد مدى قانونيّة مثل هذه المحظورات وامتثالها للقوانين والآثار الاستراتيجيّة المترتّبة عليها. في الحالة الصينيّة يعتبر الهدف الأساسيّ، بصرف النظر عن المشتري للموادّ المحظورة، أن لا يتمّ استخدام تلك الموادّ في خدمات أو سلع تنتهي في يد جهات أميركيّة.

وذلك يشكّل تأثيرًا كبير على الحلفاء الأميركيّين المرتبطين بعلاقات تجاريّة مع واشنطن، إذ سيمنع الحظر تلك الشركات من شراء المعادن لتصنيع موادّ وخدمات تنتهي في السوق الأميركيّة.

ومن المشاكل الأخرى المترتّبة على الحظر الصينيّ الاضطرابات في سلاسل التوريد. إذ تعتبر سلاسل التوريد حجر أساس في التجارة العالميّة للمنتجات العالية التقنيّة، وترتبط بشكل رئيسي بتسليم تلك المنتجات على الوقت حسب العقود والاتّفاقيّات. فسيشكّل الحظر وقوانين المستخدم النهائيّ اضطرابات كبيرة في مواعيد التسليم؛ بسبب الحاجة إلى وقت أكبر لإيجاد مورّدين جدد للموادّ المحظورة، هذا في حال وجدت تلك الشركات مورّدين من الأساس. على سبيل المثال، ستواجه دول حليفة للولايات المتّحدة والمشهورة بصناعاتها للمنتجات التقنيّة، وخاصّة أشباه الموصّلات، تحدّيات، إذا تأثّرت سلسلة التوريد الأميركيّة، ممّا قد يؤدّي إلى تأخيرات وزيادة التكاليف.

ومن المعضلات الأخرى زيادة التنافس على الموارد بين الشركات والبلدان. بشكل طبيعيّ، ستسعى الولايات المتّحدة وهي من أكبر المستوردين للبضائع والمعادن الصينيّة في العالم، إلى بدائل بسبب القوانين الصينيّة الجديدة. وذلك سيرفع ببساطة أسعار تلك المعادن لزيادة الطلب عليها وانخفاض العرض. وسيؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار تلك الموادّ بشكل كبير وسريع؛ ممّا يؤثّر على الميزان التجاريّ للشركات المرتبطة أصلًا بعقود، بعض منها طويل الأجل، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتج النهائيّ المعتمد على تلك الموادّ.

وبالنظر إلى ارتباط السياسة بالعلاقات التجاريّة وتأثيرها أحدهما على الآخر، سيجد حلفاء واشنطن وبكين أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه، فالحرب ليست حرب تصريحات فقط، إنّما حرب تكنولوجيّة يحاول فيها كلّ طرف الحدّ من قدرات الآخر، ومع زيادة الاعتماد على التكنولوجيا حديثًا، ستجد الدول نفسها في موقف صعب لتوفير احتياجاتها من الموادّ الأوّليّة والموصلات الأساسيّة للأجهزة التكنولوجيّة. أضف إلى ذلك التعامل مع تعقيدات الموقف وتأثيره على العلاقات الدبلوماسيّة مع أحد الطرفين في هذه الحرب الضروس.

ويشير الخبراء إلى الحاجة إلى تحوّلات تجاريّة مهمّة ستدفع الحلفاء إلى إعادة تقييم سياساتها التجاريّة والقوانين الناظمة لها للتغيّرات الكبيرة في سلاسل التوريد. مثلًا، من المتوقّع أن تشهد دولة مثل أستراليا زيادة كبيرة في الطلب على المعادن النادرة الّتي تستخرجها وبالتالي ارتفاعات في الطلب يرافقه ارتفاع في الأسعار وازدياد فرص الاستثمار؛ ممّا يدفع إلى تغيّرات جذريّة في المشهد الاقتصاديّ برمّته في البلاد.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *