Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

التصعيد المتدرج… أو الحرب المتدحرجة؟

صعدت إسرائيل منذ الأسبوع الماضي اعتداءاتها في لبنان، بدءا بتفجير آلاف أجهزة “بيجر”، ولاحقًا تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي، واغتيال قيادات عسكرية وازنة في حزب الله في مقدمتهم مسؤول العمليات إبراهيم عقيل، وصولا إلى الاعتداءات الجوية المتتالية منذ صباح اليوم الإثنين، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة مئات. وبطبيعة الحال رد وسيرد حزب الله على هذا التصعيد كما تبيّن في الأيام الأخيرة.

يمكن وضع هذا التصعيد في ثلاثة مستويات لفهم الهدف الإسرائيلي منه وإلى أي مدى قد يتدحرج؛

أولا: أضافت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا عودة السكان الإسرائيليين إلى بلداتهم الحدودية في شمالي البلاد إلى أهداف الحرب المندلعة منذ السابع من أكتوبر، بعد أشهر من تكرار وزير الأمن الإسرائيلي، يؤاف غالانت، أن عودة السكان ستحصل إما بالوسائل الدبلوماسية أو العسكرية في حال فشلت الدبلوماسية. ويبدو أن قرار التصعيد مؤخرا مع حزب الله يأتي بعدما استنفذت إسرائيل عملياتها الحربية في قطاع غزة، فأعلنت عن نقل “مركز الثقل” الحربي إلى الجبهة الشمالية مع حزب الله، وقررت فجأة أنها استنفذت الوسائل الدبلوماسية، وهو ما استغربه حتى عدد من المحللين الإسرائيليين، بشأن القرار والتوقيت.

وقد تزامن التصعيد (تفجير أجهزة “بيجر”) مع زيارة المبعوث – “الوسيط” الأميركي، عاموس هوكشتاين، لتل أبيب، وكأن الرد الإسرائيلي على مساعي هوكشتاين للتسوية مع لبنان جاء في الميدان، في بيروت ومناطق مختلفة.

إذًا، على المستوى الأول قررت إسرائيل نقل مركز ثقل عملياتها إلى الجبهة الشمالية وتحديد الهدف بأنه إعادة سكان البلدات الشمالي، معتمدة على إحداث “الصدمة” و”المباغتة” لحزب الله في الأسبوع الماضي، مع تقديرها الواعي لإمكانيات وقدرات حزب الله بالرد وإحداث الضرر في المدن الإسرائيلية.

ثانيًا: يوحي ما تقدم، بأن إسرائيل سلّمت بأن ليس بمقدورها فصل الساحة اللبنانية عن ساحة غزة منذ السابع من أكتوبر بالوسائل التي اتبعتها في السابق، وأن “الجهود الدبلوماسية” لم ولن تثني حزب الله عن وقف جبهة الإسناد لقطاع غزة، لذلك تتجه إلى التصعيد المكثف والصادم، من حيث حجم الغارات والأضرار المادية والبشرية في لبنان، لكنه تصعيد متدرج دون إعلان الحرب الثالثة على لبنان، ولذلك عدة أهداف بالإضافة لإعادة السكان إلى البلدات الشمالية وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة:

– الإضرار بشكل كبير بالقدرات الصاروخية لدى حزب الله، وتحديدا الصواريخ طويلة المدى والدقيقة، بحيث تعطل قدراته على الرد.

– من خلال غاراتها العنيفة على جنوبي لبنان اليوم، تسعى لخلق الظروف المناسبة لعملية برية في الجنوب، في حال تقرر ذلك، لإقامة “حزام أمني” قد يصل حتى نهر الليطاني. وعلى ما يبدو وفق التحليلات الإسرائيلية، فإن قرار إقامة “حزام أمني” هو درجة من بين درجات التصعيد التي ترتبط بمدى تجاوب حزب الله مع الضغوط السياسية للانسحاب إلى شمال نهر الليطاني.

– ضرب التنظيم أو المبنى العسكري للحزب كما فعلت باغتيال فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وقادة ميدانيين آخرين.

– زعزعة ثقة البيئة الاجتماعية لحزب الله بقيادة الحزب، وكذلك تدفيعها ثمن مواقفها كما حصل اليوم في جنوبي لبنان، لجهة عدد الشهداء بحجة استخدام حزب الله منازل مناصريه كمخازن أسلحة ومنصات صواريخ، وهذه حرب على وعي اللبنانيين والعرب عموما.

– تحجيم مكانة حزب الله لبنانيا وإقليميا، باعتباره قوة تتبع إيران واستطاعت في العقد الأخير التدخل في ساحات عديدة، من سورية مرورا بالعراق وصولا إلى اليمن.

– إعادة صورة الردع الإسرائيلية التي تضررت بشكل جدي بعد السابع من أكتوبر.

ثالثا: كل ما ذكر أخيرًا من طموحات إسرائيلية ليس بالضرورة أن يتحق، وهي بالفعل طموحات وليست أهدافا سياسية إستراتيجية، لذلك تتبع إسرائيل سياسة التصعيد المتدرج كما أعلن أكثر من محلل أمني وعسكري إسرائيلي، وذلك بهدف إتاحة المجال للضغوطات السياسية والدولية على دولة لبنان وحزب الله بقبول تسوية دبلوماسية تسمح بعودة سكان البلدات الشمالية وتعيد قوات حزب الله إلى ما خلف شمال نهر الليطاني، أي “تغيير الوضع القائم” على الجبهة الشمالية، وذلك على وقع الضغط العسكري الإسرائيلي العنيف والمكثف والإضرار ماديا وبشريا باللبنانيين، وخصوصا في المناطق التي تعتبر مناصرة لحزب الله.

عدم إعلان الحرب الثالثة على لبنان صراحة يستند إلى عدة اعتبارات، في مقدمتها الشرعية الخارجية للحرب، وعدم رغبة إسرائيل تحولها لحرب إقليمية (وإن يرحب بل يسعى بنيامين نتنياهو بتوريط الولايات المتحدة بمواجهة مع إيران)؛ وكذلك قدرة إسرائيل الإستراتيجية على خوض حروب أو معارك على أكثر من جبهة ولفترات طويلة، فالحرب على غزة تدخل قريبا عامها الثاني. كذلك يستند إلى محاولة “حشر حزب الله” بين خيارين: إما القبول بتسوية تبعد قواته عن الحدود إلى شمال نهر الليطاني؛ وإما الذهاب نحو مواجهة أشمل يخسر فيها الحزب المزيد من قدراته العسكرية وتحديدا الصاروخية، بحيث يتحول قرار إعلان الحرب بيد حزب الله، الذي أكد منذ السابع من أكتوبر بأنه غير معني بخوض حرب شاملة مع إسرائيل، وإن ما يقوم به على الحدود هو جبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

لكن سياسة التصعيد المتدرج قد تتحول إلى تصعيد متدحرج وصولا لمواجهة شاملة، فالتطورات قد تخرج عن سيطرة الطرفين، خصوصا في ظل الأعداد الكبيرة من الشهداء اللبنانيين، كما حصل اليوم الإثنين مع إطلاق إسرائيل غارات جوية عنيفة استهدفت مئات المنازل.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *