اختتام أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية
بعد جلسة المحاضرتين الرئيستين العامة، استكمل المنتدى أعماله بالجلسة الرابعة لمحور “دول الخليج والقضية الفلسطينية”، التي ترأسها عبد الهادي العجمي، وناقشت “تداعيات التطبيع الخليجي مع إسرائيل على مستقبل القضية الفلسطينية”.
اختُتمت في الدوحة مساء الأحد، أعمال الدورة الحادية عشرة لـمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، التي نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، خلال الفترة 30 تشرين الثاني/ نوفمبر-1 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وكانت في مسارَين. ناقش المسار الأول موضوع “دول الخليج العربية والقضية الفلسطينية”، في حين ناقش المسار الثاني موضوع “المدينة الخليجية بنيةً وفاعلًا اجتماعيًا”.
بدأ اليوم الثاني بجلسة عامة، تضمنت محاضرتين رئيستين لمسار المدينة الخليجية، وأدارها عبد الرحمن الإبراهيم. وفيها قدّمت نيليدا فوكارو المحاضرة الأولى، التي حملت عنوان “الأدب والحياة في مدن الخليج: دراسات المناطق والعروبة والغربنة ومعضلة الكوني”، وتضمنت مراجعة نقديةً لمكانة المدينة في دراسات الخليج، من خلال إعادة النظر في الموضوعات الرئيسة التي تشكّل محور الدراسة والتطور التاريخي للمنطقة، وجادلت ضدّ استثنائية الخليج والفئات الفكرية والمكانية الجامدة التي كانت تميل في الماضي إلى تصنيف المنطقة بوصفها “محيطًا”، وناقشت المدن بوصفها عوالم مصغرة ونقاطًا لمراقبة الماضي والحاضر والمستقبل. أمّا المحاضرة الرئيسة الثانية فقدّمها ياسر الششتاوي، بعنوان “العابرية والزمانية في مدن الخليج العربية”، وقد استعرض فيها طبيعة المدينة الخليجية، مبتدئًا بالسؤال عن قدرة هذه المدينة على الحفاظ على وجودها طوال القرن الحادي والعشرين. وشرح الباحث كيف يمكن أن يعيش “الأشخاص المؤقتون” في مكان يرفض بطبيعته الاعتراف بهم مواطنين كاملين، مسلّطًا الضوء في ذلك على مرونة هؤلاء الأشخاص وتحديهم لقوى المدينة المهيمنة.
التطبيع الخليجي مع إسرائيل ودستوبيا المدن الخليجية
بعد جلسة المحاضرتين الرئيستين العامة، استكمل المنتدى أعماله بالجلسة الرابعة لمحور “دول الخليج والقضية الفلسطينية”، التي ترأسها عبد الهادي العجمي، وناقشت “تداعيات التطبيع الخليجي مع إسرائيل على مستقبل القضية الفلسطينية”. وفيها قدّم عبد الله باعبود تحولات مواقف دول الخليج من القضية الفلسطينية من خلال ورقة عنوانها “من الرفض إلى التطبيع: كيف تحولت مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية؟”.
واستعرض الباحث التحولات التي شهدتها مواقف دول الخليج تجاه القضية الفلسطينية في العقدين الماضيين، وبيّن أنّ القضية الفلسطينية كانت من أولويات دول الخليج، لكن الاهتمام بها تراجع بسبب التغيرات الإقليمية والدولية. وقد سلطت الورقة الضوء على تأثير الثورة الإيرانية عام 1979 ودعمها للمقاومة الفلسطينية؛ ما خلق توترًا مع دول الخليج التي كانت تفضّل الحل السلمي، وتناولت تطورات عملية السلام العربي مع إسرائيل، وتداعيات الانقسام الفلسطيني، وأحداث الربيع العربي على مواقف الخليج. وخلصت الورقة إلى أن هذه العوامل، إضافة إلى التوجه نحو التنوع الاقتصادي، دفعت دول الخليج إلى تعديل سياساتها نحو القضية الفلسطينية وبدء مسار التطبيع مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، تبقى الصورة ضبابية بعد أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. ثم تناولت نوف عبد اللطيف الجسار، في ورقتها “دور الولايات المتحدة في توطيد الاتفاقات الإبراهيمية مع دول مجلس التعاون”، دور الولايات المتحدة في تعزيز هذه الاتفاقات، خاصة في فترة الرئيسين دونالد ترامب وجو بايدن، واستعرضت فيها خطوات الإدارة الأميركية في إبرام الاتفاقات، وأهدافها على المديَين القريب والبعيد، وأشارت إلى أن “طوفان الأقصى” كان سببًا رئيسًا في عرقلة هذه المبادرة. وتناولت تحديات تنفيذ الاتفاقات، لا سيما رفض بعض الدول لها وتصاعد التوترات في المنطقة بعد الحرب على غزة. وخلصت الورقة إلى أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم هذه الاتفاقات على الرغم من التحديات، وخاصة بعد طوفان الأقصى، لكن التحدي الأكبر يكمن في تصاعد التوترات الإقليمية والشعبيّة العربية المعارضة لهذه الاتفاقات. أما دانا الكرد، فناقشت “تأثير التطبيع العربي – الإسرائيلي في السلطوية في الدول العربية”، وانطلقت من سؤال يناقش هذه المسألة، وجادلت بأن التطبيع الذي لا يعالج الأسباب الجذرية للصراع، والذي يحافظ على العنف البنيوي، يمكن أن يسهل الممارسات الاستبدادية من خلال الآليات المادية والخطابية. وقد بحثت في هذه الدينامية من خلال دراسة حالة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ذات الممارسات السلطوية المختلفة، ومن خلال تفكيك العلاقات التي تربطها بإسرائيل.
وفي الجلسة الخامسة من المسار الثاني “المدينة الخليجية”، التي حملت عنوان “المدينة الخليجية: التحديث والدستوبيا”، وترأسها عبد الله محمد السليطي، ركز باقر النجار في ورقته التي حملت عنوان “مدن أم منتجعات؟ الفرار من صخب مدن الخليج المكتظة”، على حالة بعض المدن الخليجية الجديدة التي نشأت بفعل تنامي نمط السلوك الاستهلاكي لعددٍ غير قليل من سكان المنطقة. أمّا فيدريكو كوغورولو فقدّم ورقة حملت عنوان “الفانتازيا السايبربانكية الحضرية في الخليج: مشروع “ذا لاين” حاضنة للتحديث، في السعودية وأبعد”، كان أطروحتها الأساسية أن تطلعات مدينة “ذا لاين” تستند في الأصل إلى خيال غربي سيبراني.
الحرب على غزة والعولمة في المدن الخليجية
حملت الجلسة الخامسة في محور القضية الفلسطينية عنوان “مواقف دول الخليج العربية من الحرب على غزة وتداعياتها”، وترأسها يوسف بن حمد البلوشي، وقد تناول فيها ظافر العجمي في ورقته بعنوان “مواقف دول الخليج من العدوان الإسرائيلي على غزة”، مواقف دول الخليج من العدوان الإسرائيلي على غزة، موضحًا دعمها السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية. وخلص في ورقته إلى أن التحرك الخليجي كان متعدد الأبعاد، سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا، وأنّ هذا التحرك ساهم في توحيد المواقف العربية والإسلامية. واستكشف ناجي أبي عاد في ورقته بعنوان “آثار الحرب على غزة في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط”، آثار حرب غزة في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط، مركّزًا على أمن إمدادات النفط والغاز في أثناء التهديدات الأمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وأشار إلى التأثيرات السلبية للحرب في تدفق النفط والغاز إلى أسواق الطاقة العالمية، خاصة إلى أوروبا، وناقش التوجه نحو الاعتماد على خطوط أنابيب النفط والغاز بدلًا من الناقلات البحرية المعرّضة للخطر. وخلص إلى أن الحرب قد تؤدي إلى تقليل اعتماد السوق العالمية على النفط والغاز من الشرق الأوسط في المدى البعيد. واهتمّ أيضًا بتأثيرات الحرب في آفاق التعاون في مجال الطاقة بين إسرائيل ودول المنطقة؛ بما في ذلك الشركات المشاركة في قطاع الغاز شرق البحر الأبيض المتوسط. وتحدث خالد حمد أبا الزمات في ورقته التي حملت عنوان “توجهات الرأي العام الخليجي تجاه السياسة الخارجية القطرية نحو الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2023-2024″، عن توجهات الرأي العام الخليجي تجاه السياسة الخارجية القطرية المتعلقة بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2023-2024. وقد عملت هذه الورقة على قياس توجهات الرأي العام الخليجي. وفي هذا السياق، أظهرت دراسة شملت 1300 مواطن من مواطني دول الخليج وعيًا إيجابيًا تجاه دور قطر في الوساطة، وأظهرت كذلك تقديرًا لدور الإعلام القطري في تغطية الأحداث.
وفي الجلسة السادسة من المسار الآخر بعنوان “المدينة الخليجية: العالمية والعولمة”، التي ترأسها سعيد الهاشمي، بحث مهران كمرافا في ورقته التي حملت عنوان “الحضرية والعولمة في الخليج”، كيفية مساهمة العولمة في ظهور مدن خليجية بوصفها مراكز إقليمية مهمة في الشبكات العالمية. وركّزت صفاء صبح صبابحة، في ورقتها التي حملت عنوان “المدن الخليجية ظاهرة عالمية: مدن الساحل الشرقي في السعودية أنموذجًا”، على استكشاف العوامل التي تسهم في نمو المدن الساحلية الشرقية في السعودية والتحديات التي يواجهها هذا النمو، وذلك لتوجيه السياسات لضمان التنمية المستدامة في هذه المناطق. أما سيمونا أزالي، فبيّنت في ورقتها التي حملت عنوان “المدينة الخليجية والتحولات الحضرية السريعة والعولمة: مراجعة نقدية لممارسات التخطيط الحضري الراهنة”، حدود التحضر حاليًّا في المنطقة؛ وذلك من خلال الكشف عن مفارقة ارتفاع أسعار الأراضي، وما ينجم عن هذا الارتفاع من نقص في الإسكان بأسعار معقولة، فضلًا عن معدلات الشواغر المفرطة، والاكتظاظ في مدن الخليج.
فلسطين في المواقف الخليجية الشعبية والإشكاليات البيئية في المدن الخليجية
في ختام أعمال المحور الأول، عُقدت جلسة سادسة أخيرة تناولت “المواقف الشعبية والرسمية في دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية”، ترأستها ابتهال الخطيب، وناقش فيها ناصر السعدي وسيف المسكري، في ورقتهما التي حملت عنوان “القضية الفلسطينية من النكبة إلى كامب ديفيد: مقاربة الحضور في السياق العُماني” المواقف العمانية تجاه القضية الفلسطينية بدايةً من النكبة حتى اتفاقية كامب ديفيد، واستعرضا المواقف الشعبية، والرسمية، ومعارضة عمان لهذه الاتفاقية من خلال ثلاثة محاور: أولًا، التفاعل الشعبي مع القضية الفلسطينية عبر التبرعات والمشاركة في النضال وحضور فلسطين في الأدب والشعر. ثانيًا، تحليل تطور المواقف الرسمية العمانية وأثر التحولات السياسية، خاصة بعد عام 1970. ثالثًا، دراسة مواقف المعارضة العمانية وأيديولوجياتها. وخلصت الورقة إلى أن الوعي الشعبي العماني كان مبكرًا؛ إذ تميزت السبعينيات بتفاعل قوي على الرغم من العزلة. وتناولت رهام عمرو في ورقتها التي حملت عنوان “كويتيون وقضية: قراءة في تحولات الوعي السياسي الكويتي تجاه القضية الفلسطينية (1920-1960)، تحولات الوعي السياسي الكويتي تجاه القضية الفلسطينية بين عامَي 1929 و1975، مستخدمةً نظرية الوعي السياسي لجون زلر ونظرية “الجماعات المتخيّلة” لبنديكت أندرسون، واهتمّت في ورقتها بتطور الوعي الكويتي من خلال تحليل مقالات صحافية من مجلات كويتية وعربية وفلسطينية، وبيّنت تضامن الكويتيين مع القضية الفلسطينية خلال تلك الفترة. وأخيرًا، تناولت يارا نصّار في ورقتها التي حملت عنوان “دفاتر منسية: الثورة الفلسطينية في مهدها الخليجي”، نشأة الثورة الفلسطينية بين العامين 1956 و1965 في الخليج، خاصة في الكويت وقطر والسعودية، حيث استقر مؤسسو حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وكوّنوا علاقات مع الجاليات والشعوب الخليجية التي دعمتهم. واستعرضت الورقة العوامل الفكرية والسياسية التي ساعدت على تبلور الثورة في البلدان المذكورة.
أما في محور المدينة، فقُدّمت ثلاث أوراق في الجلسة السابعة التي ترأسها حسن مدن، وحملت عنوان “المدينة الخليجية وإشكاليات التحول المناخي والتوازن البيئي”. وفي هذه الجلسة، طرح نبيل خلدون قريسة في ورقته التي حملت عنوان “جذور المدينة الخليجية التاريخية وإشكالية التوازن البيئي” إشكالية جذور التمدين في المنطقة تاريخيًا، وأسس التعمير فيها، ولا سيما العلاقة المباشرة بالبيئة الجغرافية والخصوصيات الاجتماعية. وحاول أرشاد محمود، في ورقته التي حملت عنوان “استراتيجيات التكيف في المدن الذكية في الخليج: تحديات أمام السياسة الحضرية في مواجهة التغير المناخي”، مراجعة إذا ما كانت المدن الذكية الخليجية في السعودية وقطر والإمارات تتّسم بمرونة كافية لموازنة تحديات تغير المناخ، مع التركيز على تداعيات التخطيط الحضري والسياسي. واهتمّت آلاء الشهابي ونور الشيخ، في ورقتهما التي حملت عنوان “مناطق التضحية على حدود النفط: المدينة الخليجية والعدالة البيئية، نضالات سكّان قريتي سترة والمعامير البحرينيتين”، بالمنطق الاستعماري من جهة وضعه مصافي النفط في وسط قرى بحرينية، وبتأثير هذا الأمر في سكان القرى المعنيّة بذلك بيئيًا وسياسيًا.
استدامة المدن الخليجية
اختُتمت أعمال المنتدى بجلسةٍ ثامنة ضمن المسار الثاني، حملت عنوان “المدينة الخليجية: نحو مستقبل مستدام”، ترأسها حيدر سعيد، وفيها قدّم عبد الرءوف ورقته التي حملت عنوان “نحو نموذج جديد في التحضر الناشئ في مدن الخليج: حتمية التحرك نحو مدن شاملة وعادلة وصالحة للعيش” مجموعةً من الاستراتيجيات والأدوات التي تطور المدن الخليجية بوصفها سياقات حضرية للجميع بطريقة آمنة وعادلة ومستدامة. أمّا علوي المشهور وغسان القلهاتي، فناقشا في ورقتهما التي حملت عنوان “مدن على رمال متحركة” تاريخ نشأة المدينة الخليجية الحديثة، وتحولاتها، وطابعها المؤقت من حيث التركيبة الديموغرافية واعتمادها على العمالة الوافدة.
وفي ختام هذه الجلسة، أعلن حيدر سعيد عن اختتام أعمال الدورة الحادية عشرة من منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، مقدمًا بعض الملاحظات الخلاصية، والخطوات المستقبلية في نشر أعمال المنتدى في كتابين.
المصدر: عرب 48