الأقصى وخطر التقاسم الزماني والمكاني
لفت نظري تصريح وزارة خارجية المغرب التي ترأس “لجنة القدس” المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، ورد فيه أن “المملكة (المغربية)، التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع إسرائيل، تؤكد ضرورة احترام الوضع القانوني والديني والتاريخي في القدس والأماكن المقدسة، والابتعاد عن الممارسات والانتهاكات التي من شأنها أن تقضي على كل فرص السلام في المنطقة”.
فالمملكة التي ترأس “لجنة القدس” بغرض حماية المدينة المقدسة “من المخططات والمؤامرات الصهيونية و خطط تهويدها”، كما يظهر من الهدف العام للجنة، تدعو دولة الاحتلال إلى تجنب هذه الممارسات والانتهاكات ليس لما تشكله من انتهاك سافر لحرمة المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى ومسرى الرسول العربي الكريم عليه السلام، وبما تمثله من اعتداء وحشي على المصلين والمصليات في ليالي شهر رمضان الفضيل ومنعهم من أداء إحدى أهم شعائرهم الدينية المرتبطة بهذا الشهر وهي “الاعتكاف”، بل من باب الحفاظ على “فرص السلام في المنطقة” كما لا يفتها أن “تؤكد العلاقات الوطيدة التي تربطها بإسرائيل”!
أمام هذا التهافت الذي يمثل نموذجا لما آل إليه الموقف العربي والإسلامي من إسرائيل وعدوانها المتواصل على شعبنا ومقدساتنا وعلى المنطقة العربية، وفي ظل حالة الانقسام والتشرذم الفلسطينية، لا نستغرب هذا التغول الإسرائيلي الذي يبدو أنه تجاوز في ممارساته العدوانية الفظة، جميع الخطوط الحمراء في مختلف القضايا، وأهمها قضية المسجد الأقصى، من خلال القضم التدريجي للالتزام بالوضع القائم الذي يعرف بالـ”ستاتوس كو”، والسعي الممنهج والحثيث نحو تطبيق مخطط التقاسم الزماني والمكاني في الحرم الشريف، على غرار ما فعلوه في الحرم الإبراهيمي في الخليل.
وقد بدأ في الآونة الأخيرة الترويج لادعاء أحد المؤرخين اليهود الذي يزعم أنه منذ الفترات الإسلامية الأولى في القرن السابع الميلادي وحتى احتلال القدس من قبل الصليبيين عام 1099، كان كنيسا يهوديا في الحرم القدسي الشريف وسمح لليهود الصلاة فيه.
وحسب الادعاء المزعوم فقد كان الكنيس ملاصقا للحائط الغربي أو حائط البراق في المكان الذي بنيت فيه لاحقا “المحكمة” قبالة باب السلسلة، وأن الكنيس بني منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب وبقي على حاله بعد إقامة قبة الصخرة المشرفة، على يد الخليفة عبد الملك بن مروان، كما أنه، حسب الادعاء المذكور، ظل بأيدي اليهود حتى عهد الخليفة المأمون، وأعيد بناؤه في عهد الفاطميين، وخُرّب بعد إلغاء تشريعات الخليفة الحكم ثم أعيد بناؤه، مرة أخرى، بمغارة في عهد الخليفة علي الطاهر، وتضرر في الهزتين الأرضيتين اللتين ضربتا البلاد عامي 1033-1034 إلا أنه ظل قائما حتى الغزو الصليبي عام 1099.
إلى جانب محاولة زراعة تاريخ مصطنع وزائف تصاعدت في السنوات الأخيرة، وبالذات بعد اقتحام شارون للمسجد الأقصى عام 2000، تصاعدت الاقتحامات الإسرائيلية من قبل صبيان الجمعيات والحركات المعنية بإعادة بناء الهيكل المزعوم، التي تكاثرت وتناسلت حتى باتت تعد بالعشرات وصارت تشكل رأس حربة فعلية للمخططات الإسرائيلية الرسمية ضد الأقصى الشريف، والتي تسعى ترجمة شعار انتصار حرب 1967، الذي أطلقه موشيه ديان، إلى واقع فعلي.
ولتحقيق ذلك لم تكتف إسرائيل بهدم حارة المغاربة وتهجير أهلها وزرع ما يسمى بالحي اليهودي في قلب البلدة القديمة، إلى جانب محاصرة الأقصى من الجهة الجنوبية أيضا، في إطار المخطط الجاري في سلوان، بل استمرت في سعيها لخلق أمر واقع جديد داخل الحرم القدسي الشريف من خلال اقتحامات المستوطنين المعززة بالقوات العسكرية والشرطية.
وتشير المعطيات إلى أن عدد الاقتحامات ارتفع من 8,528 عام 2013 إلى 37,708 عام 2019 ليقفز إلى 51,483 عام 2022، ويعود هذا الارتفاع إلى تآكل في التحريم الديني اليهودي من دخول الأقصى، مقابل تراخ يصل حد التشجيع في المنع السياسي، مرده تداعي التخوف من رد الفعل العربي والإسلامي، الأمر الذي يلقى ترجماته بالحديث العلني عن التقاسم الزماني والمكاني.
المصدر: عرب 48