Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

الحرب الخفيّة بين القوى العظمى لضمان التفوّق

تعقدت العلاقات بشكل أكبر بين ألمانيا وروسيا بعد سقوط جدار برلين عام 1989 وتوحيد برلين تحت المعسكر الغربيّ، إذ كان سقوط الاتّحاد السوفييتيّ عام 1991 حدثًا مفصّليًّا أسّس لمرحلة جديدة بين البلدين…

حذّر رؤساء أجهزة الاستخبارات الألمانيّة، جهاز الاستخبارات الفيدراليّ (BND) وجهاز مكافحة التجسّس العسكريّ (MAD) والمكتب الفيدراليّ لحماية الدستور (BfV) في حديثهم إلى لجنة الرقابة البرلمانيّة السنويّة في برلين، من “زيادة كميّة ونوعيّة أعمال التجسّس والتخريب الروسيّة في ألمانيا. وقال رئيس جهاز الاستخبارات الفيدراليّ توماس هالدنوانج: “نلاحظ سلوكًا عدوانيًّا من جانب أجهزة الاستخبارات الروسيّة”، مضيفًا أنّ مثل هذه الأنشطة “بلغت مستوى جديدًا في الأشهر الأخيرة، وهو ما ينبغي أن يكون بمثابة إنذار للجميع”.

وبالإضافة إلى حملات التضليل الإعلاميّ وطائرات التجسّس بدون طيّار، قال هالدينوانج إنّ الحادث الّذي وقع في مركز لوجستيّ لشركة DHL في مدينة لايبزيج في تمّوز/ يوليو الماضي يعدّ عملًا تخريبيًّا مشتبهًا به أن تكون روسيا خلفه. الحادث شهد اشتعال النيران في طرد قبل تحميله على متن طائرة شحن تابعة لشركة الشحن العملاقة DHL.

وحسب رئيس جهاز الاستخبارات الألمانيّ برونو كاهل، أعلن الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتن منذ فترة طويلة أنّ ألمانيا عدوّ بسبب دعم برلين المستمرّ لأوكرانيا، بعد عامين ونصف العام من غزو موسكو الكامل. وقال كاهل “سواء أحببنا ذلك أم لا، فنحن في مواجهة مباشرة مع روسيا”، مشيرًا إلى أنّ “المواجهة العسكريّة المباشرة مع حلف شمال الأطلسيّ قد تكون أقرب ممّا نتخيّل” مشيرًا إلى أنّ روسيا ستكون قادرة على شنّ هجوم على حلف شمال الأطلسيّ بحلول عام 2030، بينما يسعى الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتن إلى تحقيق هدفه الطويل الأجل المتمثّل في إضعاف الغرب وإقامة نظام عالميّ جديد.

من جهتها، قالت رئيسة جهاز مكافحة التجسّس العسكريّ مارتينا روزنبرج للجنة البرلمانيّة إنّ القوّات المسلّحة الألمانيّة، البوندسفير، كانت هدفًا خاصًّا لموسكو، الّتي وصفت أنشطتها بأنّها “مسألة مثيرة للقلق”. وقالت روزنبرج: “سواء كانت التحقيقات تخصّ عمليّات تسليم الأسلحة الألمانيّة إلى أوكرانيا، أو برامج التدريب أو مشاريع التسلّح، أو أعمال التخريب لغرس الشعور بعدم الأمان، فإنّ البوندسفير يواجه “زيادة حادّة في أعمال التجسّس والتخريب”.

وأصرّ رؤساء الاستخبارات الألمانيّة الثلاثة على أنّ فروعهم تحتاج إلى صلاحيّات أكبر لمواصلة العمل بشكل فعّال، حيث انتقد رئيس جهاز مكافحة التجسّس العسكريّ كاهل خطط الحكومة الحاليّة لزيادة السيطرة السياسيّة على أجهزة الاستخبارات في البلاد. “يجب ألّا نخنق عملنا بالكامل”، محذّرًا من أنّ مثل هذه الرقابة المتزايدة ستأتي على حساب “الكفاءة والأمن والحرّيّة”.

وطالب كاهل بتحسين آليّات تبادل البيانات بين جهاز الاستخبارات الخارجيّة والجيش الألمانيّ، وخاصّة في مجال الدفاع السيبرانيّ، في حين طالب رئيس جهاز الاستخبارات الخارجيّة هالدنوانج بمزيد من الصلاحيّات “لمراقبة اتّصالات الجماعات الخطرة” وتسهيل التحليل الشامل للبيانات بواسطة الذكاء الاصطناعيّ.

وأعرب رئيس وكالة الاستخبارات الخارجيّة روزنبرج عن أسفه؛ بسبب السياسات الّتي تحكم عمل الاستخبارات الألمانيّة؛ لأنّ القوانين تمنع نشر الاستخبارات العسكريّة المضادّة جنبًا إلى جنب مع الجيش الألمانيّ الّتي من المقرّر أن تتمركز في ليتوانيا بالقرب من الحدود الروسيّة. وطالب كاهل “بمزيد من المساحة التشغيليّة” لأجهزة الاستخبارات، وقال إنّ “Zeitenwende”، نقطة التحوّل التاريخيّة الّتي أعلن عنها المستشار أولاف شولتز في أعقاب الغزو الروسيّ الكامل لأوكرانيا، “ما زالت تنتظر الاكتمال”.

من جهتها رفضت موسكو تلك المزاعم، وقال المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أنّ حلف شمال الأطلسيّ هو الّذي يهدّد روسيا بالتوسّع شرقًا.

السياق التاريخيّ

العلاقات الروسيّة الألمانيّة المتوتّرة متجذّرة في تاريخ البلدين. وشهد القرن التاسع عشر بداية التوتّر بين البلدين عندما قرّر القيصر الروسيّ ألكسندر الثاني التوسّع في أوروبا الشرقيّة في الوقت الّذي كانت تسعى بروسيا إلى توحيد ألمانيا، وبناء على احتياجات تلك الفترة بدأت الحرب الجاسوسيّة والاستخباراتيّة تتوسّع وتتّخذ شكلًا منظّمًا يعتمد عليه الجيش في عمليّاته، وتعتمد عليه الحكومتان في قراراتها.

ويعدّ أوّل ظهور للجواسيس في الحرب الروسيّة العثمانيّة ما بين 1877 و 1878 حيث عمل الروس على نشر الجواسيس لكشف تحرّكات الجيش الألمانيّ الّذي كان يدعم العثمانيّين في ذلك الوقت. في نفس الوقت قامت ألمانيا بإرسال جواسيس لتحديد نقاط ضعف الجيش الروسيّ. ومع الحرب العالميّة الأولى في 1914 تعقّدت العلاقات بين ألمانيا وروسيا؛ إذ كان لدى موسكو عدد كبير من العملاء المزدوجين الّذين يزوّدون قادة الاستخبارات والجيش بالمعلومات وبدورها كان لدى برلين شبكة كبيرة من العملاء داخل روسيا.

ويعدّ ريتشارد روسج من أشهر الجواسيس في تلك الفترة. روسج كان يحمل الجنسيّة الألمانيّة وهو من أصول روسيّة؛ ممّا سهّل عمله داخل ألمانيا للتجسّس لصالح الحكومة الروسيّة. عمل روسج في اليابان خلال الحرب العالميّة الثانية وكانت مهمّته الأساسيّة جمع المعلومات عن التحرّكات الألمانيّة واليابانيّة، وتعدّ التقارير الّتي أرسلها حاسمة بشكل كبير حول الخطّة الألمانيّة لغزو روسيا في عام 1941.

الأمر لم يتوقّف عند التجسّس العسكريّ، إذ زرعت ألمانيا بدورها جواسيس في الحكومة الروسيّة للحصول على معلومات عن الاقتصاد والسياسات الداخليّة للحكومة، وقامت روسيا بتجنيد شخصيّات “بارزة” في ألمانيا للحصول على الخطط الاستراتيجيّة الألمانيّة.

وتتابعت الأحداث في القرن العشرين مع الحرب العالميّة الثانية ونجاح الروس في صدّ الهجوم والانتصار على الجيش النازيّ على ستالينجراد. ومع نهاية الحرب العالميّة الثانية وسقوط النازيّين بدأت الحرب تلقي بظلالها على العلاقات الروسيّة الألمانيّة. شكّل وجود الاتّحاد السوفييتيّ في ألمانيا الشرقيّة طرف النزاع الأوّل مقابل المعسكر الغربيّ في ألمانيا الغربيّة، وشكّلت الحرب الاستخباراتيّة حجر أساس في العلاقات بين نصفي برلين و الكتلتين الشرقيّة والغربيّة.

وتعدّ قضيّة المدير السابق لجهاز استخبارات ألمانيا الشرقيّة ماركوس وولف من أكبر الأمثلة على العمل الجاسوسيّ في تلك الفترة، إذ تمكّن وولّف من اختراق عدد كبير من مؤسّسات المعسكر الغربيّ بما في ذلك جهاز الاستخبارات الألمانيّ نفسه! بالإضافة إلى دوائر حكوميّة أخرى في ألمانيا الغربيّة.

عمليّة “أولغا” الّتي قام بها جهاز الاستخبارات الألمانيّ الشرقيّ تحت قيادة ماركوس وولف تعدّ من أهمّ العمليّات في تاريخ الاتّحاد السوفييتيّ، إذ تمكّن الجهاز الاستخباراتيّ من تجنيد عدد كبير من العملاء داخل المعسكر الغربيّ، وتوّجت العمليّة بالنجاح عندما نجح وولّف بتجنيد عملاء داخل الجيش الألمانيّ؛ وبالتّالي كانت كلّ ما يحتاجه من معلومات عن المعسكر الغربيّ عن طريق ألمانيا الغربيّة.

التحوّلات الحديثة ومواكبة التكنولوجيا

عملت ألمانيا الغربيّة بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الأميركيّة CIA وجهاز المخابرات البريطانيّ MI6 لنشر عملاء داخل الاتّحاد السوفيتيّ وألمانيا الشرقيّة كان أشهرهم هاينو فيلف، الّذي عمل لصالح الوكالة الغربيّة، وتمكّن من كشف عدد من العمليّات السوفييتيّة داخل ألمانيا.

تعقدت العلاقات بشكل أكبر بين ألمانيا وروسيا بعد سقوط جدار برلين عام 1989 وتوحيد برلين تحت المعسكر الغربيّ، إذ كان سقوط الاتّحاد السوفييتيّ عام 1991 حدثًا مفصّليًّا أسّس لمرحلة جديدة بين البلدين، وتعدّ قضيّة آنا شابمان من أهمّ القضايا الحديثة في الحرب الجاسوسيّة، فبالرغم من عمل آنّا لصالح روسيا في الغرب، إلّا أنّها اعتقلت في الولايات المتّحدة عام 2010 لتصبح من أكبر الرموز للعمل الجاسوسيّ الروسيّ.

بدأت حياة آنا الجاسوسيّة بعد زواجها من المواطن البريطانيّ أليكس تشابمان وحصولها على الجنسيّة البريطانيّة، ومع أنّ الزواج انتهى بالطلاق، إلا أنّها احتفظت باسم زوجها، وانتقلت فيما بعد إلى الولايات المتّحدة للعمل الرياديّ، وفي عام 2010، وبعد تحقيق من مكتب التحقيق الفيدراليّ FBI تمّ الكشف عن شبكة جواسيس روس تضمّ حوالي 10 جواسيس تديرها تشابمان، وكانت تهدف لجمع معلومات حسّاسة حول السياسات الأميركيّة.

بعد القبض على تشابمان بعدّة أسابيع تمّت عمليّة روسيّة أميركيّة بتبادل 10 من الجواسيس الروس مقابل 4 جواسيس غربيّين، وبعد ترحيل تشابمان إلى روسيا في حزيران/يوليو ،2010 انخرطت في العمل التلفزيونيّ والإعلاميّ.

تعدّ روسيا من أكبر الدول عالميًّا في تجنيد جواسيس، وتعمل على الجهد الاستخباراتيّ خاصّة بعد الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة. وحسب التقرير المنشور على موقع “ميدوزا” تقدّر ميزانيّة الدفاع الروسيّة للعام 2024 بـ 114 مليار دولار أميركيّ وتشمل الميزانيّة الاتّفاق على الجيش وبرامج التطوير العسكريّ، وتميل أجهزة الاستخبارات بالإضافة إلى ما يطلق عليه الموقع “المصروفات السرّيّة” تحت تصنيف “الإنفاق الدفاعيّ والأمنيّ”.

يوجد في روسيا أربعة أجهزة رئيسيّة تشترك في العمل الجاسوسيّ والمراقبة داخل وخارج روسيا، يأتي في طليعة تلك الأجهزة جهاز الأمن الفيدراليّ FSB – Federal Security Service وهو الوريث الرسميّ لجهاز المخابرات الروسيّ الشهير KGB، ويعمل الجهاز الحاليّ على الاستخبارات الداخليّة ومكافحة التجسّس والإرهاب، وحماية الحدود الروسيّة، ويتولّى الجهاز مهامّ أمنيّة كبيرة وواسعة لتتبّع الأنشطة المشبوهة داخل البلاد.

في المرتبة الثانية يأتي جهاز الاستخبارات الخارجيّة SVR – Foreign Intelligence Service ويعمل على جمع المعلومات الاستخباراتيّة خارج روسيا، ويعدّ جهاز الاستخبارات المسؤول المباشر عن التجسّس الخارجيّ ومراقبة الأنشطة الّتي تشكّل تهديدًا على الأمن القوميّ، وفي المرتبة الثالثة الإدارة الرئيسيّة للاستخبارات GRU – Main Intelligence Directorate الّتي تعمل على التجسّس العسكريّ على جيوش الدول الأخرى، ويشير الخبراء إلى تورّط هذا الجهاز في عمليّات سرّيّة في الخارج، بما في ذلك الأنشطة السيبرانيّة والهجمات الإلكترونيّة.

أما مديريّة الاستخبارات التقنيّة الخاصّة FAPSI سابقًا، وبالرغم من حلّها في عام 2003، إلّا أنّ مهامّها قد توزّعت على عدّة جهات بما في ذلك جهاز الأمن الفيدراليّ وجهاز الاستخبارات العسكريّة، وتعمل كلّ الأجهزة السابقة على تنسيق عملها داخل وخارج روسيا.

وفي ألمانيا تعمل 4 أجهزة بشكل رئيسيّ على عمليّات التجسّس داخل وخارج ألمانيا، يأتي في المرتبة الأولى جهاز الاستخبارات الفيدراليّ (BND – Bundesnachrichtendienst وهو المسؤول عن التجسّس الخارجيّ حول الأنشطة الدوليّة مثل الإرهاب والتجسّس وانتشار الأسلحة النوويّة، في المرتبة الثانية يأتي مكتب حماية الدستور، ويعدّ جهاز استخبارات داخليّ مسؤول عن حماية النظام الدستوريّ من التطرّف السياسيّ والإرهاب وحماية النظام من التجسّس داخل ألمانيا، في المرتبة الثالثة تأتي الاستخبارات العسكريّة (MAD – Militärischer Abschirmdienst وهي الجهة المسؤولة عن الاستخبارات العسكريّة وجزء من القوّات المسلّحة الألمانيّة، ويركّز على عمليّات التجسّس الّتي تستهدف الجيش والقوّات المسلّحة.

ويعدّ مكتب الأمن السيبرانيّ الألمانيّ BSI من التطوّرات المهمّة لمواكبة التهديدات التكنولوجيّة الحديثة وتطوّر الهجمات السيبرانيّة على مفاصل الدولة، إذ يعمل الجهاز على جمع المعلومات المتعلّقة بالهجمات السيبرانيّة والإلكترونيّة، وتعمل الأجهزة السابقة على التنسيق مع بعضها البعض خاصّة مع صعود التهديدات الروسيّة والصينيّة، بالإضافة إلى تهديدات الطرف داخل وخارج ألمانيا.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *