Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

السابع من أكتوبر حدث تاريخي مؤسس لعالم مختلف عما قبله

في مقال افتتاحي نشر في مجلة "المستقبل العربي" اعتبر الباحث في العلوم الاجتماعية ورئيس كلية الآداب في جامعة بير زيت، د. أباهر السقا، السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدثا تاريخيا مؤسسا لعالم جديد يمكن تسميته "عالم ما بعد السابع من أكتوبر"، لافتا إلى ما أحدثه السابع من أكتوبر من هزة كاملة "شعرنا بها كمواطنين وباحثين في المنطقة العربية وفي العالم".

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وأفاد بأن حرب الإبادة الحالية عملت على تعاظم الهوة بين العالم المهيمن والعوالم الأخرى، وخصوصا في منطقتنا التي ندفع ثمنها بدمنا، إذ أدى انحياز الدول المهيمنة في العالم وأجهزتها الأيديولوجية والإعلامية لمصلحة السردية الاستعمارية الإسرائيلية إلى صدمة إعادة الاكتشاف لسقوط المنظومات الأخلاقوية والإنسانوية بوصفها مؤشرات دلالية على تهافت سرديات حقوق الإنسان والقوانين الدولية والمواثيق الإنسانية والجماعة الدولية؛ كما يقول السقا.

وأشار المقال إلى ما وصفه بسقوط مدو للمنظومة الأخلاقوية للمعرفية الانتقائية القائمة على ازدواجية المنطلقات المعرفية للمدارس الأكثر نقدية "التي خبرناها" منذ أكثر من 50 عاما، وظهور قصورها على نحو غير مسبوق منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وإلى ديمومة للخطابات المعرفية القائمة على أثننة المجتمعات التي تتغذى من منهجيات ومقاربات فوقية، ومما وصفه، بطغيان المركزيات الثقافية واحتكار المنطق الضحووي لمصلحة فرادة الحالة الاستعمارية الإسرائيلية وربطها بمصوغات العقدة التاريخية الأوروبية ووضعها في مقاربة متعالية على التاريخ لبعض الباحثين الأوروبيين.

وكتب السقا، أن الحرب الحالية تفتح مساءلة جديدة قديمة لما أنتجه رواد المعرفة النقدية الغربية، التي تظهر المواقف الملتبسة لمفكرين وبحاثة كبار طالما استشهدنا بهم في عُدِدنا المفاهيمية في العلوم الاجتماعية والإنسانية في منطقتنا العربية، مشيرا في هذا السياق إلى بعض الأسماء الكبيرة في هذا لمجال.

كذلك تظهر النقاشات العامة في الدول المهيمنة، على حد قوله، استجلاب مفهمة "الحرب العادلة" التي تنسجم مع الاستخدام الحالي لمقولة "حرب الدفاع عن النفس لإسرائيل"، على الرغم من الفتوى الفقهية القانونية التي لا تعطي حق الدفاع عن النفس لدولة احتلال، لافتا إلى مساواة هذه المواقف لمنتجي المعرفة الغربية بين الضحية والجلاد، وهو ما يظهر جليا ضمور المقاربات الإنسانوية التي ُتختزل في مقارباتها على الغرب وحده، وكأن السابع من تشرين الأول/ أكتوبر حدث منعزل عن السياق الاستعماري، عبر خلق عمليات الإزاحة في المعنى والدلالة وفقا لتراتبيات المواقف المعرفية والأخلاقية بحسب جنسية الضحية وعرقه.

كما تبين هذه المواقف الملتبسة، على حد وصف الباحث، هشاشة وجدوى هذه المقاربات النظرية، وتفتح التساؤلات المشروعة عن منطلقات "مدارس ما بعد الحداثة" وما "بعد الاستعمار" وتشمل حتى القراءات النقدية في تأريخ الاستعمار التي تحاول استثناء دولة إسرائيل كبنية استعمارية، ومجتمعها بوصفه مجتمعا استعماريا استيطانيا، وكأن تيارات ما بعد الاستعمار، ودراسات الاستعمار هدفها تحليل الاستعمار أو تهذيبه أو ترشيده أو التعايش معه، لا مقاومته.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحث في العلوم الاجتماعية ورئيس كلية الآداب في جامعة بيرزيت، د. أباهر السقا، لإلقاء المزيد من الضوء حول هذا الموضوع.

"عرب 48": على ماذا اعتمدت عندما اعتبرت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بما أحدثه من هزة في المنطقة العربية والعالم، حدثا تاريخيا مؤسسا وفارقا بين عالمين، عالم ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وعالم ما بعد السابع من أكتوبر؟

د. أباهر السقا

د. السقا: في العالم عادة ما تكون أحداث مؤسسة فارقة بين ما قبلها وما بعدها، والسابع من أكتوبر هو واحد من هذه الأحداث، بمعنى أن حرب الإبادة في غزة لا يقتصر تأثيرها على سكان غزة أو على الفلسطينيين والإقليم فقط، بل لها تأثير دولي، إذ يصح اعتبارها حدثا مؤسسا يفصل بين ما قبله وما بعده، ونستطيع القول إن هناك عالم ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وعالم ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

هذا مرتبط بالحيثيات التالية، أولا إن السابع من أكتوبر طبع مسؤولية للباحثين في العلوم الاجتماعية بسبب عدم قدرتهم على استشراف مثل هذه الأحداث، كما أن جزءا كبيرا من رواد المدارس النقدية، ممن يقودون مدارس مهمة ونقدية على مستوى المعرفة في ما يخص العدالة والحروب ووقوفهم إلى جانب القضايا العادلة وحروب الإبادة، التزموا الصمت ووقفوا إلى جانب المستعمر، وهو أمر اشكالي لأن المعرفة كما نفهمها لا تتجزأ والعدالة لا تكون حسب جنسية الشخص ولونه.

كذلك فإن كل ما حدث بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وكل التعديات المرتبطة بالحرية الأكاديمية وبحق الناس في الاحتجاج، تضع على المحك هذه المدارس المعرفية الغربية وتظهر لنا أن هناك مشكلة لها علاقة بمعرفة الجنوب وبقدرة هذه المعرفة وخصوصا في المنطقة العربية على تجاوز تلك المعرفة الغربية وادعاءاتها.

ثانيا، إن هناك مشكلة حقيقية مرتبطة بتبعات هذا الحدث، لأنه كما قلت هو بعكس أحداث أخرى قد أفرز عالمين، العالم الرسمي المهيمن وعالم الآخرين، بمعنى أن كل الاحتجاجات في الجامعات والفضاءات العامة الأخرى في المجتمعات الغربية، جوبهت بقمع وتهديد بالأمن الوظيفي وعمليات ابتزاز أخرى، وهو ما أظهر لنا عدم نجاعة هذه النظم التي تدعي أنها نظم ديمقراطية.

وثالثا، إن الحدث فتح على مستوى المنطقة مرة أخرى مشروعية إنتاج المعرفة الغربية والحاجة إلى تحقيق معرفة خاصة بنا في المنطقة العربية الإسلامية وما يتبع ذلك، وبهذا المعنى فإن لدينا عالم ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وعالم ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

"عرب 48": أشرت أيضا إلى مسألة سقوط القانون والمواثيق والمعاهدات الدولية وكل ما ينظم هذا العالم؟

د. السقا: أولا بما يتعلق بالديمقراطية والمجتمعات الديمقراطية تأكد أن ما هو موجود هو ديمقراطية مقلصة بحدود الانتخابات والحق في الترشح، وقد كشفت حرب الإبادة عن الكثير من الشوائب في هذا المجال، تجلت في قمع الناس ومنعهم من التظاهر والتلويح بقوانين متوهمة لها علاقة بـ"معاداة السامية" وغيرها من إجراءات قمع الناس، وهي كلها وضعت الديمقراطية على المحك.

هذا ينسحب أيضا على المنظومة الأخلاقية المرتبطة بحقوق الإنسان وقوانين الحرب والعدالة الإنسانية والاجتماعية، وكل ما تم ارساؤه بعد الحرب العالمية الثانية وتبعاتها، وسقوط هذه المنظومة مع حرب الإبادة على غزة.

وحتى لو أخذنا بعين الاعتبار التطور المهم الذي حدث نتيجة تقديم شكاوى لمحكمة العدل الدولية، فقد رأينا وقوف الدول المهيمنة في العالم ضد قرار اعتقال نتنياهو وإعلان بعض الدول الغربية وعلى رأسها ألمانيا عدم تنفيذ قرار الاعتقال واستقبال نتنياهو على أراضيها، ووصول الأمر إلى حد فرض الولايات المتحدة عقوبات على المحكمة، وهو أمر إذا ما قارناه بتحمس ذات الدول لقرارات اعتقال سابقة صدرت عن نفس المحكمة، مثل قرار اعتقال عمر البشير وغيره، يجعلنا ندرك أننا نعيش في عالم مختل لصالح المهيمنين وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى ازدواجية المعايير التي لطالما تحدثنا عنها.

"عرب 48": قلت إن هذا الواقع كان قائما أصلا وما فعلته حرب الإبادة على غزة كشفت عنه الغطاء بعد أن أعادت تجديد مسألة الاستعمار والتهجير الإسرائيلي؟

د. السقا: نعم، كان هناك انزعاج من مواقف مشابهة في الماضي ولكن كنا نجد دائما أناس نقديين يتخذون مواقف نقدية جريئة، لكن مع حرب الإبادة تقلصت هذه الأصوات، كما أن هناك أصواتا خالفت آراءها النقدية السابقة وذهبت باتجاه الدفاع عن إسرائيل باعتبارها معتدى عليها، ونسي أصحابها أن الحديث يدور عن دولة استعمارية وأنهم يدافعون بالتالي عن منظومة استعمارية.

"عرب 48": هل هناك دور للمحرقة اليهودية التي حدثت في أوروبا في تشكيل الموقف الغربي الواقع تحت وطأة عقدة الشعور بالذنب، كما يدعي البعض؟

د. السقا: العقدة التاريخية من الشعور بالذنب لها أثر كبير في ألمانيا ودول أوروبية أخرى مهيمنة، وهي سلاح يتم التلويح به من أجل قمع الناس وتكميم الأفواه واستخدامه ذريعة من أجل احتكار موقع الضحية، وكأن ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية غير قابل للمقارنة مع حالات أخرى.

لذلك أنا أشير إلى كل الباحثين الذين يتساءلون في ما إذا كان ما يحدث في غزة هو حرب إبادة، وأطرح السؤال البسيط الساذج الذي يمكن أن يطرحه أي شخص في هذا العالم وهو "إذا كانت إبادة 5% من السكان ليست إبادة فما هي الإبادة؟ وإذا كانت إبادة 80% من العمران في غزة ليست إبادة فما هي الإبادة؟"؛ والحال كذلك فنحن أمام شيء محزن كمواطنين وباحثين في أن نرى هذه الازدواجية بشكل فظ ومقيت.

"عرب 48": يبدو أن العامل الأساسي في تشكيل الموقف هو ارتباط تلك الدول الغربية بالمنظومة الاستعمارية، التي تعتبر إسرائيل امتدادا لها؟

د. السقا: صحيح، وهو استمرار لحضور هيمنة المعرفة الاستعمارية، وللإبادة المعرفية التي لا تنظر إلى المعرفة التي يصدرها المضطَهدون، تماما كما حدث سابقا تجاه العراق وأفغانستان والصومال حين تم بث الخطابات الكاذبة عنها، بوصفها مجتمعات انقسامية غير متجانسة ومجرد مكونات اجتماعية طائفية وإثنية وعرقية متناحرة ومنقسمة، وتعمل هذه المقاربات على عدم تصنيف جرائم إسرائيل كجرائم "إبادة عرقية" وتقوم بتكرار تعبيراتها عن "ديمقراطية إسرائيل"، وقبولها لفكرة "يهودية الدولة" وعدم التطرق بالتحليل والنقد إليها بوصفها ممارسات عنصرية مؤسسة فيها.

ولا بد لهذه المقاربات التمييزية الانتقائية أن تدفع أفراد الجماعة العلمية العربية إلى التفكير في الحاجة الملحة إلى تخليق منظومة معرفية إبستيمية ومنهجية جديدة وخلق معيارية معرفية جديدة، تنبع من حاجاتنا ومن مقارباتنا في المنطقة العربية وفي الجنوب العالمي، وتعيد الاعتبار إلى الأطر التحليلية للوضع الاستعماري الفلسطيني وتقطع مع كل المقاربات الوهمية عن فكرة حل الصراع بوصفه حلا بين طرفي صراع.


د. أباهر السقا: أستاذ مشارك، دائرة العلوم الاجتماعية والسلوكية ورئيس كلية الآداب في جامعة بيرزيت، حامل لشهادة الدكتوراة في علم الاجتماع من جامعة نانت – فرنسا. خريج المدرسة العليا لإدارة التنظيمات الاجتماعية بسانت إتيان في فرنسا. عمل كمحاضر في جامعة نانت بفرنسا من 1998-2006، وأستاذ زائر في العديد من الجامعات الفرنسية والبلجيكية من 2009-2023.

له عدة كتب ودراسات بالعربية والفرنسية والإنجليزية. رئيس الجمعية الفلسطينية لعلم الاجتماع وعلم الإنسان، وعضو في الجمعية العالمية لعلم الاجتماع، ونائب رئيسة مجلس أمناء المجلس العربي للعلوم الاجتماعية ومؤسسات عالمية أخرى. رئيس تحرير المجلة العربية لعلم الاجتماع "إضافات".

المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *