Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

الجزيرة والالتباس الفلسطيني من الحقيقة

مجددا تتعرض شبكة الجزيرة ومكتبها في فلسطين (رام الله) لحملة ترهيب بإغلاق مكتبها بقرار من السلطة الفلسطينية، وذلك بعد قرار مماثل من سلطات الاحتلال في أيلول/ سبتمبر الماضي، وقيام جنود الاحتلال باقتحام مكاتب الجزيرة وإغلاقها وتمزيق صورة الشهيدة شيرين أبو عاقلة. والذريعة كانت أمنية لقيام الشبكة بالتحريض على الإرهاب. قرار حظر الجزيرة فلسطينيا بُرر بـ”إصرار الجزيرة على بث مواد تحريضية وتقارير تتسم بالتضليل وإثارة الفتنة والعبث والتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية”.

حقيقة الاستهداف يعرفها كل من يتابع ويرصد جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة، التي نجحت الجزيرة بتوثيقها ونقلها للعالم، وفي تغطيتها الفلسطينية حازت القناة على تقدير واحترام جمهورها بالعالم العربي من خلال تبني الانحياز للحقيقة ونقل الواقع، الذي تواكب عدسة الجزيرة ومراسليها لأكثر من عام وبتغطية مباشرة لوقائع العدوان على غزة، بكل شفافية واقتدار وأخلاق مهنية.

في كل صورة وتقرير وعملية رصد وتقص وتوثيق ورسالة إخبارية تظهر على الجزيرة من الضفة أو غزة والقدس، أو الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، كانت ثقيلة وقاسية الوقع والأثر على المحتل، في جانب منها لم يرق هذا الأداء للسلطة الفلسطينية، وما ظهر عليه الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية على شاشتها حانقا عقب نقاش ملابسات استشهاد الصحافية شذى الصباغ في جنين، وتغطية حملة السلطة الأمنية لملاحقة المقاومين هناك، دفعت الناطق الأمني بكيل الاتهامات والشتائم للقناة والهروب من النقاش ومواجهة الأسئلة، وهذه واحدة من بين مئات القضايا أو آلاف الوقائع التي كان للجزيرة السبق في تغطيتها، وكشف ملابساتها على الأرض الفلسطينية.

ربما كانت للجزيرة فلسطين ومراسليها وتغطيتها للواقع، السبق في ترسيخ انفتاح الوجدان العربي وعقله وعاطفته بأحداث كبرى لمتابعة كابوس مرعب، يئن تحته شعب يعاني من احتلال فاشي استعماري استيطاني، وما كانت السنون التي مضت قبل إضاءة الجزيرة على ظلام المحتل ومستوطنيه وجرائمه، سوى إهمال يسعى المحتل من خلاله المضي بارتكاب الجرائم، لكن دورة السنين والأيام مع المحتل وفظاعته تأبى أن تقفل دورتها مع كتم الأصوات الصحافية من خلال إعدام عشرات منهم في غزة وفي الضفة.

الاستهداف المباشر لطواقم الجزيرة وصحافييها مقصود، والإعدام الميداني لهم لم يكن خطأ يتطلب التحقيق، فميادين كثيرة خارج فلسطين شهدت على جرائم استهداف طواقمها، والتضييق على عملها منذ انطلاقتها قبل ربع قرن، وكانت فترة اندلاع الربيع العربي البرهان القوي على شيطنتها بعد انحيازها لتطلعات الإنسان العربي. ويتأبى المشهد الدامي الذي انتهى إليه بعض صحافييها في غزة أن ينتهي عند حدود ما وقع للشهيدة شيرين أبو عاقلة ثم لوائل الدحدوح وعائلته، وسامر دقة وإسماعيل الغول وبقية القائمة إلى تهديد أنس الشريف. وإغلاق مكتب الجزيرة في القدس ورام الله إسرائيليا وفلسطينيا هو فصل يريح القاتل من كابوس وطأة جريمته المستمرة التي لا تتآكل بالتقادم وبالتعمية عليها، وهو تماما ما نجحت الجزيرة بتوثيقه في رصيدها الصحافي والأخلاقي المنحاز دون مواربة للحق الفلسطيني والعربي، وكما دلت عليه تجربتها في التغطية الإعلامية للثورات العربية. وما تؤديه رسالة صحافييها ومراسليها في فلسطين بكل اقتدار لفضح الجرائم وكشفها ونقلها للعالم أجمع، دفع بالمحتل من أن يسقط عن وجهه قناع التشدق “بالديمقراطية” واحترام العمل الإعلامي والصحافي، حتى أصبحت كلمة الجزيرة من الكلمات الأكثر رواجا في لفظيات اليمين الفاشي العنصري المحرض عليها داخل المؤسسة الصهيونية في مرحلة تغطية العدوان المستمر على غزة ومدن الضفة الفلسطينية والقدس.

كان من المفترض أن يزامل عمل قناة الجزيرة منطق الاعتراف بحرية التعبير والعمل الصحافي والاعتراف بالدور الكبير الذي لعبته هذه القناة بالنسبة للقضية الفلسطينية، مقابل النفاق والتشويه والإهمال في وسائل إعلام غربية للحدث الفلسطيني، غير أن منطق طمس الحقيقة اتخذ مسبقا في تل أبيب لخطورة الدور الذي لعبته الجزيرة. فالقمع وسياسة تكميم الأفواه لإخفاء جرائم الحرب والإبادة هو منطق المستعمر الصهيوني، وقمع حرية التعبير ومنع نقل الحقيقة للانتهاكات والتجاوزات التي تُقدم عليها سلطة رام الله يضعها في خانة محزنة ومخزية، إذا ما راجع المرء الأسباب التي تدفع سلطة تحت احتلال يمارس كل أشكال العدوان والتنكيل بحق شعبها من أن تتسلح بذرائع وتعابير إسرائيلية لقمع حرية التعبير.

من يقوم بالتحريض؟ ومن يمارس الانتهاكات والعدوان؟ ومن يقوم بحماية قيم الرسالة الإعلامية والصحافية؟ اختيار صفة لا موضوعية ومليئة بالاتهام والتزوير، فُهمت منذ نشأة الجزيرة وتعرضها لكثير من الهجوم والمنع والتشويه، والسلطة الفلسطينية الخاضعة لقوانين والتزامات المحتل، وممارسة بعض مهامه القمعية، تتحدث بلغته وتعبيراته عن التحريض والإرهاب والشيطنة، ذلك لا يضع السلطة في موقع يؤمن فعلاً بحرية التعبير، فترى الإعلام محرضا إن لم يلتزم آداب رواية السلطة والاحتلال، ودور الإعلام البديهي أن يكون نقيضاً لهذه الآداب.

والجزيرة التي كانت حاضرة في قفص اتهام عربي رسمي، و”نخبوي” حتى وقت قصير، وربطها بغرف “مظلمة” سوداء، وبمشاريع مؤامرة صهيونية أميركية؛ بسبب التباس كل هؤلاء من الكلمة وحريتها، ومن الحقيقة ونقلها، ها هي اليوم ضحية السطوة الأمنية الفلسطينية، بعد دفع الفاتورة الباهظة من دم مراسليها؛ بسبب الوفاء منهم للكلمة وللحقيقة، وللبرهنة على مصداقية إعلامية، بأدوات صافية ليس في اختصاص الكلام المجتر بمنابر إعلامية كثيرة، بل بشكل عادل يردع الغطرسة الصهيونية، ويواجهها بتعرية الزيف المحيط بها، فكل الذوات البشرية العاملة بالجزيرة؛ مراسلين ومصورين وصحافيين ميدانيين ومذيعين من مكاتب فلسطين، يقبضون على القضايا التي تستدعي صفتها المصيرية الإنسانية والأخلاقية الإعلامية الحاضرة بالميدان، ومع الإنسان حتى تبقى الكلمة في معناها والخبر في غايته المقيمة بين الممارسة والمسافة لأحوال البشر.

التضييق على الجزيرة ومحاولة كتم الصوت والصورة وحجب الحقيقة من المشهد الفلسطيني، يترجمها المثل القائل إن كثرة الحديث عن “المهنية” الإعلامية وعسلها دون انحياز لا تجلب الحلاوة للفم، ولا تنقل الحقيقة للمشاهد العربي.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *