“الحرب على غزة.. ورؤية مستقبلية”
اختتم التجمع الوطني الديمقراطي، مساء أمس الجمعة، يومًا دراسيًا، كان قد نظمه في مدينة الناصرة، تحت عنوان “الفلسطينيون في إسرائيل – الحالة السياسية والقانونية في ظل الحرب على غزة.. ورؤية مستقبلية”، شارك فيه عدد من أعضاء التجمع الوطني الديمقراطي والمثقفين، والطلاب الجامعيين، وقدمت فيه العديد من المداخلات في ثلاث جلسات، وقد دارت نقاشات مهمة في قضايا جوهرية شارك فيها الحضور من خلال توجيه أسئلة وحوار مفتوح.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
انطلق اليوم الدراسي الذي عُقد في قاعة مسرح الحنين في الناصرة، بالوقوف دقيقة حداد على أرواح الشهداء، ثم كلمة افتتاحية لرئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي والنائب السابق سامي أبو شحادة، قال فيها إن اليوم الدراسي يجيء ضمن سلسلة لقاءات ومراجعات وتحركات تهدف إلى تطوير النقاش، داخل الحزب ومع القوى والفعاليات السياسية في الداخل الفلسطيني، بالإضافة إلى تطوير النقاش مع المجتمع الإسرائيلي، والاستفادة من تجارب الماضي تمهيدًا للمؤتمر العام الثامن للحزب الذي سيعقد خلال الأشهر القليلة القادمة.
خطاب يهودية الدولة بلا مساواة لن يفضي الى أي نتيجة
ووصف أبو شحادة هذه اللقاءات بأنها مهمة وبناءة ويشارك فيها أحيانًا مثقفون ونشطاء سياسيون وإعلاميون في محاولة لفهم ما جرى قبل السابع من أكتوبر، وما يجري بعده، وسماع أفكار مختلفة.
وتوقف أبو شحادة عند الخطاب الإسرائيلي العنصري الذي يتحدث عن يهودية الدولة قائلاً بأنه لا يفضي إلى أي نتيجة طالما أنه يتحدث عن ديمقراطية بدون مساواة، ومحاولاتهم إقصاء المواطنين العرب من الاحتجاجات ضد خطة الاصلاحات القضائية، التي سبقت أحداث السابع من أكتوبر، وذلك خشية من زيادة تطرّف التيار اليميني العنصري المؤيد لخطة الانقلاب على القضاء.
وأشار إلى أنه ومع بداية الحرب أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الحرب على العرب في الداخل بوصفهم “جبهة داخلية” وبأن إسرائيل تحارب على أربع جبهات بما فيها الجبهة الداخلية، أي المواطنين العرب في إسرائيل. وتطرق أبو شحادة في حديثه إلى تحولات المشروع الإسرائيلي من الشرق الأوسط الجديد والسلام الذي قاده شمعون بيرس مرورًا بسياسة إدارة الصراع التي قادها نتنياهو، ثم سياسة تقليص الصراع التي قادها نفتالي بينيت، وصولاً إلى الإبادة الجماعية التي لو كانت قد مرّت في غزة لما كانت قد توقفت عندها، بل كانت ستنسحب على الفلسطينيين في الضفة الغربية ومن ثم على فلسطينيي الداخل أيضًا، ليعود الآن بقوة خطاب حل الدولتين بعد أن فهمت إسرائيل أنها لا تستطيع أن تفعل كل تريد، لا بل تجد نفسها متهمة في محكمة العدل الدولية.
وشارك في الجلسة الأولى الباحث الدكتور محمود محارب، والمحامي حسن جبارين، مدير عام مركز “عدالة”، ود. هنيدة غانم المديرة العامة لمركز “مدار”، ود. إمطانس شحادة، عضو المكتب السياسي لحزب التجمع، وأدارت الجلسة الإعلامية مريم فرح.
د. محارب قال إن أحدًا لم يكن يتوقع هذا الحجم من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، في حرب غير متكافئة تم خلالها استهداف الفلسطينيين وكل مؤسساتهم الصحية والتعليمية والحيوية فضلاً عن قتل الأطفال والنساء وسط إجماع وتأييد من المجتمع الإسرائيلي للإبادة الجماعية. وأضاف أن الدولة كانت جاهزة منذ البداية للتعامل مع الفلسطينيين في الداخل كأعداء.
وتابع: المجتمع الإسرائيلي طور قيمًا تتناقض مع القيم الإنسانية السويّة، وهي قيم تدعم القتل لا بل تتمتع بالقتل والتفجير والاعتقال والتدمير، وهي قيم عنصرية معادية للعرب، من خلال تقمص دور الضحية وتصنيف أنفسهم على أنهم الشعب الأفضل.
وإزاء هذه الحالة يرى د. محارب أن المطلوب من العرب في الداخل اليوم هو التمسك بحقوقهم وهويتهم الفلسطينية وانتمائهم القومي وروايتهم التاريخية مشددًا على أنه لا ينبغي للقيادة أن تخاف من القمع ومن الضغط الممارس عليها، كذلك يجب مواصلة النضال نحو بناء لجنة المتابعة والتصرف كأقلية قومية متماسكة، وأن تعطى أولوية لتنظيم ومأسسة الشباب والمهنيين والنساء، من أجل الصمود، مؤكدًا عبارة “هذا قدرنا هنا”.
نحن أمام لحظة سياسية تكوينية
من جانبه قال المحامي، حسن جبارين “إننا أمام لحظة سياسية تكوينية، كل شيء بعدها سيتغير، وهي مرحلة تاريخية ثالثة تشبه مرحلة ما بعد النكبة عام 48، وما بعد حرب الـ67، وبالنسبة لإسرائيل فإن هجوم السابع من أكتوبر هذا هو أهم حدث بعد الهولوكوست، فالمكان الآمن لم يعد أمنًا وهو ما لم يكن بالمتخيّل بالنسبة لليهودي، وكذلك الأمر بالنسبة لنا فإن لم يكن التهجير والترانسفير بالأمر المتخيل فإننا نقف اليوم أمام إبادة جماعية لمجتمع كامل”.
وقال إنه لمرحلة ما بعد الحرب أن تفرز أسئلة مهمة حول مستقبل العيش معًا وليس مستقبل يتخلص منه طرف من الطرف الآخر، مشيرًا إلى أن الحرب لن تفضي إلى حسم في كلا الطرفين.
وتحدثت د. هنيدة غانم عن المرحلة التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر التي طغى فيها المستوطنون إلى حد لا يطاق، بعد تدمير وتصفية القضية الفلسطينية وحل الدولتين، فقد دفع هؤلاء المستوطنون بالفلسطينيين إلى الحائط من خلال العنجهية والعربدة والاستهتار والتجبر والطغيان خلال السنوات العشر الأخيرة، فهم لم يتعاملوا مع الفلسطينيين كبشر.
وأضافت: “خرجنا من هذه المرحلة إلى مرحلة أكثر خطورة، فمشروع الإبادة والطرد لم ينته وما زال سائلاً ولزجًا لا أحد يستطيع أن يتنبأ إلى أين يمكن أن يتجه”.
وتابعت أنه يجب التركيز اليوم على إنهاء الاحتلال ووقف سلب الأراضي، والتأسيس لإطار مشترك عربي يهودي مشترك وافساح المجال أمام حركة يهودية عربية تؤمن بأسس الديمقراطية ودولة كل المواطنين، لكي لا يشعر العرب في البلاد بأنهم كالأيتام على موائد اللئام.
وتحدث د. إمطانس شحادة عن أن المظاهرات ضد “الإصلاحات القضائية” والحرب على غزة، كسرت نماذج العقيدتين الأمنية والسياسية في إسرائيل وكسرت نموذج التأثير لدى العرب الفلسطينيين في الداخل، هذا النموذج الذي انطلق مع تأسيس القائمة المشتركة وأصبح له تأثير في السياسة الإسرائيلية.
وقال إنه “منذ الساعة الأولى من بدء الحرب على غزة تعاملت الدولة معنا على أساس أننا جبهة معادية، وأصبحنا مواطنين خارج المواطنة ومُنعنا من التظاهر ومن ممارسة أدنى هامش في الديمقراطية، لأن الدولة في خطر!!”
تهمة الإرهاب تلازم الطالب العربي في الجامعات
وقد شارك في الجلسة الثانية من اليوم الدراسي، يوسف طه، مركز الهيئة المشتركة للكتل الطلابية، والمحامي عدي منصور، من مركز “عدالة” الحقوقي، ونداء نصّار، المديرة العامة لجمعية “بلدنا”، بينما أدار الجلسة رامي حيدر.
وقد استعرض المتحدثون سياسة تعامل المعاهد العليا والكليات مع الطلاب العرب، الذين يوجه نحو 140 منهم تهمًا تتعلق بدعم الإرهاب والتماثل مع منظمة معادية والتحريض على الإرهاب وغيرها من التهم.
المحامي عدي منصور تحدث عن استدعاء طلاب للمثول أمام لجنة الطاعة لأسباب سخيفة تهدف الى قمع الطلاب ومعرفة ما يفكرون به وما يجول في خواطرهم، ومدى ولائهم للجامعة وللدولة. واستعرض بعض الحالات التي اتهم فيها الطلاب بدعم الإرهاب والتي لم يكن لها أي أساس سوى النظرة العدائية التي تنظر فيها هذه المؤسسات الأكاديمية للطالب العربي، وبالمقابل التغاضي عن كل الكتابات العنصرية والتحريضية الداعية الى قتل الفلسطينيين، لأن هذا التحريض يتماهى مع سياسة الدولة.
وتحدث يوسف طه عن الهجمة على الطلاب العرب في مختلف المعاهد العليا الإسرائيلية لكنها برزت بشكل كبير في المعاهد التي عدد الطلاب العرب فيها كبير وأبرزها جامعة حيفا.
وقال طه إن تهمة الإرهاب تلازم الطالب العربي منذ سنوات، وقد ازدادت حدة في أعقاب تنظيم نشاطات في المناسبات الوطنية وذكرى النكبة خاصة في جامعتي بن غوريون وتل أبيب التي رفعت فيها الأعلام الفلسطينية بأعداد هائلة أدت الى صدمة في الشارع اليهودي ومنذ ذلك الحين بدأت الهجمة الشرسة على العلم الفلسطيني والتي جاءت كذريعة لمحاسبة الطالب العربي.
وفي حديثها تطرقت نداء نصّار إلى حالات القمع المبالغ فيها التي تواجه الطلاب في النقب، والتي قالت إنها تتجاوز كل الحدود، فضلاً عن المراقبة المشددة التي يتعرض لها الطلاب في الحرم الجامعي.
واستعرضت نصّار السياسات والممارسات الحكومية التي تهدف إلى قمع الحراكات الشبابية من جهة مقابل سياسة الضبط والاحتواء الاقتصادي والتنمية المرتبطة بالأسرلة، وكل ذلك يجيء في ظل تراجع الحركة الوطنية الذي بدأ منذ تأسيس القائمة المشتركة، وتفكك المجتمع بسبب الجريمة والعنف والتناقضات التي يعيشها الشاب الفلسطيني بين هويته الفلسطينية وانخراطه في المجتمع الإسرائيلي.
وشارك في الجلسة الثالثة التي أدارتها د. هبة يزبك، عضو المكتب السياسي للتجمع، كل من الناشطة السياسية د. عرين هواري ود. مهند مصطفى، مدير عام مركز “مدى الكرمل” وبكر عواودة، المستشار التنظيمي والاستراتيجي، وانطوان شلحت، الباحث والكاتب وسامي أبو شحادة، رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي وناقشت الجلسة مستقبل السياسة الفلسطينية في الداخل.
الصمت العربي في الداخل خوف أم حكمة؟
أشادت د. عرين هواري بالحركة الطلابية في الجامعات الإسرائيلية ودعت إلى دعمها من قبل الحركة الوطنية التي تظهر عجزًا وصمتًا غير طبيعي وغير معقول وغير مفهوم، وحاولت د. هواري تسليط الضوء على أسباب هذا الصمت مما فتح نقاشًا حول ما إذا كان الصمت العربي في الداخل الفلسطيني حكمة أم خوف!!
واعتبر بكر عواودة في كلمته أحداث السابع من أكتوبر بأنها نقطة تحول استراتيجي بين الشك واليقين، يقين اليهود بأنهم آمنون في وطنهم تبدّل إلى نوع من الشك، وشكوك المواطن العربي بأن مواطنته في هذه الدولة توفر له الحماية، وكلا الطرفين يعيشان حالة من الشك والخوف.
كما وتطرق عواودة إلى مكانة العربي الفلسطيني في الداخل كونه خارج الكُلّين وقال “نحن خارج الكل الفلسطيني الرسمي والسياسي، كما أننا خارج الكل اليهودي الإسرائيلي الصهيوني ونحن ندفع الثمن”، معتبرًا أنه ليس أمام المواطنين العرب سوى التمسك بالخطاب الديمقراطي الإنساني والعمل على بناء مؤسسات وطنية توفر الحماية لهم.
د. مهند مصطفى، تحدث عن قراءات صدرت خلال السنوات الأخيرة عن مركز “مدى الكرمل” أنتجت من المعرفة ما يكفي لما يحدث اليوم، وقال إن الفلسطينيين في إسرائيل أمام مسارين ليس بينهما مسار حتمي، وهما مسار الانكفاء، الذي قد يقود إلى مزيد من الضعف نتيجة حالة الخوف معتبرًا الصمت الداخلي ليس حكمة ولا مقاومة وإنما خوف، ليس فقط من الملاحقة السياسية، وإنما من نكبة ثانية ومن تهجير، وقد تراجع هذا الخوف اليوم بعد أن تبين أن إسرائيل لا تستطيع أن تفعل كل ما تريد وهي تجد نفسها اليوم في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية.
والمسار الثاني هو جعل الحرب فرصة لإعادة التفكير بكل ما قيل حول هشاشة الحقل السياسي الفلسطيني، واستعرض د. مصطفى أسباب هشاشة الحقل السياسي وضرورة العمل على تقوية هذا الحقل من خلال مصادر دعم محلية. وتطرق إلى دور المجتمع المدني الذي يلعب دورًا أقوى من الأحزاب.
أنا أكره العرب إذا أنا موجود
من جانبه دعا الكاتب والباحث أنطوان شلحت إلى ضرورة التخلص من نزعتين، نزعة الادعاء بأننا نملك التراكم المعرفي، ونزعة العمى، وقال إن ما تفعله إسرائيل اليوم يظهر الوجه الحقيقي لها، و”هذه هي إسرائيل التي نعرفها”!
وعاد شلحت بالحديث عن هبة القدس والأقصى عام 200 والتي أفرزت لجنة “أور” التي عملت منذ ذلك الحين على القضاء على المشروع السياسي الجماعي، وجاءت بمشروع الخدمة المدنية للشباب، وعملت على القضاء على دور الأحزاب في السلطات المحلية وإعادة سيطرة العائلية والطائفية عليها. وقال إن نتنياهو قام خلال فترة حكمه بتثبيت ثلاثة أسس هي الاقتصاد الحر وتأمين الحوكمة، والتطرف القومي، مستعرضًا مجموعة من التصريحات لحاخامات وشخصيات بارزة كانت تدعو إلى الكراهية وتبرير قتل العرب، مؤكدًا أن موضوع الإبادة الجماعية كان عنوانًا واضحًا لكل هذه التصريحات.
وفي الختام تحدث سامي أبو شحادة، عن الصمود والثبات العربي بالقول الإنسان الطبيعي غير موجود في غزة وفلسطين لأن الإنسان الطبيعي يهرب حين يشعر بالخوف لكن الذي عاش النكبة أدرك بأن من يترك بيته لا يعود إليه، وهذا النموذج ينسحب ليس فقط على أهالي غزة وإنما على أهالي الجش وفسوطة أيضا!
وقال إنه ليس هنالك من هو راض عندما يرى شعبه يذبح وهو عاجز عن التحرك، وذلك نابع من تهديد إسرائيلي واضح بإطلاق النار على المتظاهرين والمحتجين، وهنا ربما يكون الصمت حكمة لأن الجميع يعرف موازين القوى ويعرف وحشية إسرائيل. أما نقطة الضوء فتكمن في عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الساحة الدولية وبخروج الملايين إلى الشوارع وباستطلاعات الرأي بين الشباب الأميركي، وهذه أول مرة قد يتم فيها محاسبة إسرائيل على إبادة شعب.
وتحدث أبو شحادة عن تهميش هذا الجزء من الشعب الفلسطيني في المؤسسات ومواقع اتخاذ القرار ووضع العرب الفلسطينيين في الداخل على هامش كل المشاريع التي تحدد مصير هذا الشعب بما في ذلك “حل الدولتين” الذي قال أبو شحادة انه “سيسقط علينا بكل ثقله وبكل ضغوطه، بعد الحرب، لذلك يجب أن يكون لنا دور نطرح من خلاله مشروعنا ورؤيتنا”.
المصدر: عرب 48