التعليم عبر الإنترنت: الطفرة التي عزّزتها الجائحة
ووفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بابسون لأبحاث المسح، ارتفع عدد الطلّاب الّذين يتلقّون دورة واحدة على الأقلّ عبر الإنترنت إلى 7.3 مليون في الولايات المتّحدة، وتوضّح هذه الإحصائيّة بوضوح الشعبيّة المتزايدة للتعليم عبر الإنترنت، ممّا يعكس سهولة الوصول إليه ومرونته
في السنوات الأخيرة، شهد المشهد التعليميّ تحوّلًا كبيرًا مع الارتفاع السريع للتعليم عبر الإنترنت، خاصّة بعد جائحة كورونا، حيث أدّى انتشار المنصّات الرقميّة والتقدّم التكنولوجيّ إلى إعادة تشكيل طريقة نشر المعرفة واكتسابها، وقد أدّى هذا الاضطراب الرقميّ إلى تحوّل عميق في ديناميكيّات التعليم التقليديّ، ممّا أدّى إلى عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين الفصول الدراسيّة المادّيّة والافتراضيّة.
ولا شكّ أنّ ظهور التعليم عبر الإنترنت قد أدّى إلى تعطيل المشهد التعليميّ التقليديّ، حيث قدّم نموذجًا جديدًا للتعلّم يتميّز بسهولة الوصول والمرونة والقدرة على التكيّف، كما يوفّر دمج النماذج التعليميّة عبر الإنترنت والتقليديّة فرصًا لتعزيز نتائج التعلّم.
ويشير التعليم عبر الإنترنت، المعروف أيضًا باسم التعلّم الإلكترونيّ أو التعلّم الافتراضيّ، إلى تقديم المحتوى التعليميّ والتعليم من خلال المنصّات الرقميّة، ويمكن إرجاع جذورها إلى أوائل العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين عندما بدأت الجامعات والمؤسّسات في تقديم الدورات عبر الإنترنت، ومع ذلك، لم يكتسب التعليم عبر الإنترنت زخمًا حقيقيًّا بعد الإغلاقات العالميّة الّتي شهدتها معظم الدول في العالم جرّاء جائحة كورونا.
ووفقًا لدراسة أجرتها مجموعة بابسون لأبحاث المسح، ارتفع عدد الطلّاب الّذين يتلقّون دورة واحدة على الأقلّ عبر الإنترنت إلى 7.3 مليون في الولايات المتّحدة، وتوضّح هذه الإحصائيّة بوضوح الشعبيّة المتزايدة للتعليم عبر الإنترنت، ممّا يعكس سهولة الوصول إليه ومرونته. والّتي غالبًا ما تلبّي احتياجات المتعلّمين بجداول والتزامات متنوّعة.
وأثار التوسّع في التعليم عبر الإنترنت جدلًا حول تأثيره على التعليم التقليديّ، حيث يناقش النقّاد بأنّ التعليم عبر الإنترنت يفتقر إلى التفاعل الشخصيّ والتجارب الغامرة الّتي توفّرها الفصول الدراسيّة المادّيّة، ومع ذلك، يؤكّد المؤيّدون على فوائد التعليم عبر الإنترنت، بما في ذلك المرونة، وفعاليّة التكلفة، والقدرة على التعلّم بالسرعة الّتي تناسب الشخص.
ووجدت دراسة أجرتها وزارة التعليم الأمريكيّة في عام 2010، والّتي حلّلت أكثر من ألف دراسة تجريبيّة تقارن التعلّم عبر الإنترنت والتعلّم التقليديّ، أنّ الطلّاب الّذين شاركوا في التعليم عبر الإنترنت كان أداؤهم أفضل بشكل متواضع من أولئك في الفصول الدراسيّة التقليديّة، وتتحدّى هذه النتائج فكرة أنّ الوجود الجسديّ أمر لا غنى عنه للتعلّم الفعّال، بالإضافة إلى ذلك، أدّت قدرة التعليم عبر الإنترنت على تجاوز الحواجز الجغرافيّة إلى فتح الوصول إلى التعليم الجيّد للطلّاب الّذين ربّما لم تكن لديهم مثل هذه الفرص لولا ذلك.
وبحثت العديد من الدراسات في تأثير التعليم عبر الإنترنت على أداء الطلّاب ومشاركتهم ورضاهم العامّ، وإحدى هذه الدراسات المنشورة في مجلّة التعلّم والتدريس عبر الإنترنت تناولت تصوّرات طلّاب الدراسات العليا تجاه التعليم عبر الإنترنت، وأشارت النتائج إلى أنّ الطلّاب يقدّرون المرونة والراحة الّتي توفّرها الدورات التدريبيّة عبر الإنترنت، مع الاعتراف أيضًا بالحاجة إلى حضور قويّ للمدرّسين وموادّ دراسيّة مصمّمة جيّدًا.
ووجدت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن دمج عناصر التعليم عبر الإنترنت، مثل التعلّم المدمج (مزيج من التعليم عبر الإنترنت والتعليم الشخصيّ)، أدّى إلى تحسين نتائج الطلّاب، وهذا يسلّط الضوء على قدرة التعليم عبر الإنترنت على تعزيز أساليب التدريس التقليديّة بدلًا من استبدالها بالكامل.
وعلى الرغم من المزايا العديدة، إلّا أنّ التعليم عبر الإنترنت لا يخلو من التحدّيات، حيث يمكن أن يؤدّي عدم التفاعل المباشر مع المعلّمين والأقران في بعض الأحيان إلى الشعور بالعزلة وانخفاض الحافز، علاوة على ذلك، فإنّ الفجوة الرقميّة، الّتي تتميّز بالتفاوت في الوصول إلى الإنترنت والكفاءة التكنولوجيّة، تشكّل عائقًا كبيرًا أمام التعليم العادل عبر الإنترنت.
وبحسب خبراء، فمن المرجّح أن يستمرّ التعليم عبر الإنترنت في التطوّر، ودمج التقنيّات الناشئة مثل الواقع الافتراضيّ والذكاء الاصطناعيّ لخلق تجارب تعليميّة أكثر غامرة وشخصيّة، ومع ذلك، فمن الضروريّ تحقيق التوازن بين الابتكار الرقميّ والعنصر البشريّ الّذي لا يمكن تعويضه والّذي يوفّره التعليم التقليديّ.
المصدر: عرب 48