Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

احتمالات الاحتواء الاقتصاديّ والانفراج السياسيّ بعيون إدارة ترامب

خلال ولايته الأولى، ركز الرئيس الأميركي المنتخب لولاية 2024 دونالد ترامب بشكل واضح على الشرق الأوسط، حيث اختار السعودية كأول محطة لزيارته الخارجية، وسعى لتحقيق “صفقة القرن” وبدأ قطار التطبيع العربي مع إسرائيل، ونقل السفارة إلى القدس ليعلن أنها عاصمة إسرائيل، وعمل على تعزيز موقع إسرائيل في المنطقة، وزاد من الضغوط على إيران بصورة ملحوظة، لا سيما فيما يتعلق بالاتفاق النووي. ومع تغيّر الأوضاع في الشرق الأوسط منذ مغادرته منصبه، تتابع القوى الإقليمية والدولية باهتمام مسار التعامل الأميركيّ مع المنطقة؛ خاصة وأن إدارة بايدن لم تكن دبلوماسية بالشكل المطلوب دوليًا، وسهلت لإسرائيل حروبًا متشعبة في المنطقة، وأغرقتها في وحل الحرب مع غزة ولبنان، وفتحت عليها بابًا بحاجة إلى إدارة جديدة للمساومة على إغلاقه. تعكس ردود أفعال بعض دول المنطقة انفتاحاً حول عودة ترامب إلى الحكم إذ رحبت دول الخليج بفوز ترامب، وهنأه بعض قادتها بوصوله إلى سدة الحكم بولاية ثانية تعزز من الشراكات بين بلاهم والولايات المتحدة ، وتطلع في ذات الوقت إلى تحقيق إنجازات عجزت عنها إدارة بايدن.

ومن الملاحظ بشكل الاختلاف بين رؤية ترامب والسياسات التقليدية لمدارس السياسة الخارجية الأميركيّة. بعد فوزه بالانتخابات، يفتح ترامب حقبة جديدة للسياسة الأميركيّة تعتمد على تكتيكات واقعية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، مستندًا في ذلك إلى مفهوم الانفراج بطريقة خاصة تهدف إلى تحقيق “استقرار قوي” يخدم مصالح الولايات المتحدة أولا، ومن ثم تعزيز تحالفات مع شركاء إقليميين.

تشير نظرية الانفراج التقليدية إلى تخفيف التوترات مع القوى العظمى عبر التعاون الاقتصادي والسياسي، وهو ما أسسه كيسنجر خلال سبعينيات القرن الماضي مع الاتحاد السوفيتي والصين. صمّمت نظرية الانفراج كردّ فعل على حالة الحرب الباردة والتوتر العسكري المستمر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وركّزت النظرية في أسسها على أنه لا يمكن تحقيق الأمن العالمي من خلال المواجهة العسكرية الدائمة، بل من خلال إيجاد مجالات للتعاون، خاصة في قضايا مثل على الاقتصاد وطرق التجارة الدولية والصناعة، على أساس أن التعاون في المجالات الناعمة يمكن أن يقلل من خطر الصراع في مجالات أخرى، ويخلق بيئة من التوازن الدولي بين القوى العظمى. إلا أن الانفراج لم يكن يعني إنهاء الصراع الأيديولوجي بين الرأسمالية والاشتراكية، بل السعي إلى إدارة هذا الصراع بشكل يمنع انفجار الحروب النووية. ولهذا السبب، ركز كيسنجر على ما أسماه “إدارة الصراع” بدلاً من “حله”.

أما ترامب، فيرغب في استخدام هذا الإطار بأسلوب أكثر صرامة يضع فيه مصالح الولايات المتحدة فوق كل اعتبار، مع الاعتماد على فرض “السلام القوي”، حيث تصبح العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية أداة لتعزيز النفوذ الأمييركي، خصوصًا في مناطق غنية بالموارد مثل الشرق الأوسط. يتجلى هذا في تعزيز ترامب لتعاون تجاري وعسكري مباشر مع الدول العربية الرئيسية، كتأمين عقود ضخمة في مجالات الدفاع والطاقة والنفط والخدمات الأمنية والعسكرية صفقات السلاح كما فعل مع السعودية في صفقة بلغت قيمتها 460 مليار دولار، مما يعزز الاستقرار من منظور أميركي؛ أي أن الشرق الأوسط سيلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على أمن الطاقة العالمي ومحاصرة نفوذ إيران، شريطة أن تخدم هذه الترتيبات سياسات واشنطن.

إعادة صياغة مفهوم الانفراج والاحتواء الاقتصادي

يعتقد ترامب أن توظيف “الانفراج القوي” هو وسيلة أكثر فعالية في مواجهة الصين وروسيا، وعلى نطاق أوسع دول مجموعة بريكس ، حيث يعتمد على تقديم الحوافز الاقتصادية للتقارب، ولكن مع استخدام العقوبات التي تزيد الضغط لتحقيق الأهداف الأميركية. من هنا، نجد أن ترامب قد يستخدم العقوبات التي تهدف إلى إخضاع دول مثل إيران وروسيا أكثر من سياسة الحوار المرنة، لكنه يسعى أيضًا لتحقيق توازن عبر اتفاقيات تجارية مع الصين، مما يضمن مصالح أميركا الاقتصادية دون التنازل عن قوتها الجيوسياسية. في فترة الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة الاحتواء الاقتصادي كأداة رئيسة للسيطرة على مسار الأحداث في الشرق، وقدمت الدعم الاقتصادي والسياسي للدول التي كانت تميل إلى التعاون مع الغرب، بينما فرضت عقوبات اقتصادية أو ضغوط على الدول التي اتجهت إلى الاتحاد السوفيتي، وتبنت سياسات تعارض المصالح الغربي في المنطقة والعالم عمومًا. إلى مدة ليست بعيدة كانت مصر على علاقة وطيدة بالاتحاد السوفييتي، واستثمر الاتحاد السوفييتي ما لا يقل عن 97 مشروعاً نهضوياً في قطاعات الطاقة والأمن والعسكرة، أبرزها إنجاز السد العالي وإعادة هيكلة الجيش المصري وتقديم سلاح بقيمة 250 مليون دولار لا سيما بعد نكسة 1967 لتكسر مصر بذلك أيقونة الاعتماد على السلاح الغربي عبر صفقات سلاح مع التشيك؛ وركز الجيش المصري على تسليح وتدريب قواته البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي بالعقيدة الشرقية الروسية، متخلياً عن العقيدة الغربية، وتوقفت مصر عن إرسال ضباطها للدراسة في الكليات العسكرية الغربية، وبدلاً من ذلك اتجهوا للدراسة في كلية فرونزا الروسية.

أثار هذا السلوك حفيظة المعسكر الغربي، ورأوا في احتواء مصر أولوية قصوى، ودخلت مصر بعدها بحرب تشرين 1973، والتي كان من مسبباتها رغبة المعسكر الغربي بإبعاد مصر عن الاتحاد السوفييتي واستنزاف الجيش المصري. جر الغرب مصرَ إلى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979؛ وتحول الدعم الأميركي الهائل لمصر بعد توقيع الاتفاقيات إلى أداة لإدماجها في النظام الاقتصادي الغربي. الولايات المتحدة قدمت مساعدات مالية وعسكرية كبيرة لمصر، مما ساهم في تخفيف اعتمادها على الدعم السوفيتي. في المقابل، نجد دولًا مثل سورية وليبيا والعراق في عهد كل من حافظ الأسد ومعمر القذافي وصدام حسين، حيث تبنوا سياسات معادية للغرب ومؤيدة للاتحاد السوفيتي، وواجهت هذه الدول عقوبات اقتصادية صارمة من الولايات المتحدة وحلفائها. كانت هذه العقوبات تهدف إلى تقليص النفوذ السوري والليبي والعراقي في المنطقة ومنعهم من تعزيز القدرات العسكرية والأمنية والاستخباراتية؛ بالإضافة إلى فرض قيود اقتصادية على النظام المصرفي والقطاع النفطي، وقطاع الطاقة، والاتصالات، وغيرها. وبالتالي عانوا من عزلة اقتصادية مهولة النتائج استمرت إلى مرحلة ما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

أما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وأبعاده الاقتصادية والعسكرية والأمنية في المنطقة، فإن من شأن إدارة ترامب الجديدة والمحدثة كليًا أن بناء التحالفات، ويشجع الدول العربية على التطبيع مع إسرائيل ضمن ترتيبات اقتصادية وأمنية جديدة، مما يعزز الدور الأميركي في المنطقة كضامن للاستقرار دون التورط المباشر في الحروب. توجهات ترامب تنعكس هنا عبر تعزيز علاقات إسرائيل مع دول مثل الإمارات والبحرين، حيث يرى في السلام الاقتصادي أساسًا لتحجيم النفوذ الإيراني وتثبيت الاستقرار عبر قنوات جديدة.

سياسة محتملة مع روسيا والصين

مع فوز ترامب، من المتوقع أن يسعى إلى مقاربة دبلوماسية متوازنة مع روسيا والصين، لكن بمنهجية حازمة تعتمد على إعادة فتح قنوات حوار ثنائية ترتكز على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة، من أجل تقليل احتمالية الصدام في مناطق التوتر. تجاه الصين، يمكن أن يعتمد ترامب سياسة انفراج اقتصادي تعتمد على تحقيق اتفاقيات تجارية تستفيد منها الشركات الأميركية الكبرى، بينما يضع ضوابط صارمة على الأنشطة العسكرية في المحيط الهادئ. من شأن واشنطن ان تحافظ على علاقات سليمة مع بكين رغم المناوشات مع تايبيه فيما يخص أزمة تايوان التي تشرف على اقتصادها وعسكرها، وترعى مصالحها الولايات المتحدة الأميركية وتجعل منهالا قاعدة أميركية متقدمة أمام المدّ الصيني في آسيا. تستعد الصين للتعامل مع ولاية ثانية لدونالد ترامب في البيت الأبيض من خلال استراتيجية تهدف إلى “تحصين اقتصادها” ضد تقلبات السياسات الأميركية. تشمل هذه الجهود مواجهة التعريفات الجمركية المرتفعة، والاستثمار في تطوير التكنولوجيا المحلية، وإعادة توجيه سلاسل التوريد بعيدًا عن الاعتماد على الولايات المتحدة.

فيما يتعلق بالتجارة، من المتوقع أن تُفرض رسوم جمركية أميركية تصل إلى 60% على المنتجات الصينية، مما قد يُقلل من حجم الصادرات الصينية. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن التأثير المباشر لهذه التعريفات على الاقتصاد الصيني سيكون محدودًا، حيث سيشكل أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. لتعويض ذلك، تعمل الصين على تعزيز علاقاتها التجارية مع أسواق أخرى لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة…

تبقى تايوان نقطة توتر رئيسية في العلاقات الأميركية-الصينية. ومع سياسات ترامب المحتملة التي قد تكون أكثر عدائية، من المتوقع أن تشهد المنطقة تصاعدًا في التوترات الجيوسياسية. بالإضافة إلى ذلك، تحولت العديد من الشركات الصينية إلى نقل بعض عملياتها الإنتاجية إلى جنوب شرق آسيا لتجنب الآثار السلبية للتعريفات الجمركية، مما يُظهر مرونة الاقتصاد الصيني في مواجهة هذه التحديات. تسعى بكين، من خلال هذه الاستراتيجيات، إلى إعادة تشكيل دورها في الاقتصاد العالمي لتصبح أقل عرضة للضغوط الأميركي. يعتبر ترامب الصين التحدي الجيوسياسي الأكبر لأميركا، ويستمر في تبني نهج تصعيدي من خلال فرض تعريفات جمركية قاسية وزيادة الوجود العسكري في المحيط الهادئ. على الرغم من أن هذه السياسات تهدف إلى احتواء النفوذ الصيني، إلا أنها تزيد من احتمالية المواجهة المباشرة، خاصة في مناطق مثل تايوان وبحر الصين الجنوبي. أما فيما يتعلق بحلف الناتو، فإن ترامب يستمر في نهجه الانتقادي، مُعتبراً أن الحلفاء الأوروبيين يستفيدون من المظلة الأمنية الأميركية دون تقديم مساهمة عادلة. هذا التوجه يُضعف وحدة الحلف، ويجعل أوروبا أكثر عرضة للمخاطر الأمنية، سواء من روسيا أو الصين. ترامب لفريقه في السياسة الخارجية تعكس توجهاً نحو الولاء الشخصي أكثر من الكفاءة المهنية. تعيين شخصيات مثل تولسي جابارد، المعروفة بنهجها الانعزالي، وجون راتكليف يُضفي المزيد من الغموض على سياسات الإدارة. هذا الأمر يزيد من صعوبة تحقيق رؤية استراتيجية متماسكة تُخفف من حدة التوترات العالمية.

أما مع روسيا، فقد يسعى إلى إعادة بناء جسور التعاون في مسائل أمنية مثل الحد من الانتشار النووي، مقابل التوصل إلى تفاهمات حول أوكرانيا والشرق الأوسط، بما يضمن للولايات المتحدة وجودها الأمني في المنطقة ويقلل من التدخل الروسي هناك. هذه الفعاليات تأتي بعد أن أطلقت إدارة بايدن يد أوكرانيا في الحرب الروسية، وسمحت لها بشن عمليات ضد أهداف روسية في مناطق حدودية وقريبة من مراكز عمليات الجيش الروسي.

أما على مستوى الشرق الأوسط، فيعتمد ترامب في سياساته على تحقيق الاستقرار مع تجنب التدخل العسكري المكلف، حيث يفضل استخدام العقوبات الاقتصادية كأداة ضغط رئيسية على إيران وسورية كحالتين رئيستين في المنطقة. عام 2019: أصدر دونالد ترامب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، وأتاح الكونغرس بموجبه فرض عقوبات اقتصادية قاسية على دمشق لتعزيز المساءلة وتعزيز قدرة الولايات المتحدة الأميركية على فرض عقوبات ضد الدول التي لا تمتثل لقراراتها وإرادتها في التغيير. إلى جانب دعم التحالفات مع الدول الخليجية لتشكيل جبهة ردع متكاملة. من خلال هذه الاستراتيجية، يعيد ترامب توجيه الانفراج الاقتصادي ليكون موجهاً بشكل أكبر نحو الاحتواء الصارم للخصوم، خصوصاً إيران، لتقليص نفوذها في سورية ولبنان واليمن، وضمان حماية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

التوتر بين القوة والسياسة الواقعية

مع فوز دونالد ترامب بولاية جديدة لمدة أربع سنوات تبرز تساؤلات حول توجهاته السياسية وعلاقتها بنظرية الوفاق التي طورها هنري كيسنجر. تنطلق هذه النظرية من فكرة تخفيف التوترات بين القوى الكبرى عبر التفاوض والحوار للحفاظ على توازن عالمي. ومع ذلك، يبدو أن ترامب يعتمد نهجاً مغايراً، يُعزز فيه القوة الأميركية عبر الضغط الاقتصادي والعسكري دون الالتزام بمبادئ الوفاق التقليدية، مما يُدخل العالم في مرحلة جديدة من الاستقطاب وعدم الاستقرار. تعزز هذه النظرة التعيينات التي أجراها ترامب في إدارته حيث تبدو أنها مصممة على تنفيذ أجندة محددة في ذهن ترامب ويسعى إليها خلال دراسته لحالة الإدارة السابقة، وتشمل معاقبة الخصوم وإجراء تغييرات داخلية، بينما تعتمد في السياسة الخارجية على “الردع والصفقات” والوعود في الشرق الأوسط، التي غالبًا تنتهي بتبريرات بأن الأفضل لم يكن ممكنًا. اختيار ترامب لمايك هاكابي سفيرًا في إسرائيل، وهو شخصية محافظة متطرفة تنكر وجود فلسطين وتتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل. هذا الاختيار يعكس توجهًا متشدّدًا ضد الحقوق الفلسطينية؛ في المقابل، إدارة بايدن تُتهم بممارسة انتهاكات مبطنة رغم تعهداتها، حيث لم تتخذ إجراءات ملموسة بعد التحقيقات التي أثبتت استمرار تعثر وصول المساعدات الإنسانية لسكان غزة. ورغم ذلك، اكتفت الإدارة بتصريحات تفيد بأن “الأمور تتحسن”، ما يعكس تساهلها مع إسرائيل في هذا الملف؛ وإن كانت تسعى إلى تنظيف المنطقة، لكن تبقى مصالح ترامب وأميركا هي الطاغية في جميع الأحوال ؛ وهذا ما يمكن وصفه بالقول إن سياسة ترامب الخارجية تستند إلى مبدأ “السلام من خلال القوة”، الذي يركز على تعزيز الهيمنة الأميركية دون اعتبار كبير للتوازنات الإقليمية. في الشرق الأوسط، يعكس دعمه المطلق لإسرائيل لا سيما أن كان مسبقًا قد أعلن ضم الجولان والاعتراف بضم القدس لإسرائيل وإيقاف مكتب منظمة التحرير في أميركا والموافقة على إيقاف تمويل وكالة الأونروا، واستمراره في سياسة الضغط الأقصى على إيران هذا النهج.

قرار ترامب بتعيين مايك هاكابي، المعروف بمواقفه العدائية تجاه الفلسطينيين، سفيراً في إسرائيل يؤكد توجهاته المنحازة. يتزامن ذلك مع دعم متزايد للتطبيع العربي-الإسرائيلي، وخاصة مع السعودية، لكنه يعمّق الانقسامات الإقليمية، ويُضعف أي احتمالات لتسويات سياسية شاملة. في المنطقة عمومًا، وبالمحصلة تستمر سياسة “العقوبات القصوى” على إيران وعدة دول أخرى في الشرق الأوسط، ما يدفعها إلى مزيد من التحالف مع قوى مثل روسيا والصين، وهو ما يتناقض مع فكرة الوفاق التي تهدف إلى احتواء القوى المناوئة من خلال الحوار. هذه السياسات تُنتج بيئة مشحونة تهدد استقرار المنطقة، خاصة في ظل استمرار الحروب في غزة واحتمالية تصعيد المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان.

على الجانب الأوروبي، تعكس رؤية ترامب للوفاق صفقة محتملة مع روسيا لإنهاء الحرب الأوكرانية، مقابل تنازلات قد تشمل الاعتراف بنفوذ موسكو في المناطق الشرقية من أوكرانيا. هذه الخطوة، رغم أنها قد تخفف من التوترات على المدى القصير، إلا أنها تقوض ثقة الحلفاء الأوروبيين، وتُضعف دور الناتو. هذه الساحة بالتحديد شهدت توترًا متسارعًا بعد أن سمحت إدارة بايدن لأوكرانيا أن تضرب العمق الروسي، وتستهدف منشآت حيوية إما عبر المسيّرات أو عبر صواريخ بعيدة المدى لتعيد هذه الحرب إلى الواجهة في الوقت نفسه، إصرار ترامب على أن تتحمل أوروبا مزيداً من الأعباء الدفاعية يُعزز الشكوك حول الالتزام الأميركي بحماية القارة، مما يفتح المجال أمام روسيا لزيادة نفوذها في المنطقة. إذا تمت هذه الصفقة، فإنها ستشكل تنازلاً عن المبادئ التي أرساها كيسنجر بشأن احترام التوازنات الإقليمية كشرط للاستقرار العالمي.

تبقى الخلاصة التي يجب أن لا ننساها أن إدارة ترامب غير معنية بتغيير سياسة ونهج الولايات المتحدة القائمة على التطرف وليس الاعتدال، وإشعال الحروب وتزكية الصراعات حول العالم بما يضمن مصالحها العليا، وإن كان لصوت الاقتصاد السياسي والعسكري جزء من إدارته؛ وسيكون على مسؤولي إدارة ترامب تنفيذ ما يمليه عليهم من أجندات، ولا سيما أنه ضم مجموعة مستشارين يميلون بشدة إلى سياساته ورغباته سواء داخل أو خارج أميركا، ولديه مؤيدون وموالون جاهزون لتنفيذ جزء كبير من أجنداته.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *