Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

الأطباء الفلسطينيون في المستشفيات الإسرائيلية أصوات مكتومة في فضاءات معسكرة

في ورقة بعنوان "أصوات مكتومة وفضاءات معسكرة: الأطباء الفلسطينيون في المستشفيات الإسرائيليّة بعد السابع من أكتوبر"، أُعدت لصالح مركز "مدى الكرمل"، تناولت الباحثة غادة سياسة ملاحقة الأطبّاء الفلسطينيّين وغيرهم من مقدِّمي الرعاية الصحّيّة، التي تكثّفت بعد السابع من أكتوبر والحرب على غزة، ضد العاملين في هذا القطاع والذين يشكّلون 21% من العاملين بمجال الرعاية الصحية في إسرائيل، حيث جرى تجريم أطباء وغيرهم من مقدمي الرعاية الصحية لمجرد التعبير عن تعاطفهم مع الضحايا المدنيين في غزة وانتقادهم للحرب.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وجاء البحث، الذي اعتمد على مقابلات مباشرة مع عينة من الأطباء الفلسطينيين يمثلون التخصصات والمناطق والمستشفيات المختلفة، في ضوء واقع قمع وإسكات الأصوات الفلسطينيّة داخل نظام الرعاية الصحّيّة الإسرائيليّ، وفي ظل تواتر تقارير عن حالات عديدة لطرد فلسطينيّين من أماكن عملهم في إسرائيل بسبب التعبير عن تضامنهم مع ضحايا غزّة، وذلك من خلال اعتباره "دعمًا للإرهاب".

وتفحص الورقة ديناميكيّات السيطرة والملاحقة المتزايدة، في ظل تفاقم حالات الطرد من العمل، والإجراءات التأديبيّة، واستجوابات في الشرطة لمتخصّصين فلسطينيّين في مجال الرعاية الصحّيّة، بتهمة تأييد الإرهاب والتحريض على العنف، نظرًا للحاجة الملحّة إلى رصد هذا الوضع غير المسبوق ودراسته.

وتشير الباحثة إلى أن الحضور المتزايد للعاملين العرب في نظام الرعاية الصحية الإسرائيلي ظل محكومًا بسياسات الدولة المتعلقة بدمج الفلسطينيين اقتصاديًا واحتوائهم سياسيًا، وهو ما اتضح جليًا من خلال ملاحقتهم وإسكاتهم بعد السابع من أكتوبر، حيث تكشف كيف يعمل هذا النظام كآلية للسيطرة على القوى العاملة الفلسطينية، إذ هو يوفّر فرصًا اقتصادية في نفس الوقت الذي يحدّ فيه من التعبير السياسي، وذلك كجزء من استراتيجية الاحتواء التي تنتهجها الدولة على نطاق أوسع.

وتخلص إلى أن نظام الرعاية الصحّيّة الإسرائيليّ يشكّل جزءًا لا يتجزّأ من بُنى الدولة، ولا يمكن اعتباره من وجهة نظر سياسيّة فضاءً محايدًا، حيث أعلنت الـمَرافق الصحّيّة على الملأ دعمها للمجهود الحربيّ، وكان جنود الاحتياط من مقدّمي الرعاية الصحّيّة يتنقّلون باستمرار بين الخدمة العسكريّة وعملهم الطبّيّ المنتظم في أقسام المستشفيات.

وهو دعم يمتدّ إلى قمع معارضة مقدّمي الرعاية الصحّيّة الفلسطينيّين للحرب وانتقادهم لها، وإلى العمل على التأثير على الرأي العامّ العالميّ في أعقاب السابع من أكتوبر، ليتواءم بالتالي نظام الرعاية الصحّيّة الإسرائيليّ مع أهداف الدولة العسكريّة والسياسيّة الأوسع.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحثة غادة مجادلة لإلقاء المزيد من الضوء حول هذا الموضوع.

"عرب 48": عندما نتحدث عن الأطباء والعاملين الفلسطينيين في نظام الرعاية الصحية الإسرائيلي، فهذا يعني "كمًّا ونوعًا" في ذات الوقت، حيث يدور الحديث عن خُمس العاملين في هذا الجهاز وعن نخبة اجتماعية واقتصادية. وبالرغم من ذلك، فقد رأينا ما أُلحق بهم وبغيرهم من الكفاءات من تهميش ومهانة، بشكل يمكن اعتباره إسقاطًا لدرّة التاج التي لطالما تفاخرنا بها كمجتمع؟

الباحثة غادة مجادلة

مجادلة: البحث هو محاولة لفهم حوادث الملاحقة والإسكات التي وقعت ضد العاملين الفلسطينيين في جهاز الرعاية الصحية الإسرائيلي، والبيئة التي نتجت بعد السابع من أكتوبر وخلال حرب الإبادة على غزة في النظام الصحي الإسرائيلي، بما يحتويه من مشافٍ وعيادات وغيرها من المرافق، وحالة الصمت التي فُرضت على الأطباء والطبيبات وغيرهم من مقدّمي الرعاية الصحية، الذين كان من الصعب عليهم أن يعبّروا عن أي شيء متعلق بالحرب على غزة.

ما سمعناه من وسائل الإعلام، وتلمّسناه من علاقاتنا المهنية والشخصية مع أطباء وطبيبات، كشف عن وضع غير مسبوق من ناحية الضبط والمراقبة ومحاولات التخويف والترهيب، شملت ملاحقات وحالات فصل من العمل، أبرزها قضية الدكتور عبد سمارة الذي تم طرده من المشفى الذي يعمل فيه وتقديم شكوى ضده إلى الشرطة.

يُشار إلى أن حالات الفصل والملاحقة هي أكبر بكثير مما نعرفه، لكن العديد منها لم يخرج إلى النور، بسبب الخوف من التوجه للإعلام، لكي لا يجرّ ذلك تداعيات أخرى مثل التحقيق في الشرطة والاعتقال وفتح ملفات جنائية.

"عرب 48": اللافت أن الكثرة والمكانة لم تمنح الأطباء العرب أيّة أفضلية عن سائر القطاعات، وجرى التعامل معهم بنفس المعيار، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن العربي، مهما علا، في هذه الدولة يبقى درجة أدنى، وأن الأخيرة لا تفوّت أي فرصة لتأكيد ذلك؟

مجادلة: صحيح أن الأطباء والطبيبات يُعتبرون نخبًا اجتماعية واقتصادية في المجتمع الفلسطيني، والإسرائيلي أيضًا. أضف إلى ذلك أن إسرائيل، وعبر إعلامها وعبر جهازها الصحي، تتعامل مع الأطباء والطبيبات لفرض سرديات معينة تخدمها. فعلى سبيل المثال، خلال حروب سابقة على غزة أو توترات معينة مثل "هبة أيار 2021"، كانت تظهر حملات معينة على غرار "نحن أطباء عرب ويهود نعمل معًا للتعايش…" وكل هذه الأمور التي برزت خلال فترة كورونا أيضًا.

وهي تصدّر للخارج أيضًا صورة تحاول من خلالها دحض أي نقد فلسطيني على العنصرية الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الداخل، حيث تستعمل واقع الأطباء في جهاز الرعاية الصحية الإسرائيلي لمجابهة أي نقد على إسرائيل ومحاولات اتهامها بممارسة الأبارتهايد.

"عرب 48": هي تستغل "التعايش" القائم في القطاع الصحي؟

مجادلة: ليس تعايشًا فقط، بل كون العرب يتسلّقون سلّم الهرمية المهنية ويتسلّمون مناصب ومواقع في هذا الجهاز، وهي تستعمل الأطباء والطبيبات الفلسطينيين لتبييض صفحتها في الخارج. من ناحية ثانية، فأنت كطبيب فلسطيني تحظى بما لا يتمتع به سائر الفلسطينيين الذين يعانون من التجاهل والعنصرية والاستثناء من المجتمع الإسرائيلي، فيبدو قطاع الرعاية الصحية كأنه محمية تجد فيه الاحترام والتقدير، وحتى إعلاميًا يتم تصويرك كطبيب دائمًا بشكل إيجابي، وهذا شيء غير بسيط.

بالمقابل، فإن الأطباء الفلسطينيين، رغم هذا الاعتراف بخبراتهم وقدراتهم المهنية، لا يستطيعون التحرّك سياسيًا، ويُحظر عليهم أي نوع من التعبير السياسي، وهم يعانون من تغييب ومحو لهويتهم الفلسطينية.

"عرب 48": وهذا يُسوَّق تحت شعار أن الحديث يدور عن مهنة إنسانية هي فوق السياسة؟

مجادلة: إسرائيل تستعمل الحياد لصالحها، فقد تم تسييس الحياد الطبي بحيث لا يكون للفلسطيني أي فعل سياسي داخل وخارج النظام الصحي، بينما بدا خلال هذه الحرب بجلاء، ما كان معروفًا قبلها أيضًا، أن النظام الصحي الإسرائيلي هو جزء من ظاهرة العسكرة السائدة في المجتمع الإسرائيلي، وأنه معسكر، بل أكثر عسكرة من أي قطاع آخر. وهذا يكشف التناقض مع ادعاء الحياد الطبي ومحاولة فرضه على الفلسطيني فقط، لمنعه من التعبير عن هويته الوطنية.

وهنا لا يجري الحديث عن فعل سياسي فقط، بل هو منع لأي تعبير عن هويته الوطنية والقومية. أنت لا يُتعامل معك كطبيب فلسطيني، بل كعربي إسرائيلي، وهذا يجعل الأطباء والعاملين العرب في الجهاز الصحي الإسرائيلي، رغم عددهم ومكانتهم المهنية، غير ذوي وزن وثقل سياسي.

"عرب 48": هذا بالرغم من أن الحديث يدور عن أطباء وليس عن عمّال بسطاء، كما أسلفنا؟

مجادلة: ربما تتذكر، في أحداث 21 أيار – هبّة الكرامة، خلال الدعوة للإضراب، قد وُجّهت الدعوة بشكل خاص للقطاع الصحي للمشاركة في الإضراب، لأنه لو أضرب، كان سيترك أثرًا بالغًا على كل القطاعات الأخرى وعلى إسرائيل كدولة، وذلك بسبب عدد العاملين فيه من العرب وكونه قطاعًا له ميزة اجتماعية من شأنها أن تؤثر على سائر المجتمع. ولكن النتيجة، كما نعرف، أن 90% من الأطباء والطبيبات وسائر العاملين الفلسطينيين في القطاع الصحي لم يلبّوا نداء الإضراب.

السبب وراء ذلك هو الخوف والتخويف والتهديدات التي أطلقها مديرو المشافي من عرب وغير عرب، لكن هذا الأمر يدل على مدى نجاعة وفاعلية الأدوات التي يستخدمها النظام لمحو الهوية السياسية والهوية الوطنية للأطباء والطبيبات الفلسطينيين، والتي نجحت في منعهم من الإضراب في إضراب الكرامة. علمًا أنهم شاركوا في الفترة ذاتها في إضراب لمدة ساعة، كان مسموحًا فيه لأنه كان مع كل مدراء المستشفيات، وكانت رسالته أن الأطباء لا يستطيعون تقديم العلاج للآخرين في وقت هم أنفسهم عرضة للاعتداءات خلال أحداث أيار.

"عرب 48": لكن ما حصل بعد السابع من أكتوبر وخلال الحرب على غزة هو غير مسبوق، حيث وصلت سياسة الخنق إلى الحرية الشخصية؟

مجادلة: ما حصل هذه المرة غير مسبوق، ليس فقط من حيث التضييق على الحرية الشخصية، بل وصل حد المحاسبة على ما يكتبونه أو يتحدثون به أمام الآخرين، وينمّ عن تعاطف مع المدنيين في غزة، واعتُبر كأنه تعاطف مع "الإرهاب" ودعم لحماس. وكان هناك فصل من العمل وإجراءات أخرى، حتى دون التأكد من صحة المعلومات التي نُسبت للشخص ذي العلاقة.

كان يكفي أن يأتي أي أحد من الطاقم الطبي ويقول إن هذا الطبيب العربي قال كذا وكذا، أو أنه كتب على "الفيسبوك" شيئًا ما أو حتى شارك شيئًا ما، ليتم اتخاذ إجراءات ضده تصل إلى حد الفصل من العمل وفتح تحقيق في الشرطة.

لقد وصل الأمر إلى حد أن الطبيب العربي لا يستطيع أن يفتح فمه بحرف له علاقة بالحرب على غزة أو بالصراع والعلاقات العربية-اليهودية، لأنه مراقَب من زملائه في العمل، الذين لا يكتفون فقط بالتجسس على زملائهم، بل يصل بهم الأمر في بعض الأحيان إلى استدراجهم إلى نقاشات للإيقاع بهم وتوريطهم بـ"المحظور"، الذي هو، كما أسلفنا، مجرد كلمة تعاطف مع المدنيين في غزة.

والحال كذلك، فإن الأطباء والعاملين الفلسطينيين في جهاز الصحة الإسرائيلي شعروا، وما زالوا، أنهم يعيشون تحت أجواء من الترهيب وعدم الثقة، وأنه ممنوع عليهم التعبير عن ذاتهم وهويتهم، بكل ما تحويه من مواقف وآراء ومشاعر وأحاسيس، وأنهم يفتقرون إلى أي حماية تُذكر.

في إحدى المقابلات التي أجريتها لصالح البحث، قال طبيب عربي إن أحد الزملاء الإسرائيليين اشتكى على زميل فلسطيني، لأنه قال إن إسرائيل لم تقتل آلاف "المخربين"، بل إن غالبيتهم من الأطفال والنساء، وقامت إدارة المستشفى باتخاذ إجراءات ضده.

"عرب 48": الحال وصل، كما أشرت، إلى أن حتى السكوت لم يعد كافيًا، بل مطلوب من العربي التعبير عن موقف مناهض للسابع من أكتوبر ومؤيد للحرب على غزة، بمعنى أن المطلوب منه هو الولاء؟

مجادلة: صحيح، وكان هناك محاولات من زملاء وزميلات لاستنطاق زملائهم الفلسطينيين، كما أسلفت، ودفعهم للتعبير عن رأيهم في أحداث السابع من أكتوبر، ووضعهم أمام سؤال: هل أنت مع حماس أم ضدها؟

هذا الوضع جعل الأطباء والطبيبات العرب في حالة من الخوف والعجز في ذات الوقت؛ الخوف من الطرد من أماكن عملهم التي تشكّل مصدر رزقهم وأفق تطوّرهم المهني، إلى جانب العجز والشعور بالذنب لعدم تقديم أبسط أنواع المساعدة لأبناء شعبهم، حتى من خلال التعبير عن التعاطف معهم وإدانة قتل المدنيين من أطفال ونساء، وهو أبسط أنواع التعاطف الإنساني. وأعتقد أن هذا الشعور كان من نصيب الكثير منا، نحن أبناء الـ48.

القضية الثانية التي أشار إليها الأطباء خلال المقابلات هي نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطيني، والتي كان يُعبّر عنها بدعوات لقتل الجميع ومسح غزة عن وجه الأرض، ومشاركة أطباء إسرائيليين ممّن خدموا في غزة لصور من الدمار في غزة، والحديث عن عدد البيوت التي قاموا بتدميرها بشكل استفزازي.

"عرب 48": هل كانت هناك اقتراحات لحلول من قبل الأطباء الذين قابلتهم، على غرار تشكيل نقابة أطباء فلسطينيين أو مشافٍ ومراكز طبية عربية تساعد الأطباء الفلسطينيين على التحرّر من نير المُشغّل الإسرائيلي وتوفّر لهم الحد الأدنى من الحماية؟

مجادلة: نعم، كان هناك العديد من الاقتراحات من هذا القبيل، خاصة بما يتعلّق بتشكيل نقابة أطباء فلسطينيين تعبّر عن هويتهم الوطنية وتدافع عن حقوقهم النقابية، في ضوء انكشاف تواطؤ نقابة الأطباء العامة مع السياسة الرسمية وتحولها إلى خصم ومهاجم، عوضًا عن أن تكون مدافعًا عنهم.


غادة مجادلة: باحثة متخصصة في تقاطع الصحة والسياسة، ومحللة سياساتية في شبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة"، وحاصلة على درجة الماجستير في حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية.

المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *