الحرب على لبنان والعين على إيران
نقلت الاعتداءات وسلسلة الضربات الإسرائيلية المتلاحقة في لبنان منذ الثلاثاء، حالة التصعيد ومنظومة “العلاقات” أو “قواعد الاشتباك” إلى مرحلة جديدة، تتعدى مرحلة “المعركة بين الحروب” إلى حالة حرب فعلية مباشرة بدأت بضربات استباقية، هدفها الأولي هو تحييد ما أمكن من القوة القتالية البشرية لحزب الله ومنظومته اللوجستية، وتبعتها بالغارات الجوية المتواصلة عند كتابة هذا المقال.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
ومع أنها ضربات تنقل لبنان وحزب الله إلى الحرب المباشرة، وبتعبير حسن نصر الله “بمثابة إعلان حرب”، إلا أنها تندرج في الوقت ذاته في إستراتيجية المعركة بين الحروب في سياق المواجهة المؤجلة مع إيران، لكن هدفها تقريب هذه المواجهة في حال تجاوزت الحرب الساحة اللبنانية وخرجت من نطاق حرب تريدها إسرائيل على مقاسها، إلى حرب إقليمية شاملة تشعلها إسرائيل وتتحمل عبء توسيع ساحاتها وميادينها الولايات المتحدة، تحت ذريعة ومسمى “ضمان أمن إسرائيل”.
وهي حرب أطلقتها إسرائيل بزعم تحقيق هدف تعلم أنه لا يمكن تحقيقه والمعارك مشتعلة. لأن من ينزحون عموما، بفعل الحرب والتصعيد العسكري يعودون عادة إلى بيوتهم مع انتفاء سبب النزوح. وفي حالة الحرب الجديدة على لبنان، فإن الحرب ستعني مزيدا من نزوح سكان البلدات والمستوطنات الإسرائيلية، مع اتساع البقعة الجغرافية التي تطالها نيران الحرب.
تدرك دولة الاحتلال ذلك جيدا، ولا سيما رئيس حكومتها نتنياهو، الذي ساهم تعنته منذ حرب الإبادة على غزة، في رفض صفقة تبادل ووقف الحرب، في زيادة أعداد النازحين من البلدات الشمالية، وهو يعلم ذلك جيدا، كما يدرك أن جبهة الإسناد التي مثلتها ضربات حزب الله مرشحة للهدوء بمجرد وقف العدوان على غزة ووقف حرب الإبادة فيها.
هذا كله يؤكد أن للحرب الثالثة على لبنان، حتى وإن لم تصل بعد لمرحلتها البرية، أهدافا أخرى غير الهدف الرئيسي المعلن، الذي ارعت إدارة بايدن على تلقفه كهدف رئيسي لهذه الحرب دون أي إدانة للجرائم الإسرائيلية التي أوقعت في لبنان عشرات القتلى، عدا عن آلاف المصابين من المدنيين.
ويبدو أن الهدف الأول لهذه الحرب هو صرف حزب الله عن خطط الإسناد لغزة ودفعه لحالة دفاع عن النفس، ومواجهة حرب تهدد مجرد وجوده كقوة راسخة في لبنان، ورأس حربة لإيران على شواطئ المتوسط، التي باتت تبسط نفوذها من إيران شرقا وحتى سواحل لبنان غربا.
أما الهدف الثاني في حال رفض حزب الله والمحور الإيراني، إبقاء القتال محصورا بين حزب الله وإسرائيل، وفق المقاييس التي تريدها إسرائيل في المرحلة الحالية، على الأقل، فهو مد ساحات القتال وتوسيع نطاق الحرب إلى ميادين أخرى تصل حتى إيران.
ويبدو أن الحذر الذي يبديه حزب الله في المرحلة الحالية، رغم رده برشقات صاروخية، نابع أيضا من حسابات تنطلق من تداعيات الحرب الحالية في حال توسيعها على مجمل ساحات المحور الإيراني ككل إذا خرج الحزب من هذه الحرب خاسرا. فخسارة الحزب لهذه الحرب ستعتبر سقوط أول حجر دومينو في مبنى القوة الإيراني الإقليمي، وهو ما قد يكون المقصود من التصريحات الإسرائيلية التي تحدثت عن السعي لتغيير الواقع القائم في المنطقة ويبدأ من تغيير خريطة موازين القوى الحالية في لبنان.
هذا كله يفضي إلى الاعتقاد مع الأخذ بعين الاعتبار الدعوات الإسرائيلية الشعوبية وتلك الصادرة عن مراكز أبحاث وازنة تدعو لاستغلال الظرف الراهن لتصفية الحساب مع حزب الله والقضاء عليه مع توجيه ضربة لإيران، أن وجهة إسرائيل بالرغم من المحاذير الداخلية التي تتخوف من تبعات حرب شاملة في ظل حالة الإنهاك لدى جيشها، هي الحرب وتحقيق على الأقل ما عجزت عنه في حربها على لبنان عام 2006.
المصدر: عرب 48