السفير الألمانيّ في تل أبيب لا يلتزم بقواعد السياسة الخارجيّة الألمانيّة
لا ينتقد السفير الألماني الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يذكر الانتهاكات الإسرائيلية خلال حواره مع بينغهام، بحسب المادة المنشورة على موقع الإذاعة الإسرائيلي المتطرف، بل يتحدث بإسهاب عن مكافحة ألمانيا لمعاداة السامية، ويذكر التعاون الألماني – الإسرائيلي.
مسيرة المستوطنين إلى “إفياتار”، الشهر الجاري (Getty Images)
في السادس من آذار/ مارس 2023 غرّد السفير الألماني لدى إسرائيل، شتيفن زايبرت عبر موقع “تويتر”: “أنهيت للتو مقابلة في القدس، استغرقت مدة ساعة مع الأسطورة الصحافية فالتر بينغهام، وهو في سن الـ99، أقدم مقدّم برامج حواري في العالم. شكرًا لك فالتر، ما زلت تعرف كيف تجعل ضيوفك يتعرّقون”، وأرفق التغريدة بصورةٍ تجمعه مع الصحافي المذكور.
كان بالإمكان أن يكون الأمر أكثر من عادي، لولا إشارة السفير الألماني إلى “أروتز شيفا” في نهاية تغريدته، فما المثير هنا؟ بالنقر على هذه الإشارة في التغريدة ننتقل إلى صفحةٍ ناطقةٍ بالإنجليزية تحمل عنوان “Israel National News – Arutz Sheva” أي الأخبار الوطنية الإسرائيلية – القناة السابعة، التي تعرّف نفسها، أنها “أكبر مجموعة إخبارية في العالم اليهودي”، وهي إذاعةٌ تبث مباشرةً عبر الإنترنت، ولديها موقع إخباري يعمل على مدار 24 ساعة، وهنا تكمن المفاجأة، ذلك أن إذاعة “عروتس شيفاع (إذاعة القناة السابعة)” يُصنّف في الأوساط الإسرائيلية بمثابة البوق الإعلامي المتطّرف للمستوطنين، ومقره مستوطنة “بيت إيل”، شمالي القدس المحتلة، على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، التي تُعرف بأنها بؤرة استيطانية راديكالية.
وهذا تحديدًا يتعارض مع السياسة الخارجية الألمانية، التي يجب على السفير الألماني تمثيلها والالتزام بها، ذلك أن الموقف الرسمي للجمهورية الاتحادية، يعدّ أن “الضفة الغربية إلى جانب القدس الشرقية وغزة، أراضٍ فلسطينية محتلة، وأن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة غير شرعية، بموجب القانون الدولي وتشكّل عقبةً أمام السلام، وتهديدًا لحل الدولتين”.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المحكمة العليا في إسرائيل، سحبت عام 2002 ترخيص البث من الإذاعة، لأنه وفقًا لهيئة القضاة التابعة للمحكمة، والتي اتخذت القرار بالإجماع؛ ينتهك القانون الأساسي الإسرائيلي.
ووفق تحقيق صحافي نشرته صحيفة “فرانكفورتر ألجيماينه”، الألمانية، عام 2017، بشأن تمويل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب لمستوطنة بيت إيل “الراديكالية”، بحسب وصف الصحيفة الألمانية، تحصل إذاعة “عروتس شيفاع” على تمويله من منظماتٍ تدعم وتموّل الاستيطان الإسرائيلي، وأنه بمثابة “منصة لأطروحات اليمين المتطرف”، ويستعرض بعضًا من طبيعة المحتوى الذي يُنشر على موقع الإذاعة، فيذكر مادةً قام بكتابتها رئيس “مؤسسة أصدقاء بيت إيل الأميركيين” والسفير اللاحق لدى إسرائيل في عهد ترامب، ديفيد فريدمان، إذ عدّ اليهود الأميركيين الليبراليين اليساريين أسوأ من الـ “Kapos”، وهم معتقلون جنّدهم الألمان في معسكرات النازية لمراقبة باقي السجناء مقابل مزايا معينة، كما اتهم الرئيس الأميركي في وقتها، باراك أوباما، بمعاداة السامية، ورفض حل الدولتين بشكل قاطع. وبهذا فإن “فريدمان يعزف على نفس وتر الإذاعة الإسرائيلية المتطرفة” بحسب الصحيفة الألمانية.
أطلقت وزارة الخارجية الألمانية في الأول من آذار/ مارس 2023، إستراتيجية أسمتها بـ “السياسة الخارجية النسوية”، إذ استعرضت وزيرة الخارجية الألمانية، آنا لينا بيربوك، في مؤتمر صحافي، مبادئ توجيهية لهذه السياسة الخارجية. إلى جانب تعزيز حقوق المرأة والجماعات المضطهدة الأخرى. تضمنت هذه التوجيهات تعزيز حقوق مجتمع الميم والمثليين في العالم، وأكدت أنه سيتم تجسيد هذه القيم في السياسة الخارجية الألمانية، والتي ينبغي ضمنًا على السفير الألماني الالتزام بتمثيلها. وهنا تحديدًا يكمن تناقض كبير مع الإذاعة الإسرائيلية، ذلك أن الإذاعة الإسرائيلية المتطرفة، التي منحها السفير الألماني مقابلة صحافية خاصة في السادس من آذار/ مارس 2023، أي بعد خمسة أيام من إعلان قيم “السياسة الخارجية النسوية الألمانية”، تعدّ “النسوية جهادًا راديكاليًا”، كما تحرّض بشدة وباستمرار على مجتمع الميم، وتتهمهم بالمؤامرة، ذلك أنهم “يسيطرون على وسائل الإعلام الإسرائيلية”.
أما في ما يخص العنصرية ضد الفلسطينيين فحدّث ولا حرج، ففلسطين هي مجرد اختراع، ذلك أن الله منح إسرائيل لليهود، وأنه لا يمكن أن تكون “Palestine” موجودة، ذلك أن حرف “P” غير موجود أساسًا في اللغة العربية، والفلسطينيون لا يمكنهم لفظه، وتارةً يزعم موقع الإذاعة المتطرفة أن تسمية فلسطين أطلقها الغزاة الرومان على إسرائيل، لتدمير انتماء اليهود بوطنهم، كما يُروّج بشكل دائم أن المملكة الأردنية الهاشمية هي فلسطين، وأن هذا هو الحل للفلسطينيين، أي ترحيلهم إلى الأردن.
لا يختلف الأمر مع فالتر بينغهام، الذي أجرى اللقاء مع السفير الألماني، والذي وصفه الأخير في تغريدته بالأسطورة الصحافية، إذ يصف سياسة الليبراليين اليساريين الإسرائيليين بالخيانية، وينفي وجود فلسطين. كما يعدّ القدس بأكملها عاصمةً لإسرائيل، ويدعم سياسة الاستيطان الإسرائيلية بشدة، ويؤيد تدمير القرى الفلسطينية وتهجير سكانها.
لا ينتقد السفير الألماني الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا يذكر الانتهاكات الإسرائيلية خلال حواره مع بينغهام، بحسب المادة المنشورة على موقع الإذاعة الإسرائيلي المتطرف، بل يتحدث بإسهاب عن مكافحة ألمانيا لمعاداة السامية، ويذكر التعاون الألماني – الإسرائيلي، وبخاصة في المجال العسكري والطيران الحربي، ويرى أن هنالك “قضية لإقامة دولة فلسطينية”، وأن هذا “ليس معاديًا للسامية”، وأن “الاعتراف بالدولة اليهودية يجب أن يكون التزاما لا لبس فيه من الجانب الفلسطيني، لإتاحة دولة فلسطينية”، كما أنه يرى “لإسرائيل مصلحة في عدم إضعاف السلطة الفلسطينية، لحاجتها في التنسيق الأمني”، ويؤكد أنه “صديق لإسرائيل، تهمه مصلحتها”.
راسلت وزارة الخارجية الألمانية للاستفسار، فجاءني الرد من المكتب الإعلامي الخاص بالوزارة، مؤكدًا أن “مواقف الحكومة الألمانية الاتحادية لم تتغير في ما يخص الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن ألمانيا تلتزم بحل الدولتين المتفق عليه”. وأضافت المتحدثة من المكتب الإعلامي للخارجية الألمانية، إستر فاغنر، في ردها، أنهم “يتحدثون باستمرار وبشكل واضح ضد السياسة الإسرائيلية المتمثلة في توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ ذلك أنها تنتهك القانون الدولي المعمول به، ويقوّض الجهود الرامية إلى حل الدولتين”. ونوّهت إلى المؤتمر الصحافي الذي جمع وزيرة الخارجية الألمانية، آنا لينا بيربوك، بنظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين، في زيارته لبرلين في الـ28 من شباط/ فبراير 2023، حيث أكدّت بيربوك أن “الخطوات الأحادية الجانب تعرّض الحل السياسي للخطر. وبناء المستوطنات، لا يتوافق مع القانون الدولي”.
لكن المتحدثة من المكتب الإعلامي لم تجب على أسئلتي في ما يخص عدم التزام سفيرهم في تل أبيب بقواعد هذه السياسة الخارجية، عن طريق إتاحة إذاعة متطرفة للمستوطنين الإسرائيليين إجراء مقابلة صحافية معه،وفي ما إذا كانت وزارة الخارجية الألمانية، ستصدر بيانًا رسميًا بهذا الشأن؛ في حين أنه من الوارد أن تكون المقابلة قد أُجريت في مستوطنة بيت إيل، الواقعة شمالي القدس على الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث مقرّ الإذاعة.
لذا عُدت لها بسؤالٍ واضحٍ مرةً أخرى مؤكدًا: “كيف تتوافق مقابلة السفير الألماني في إسرائيل مع إذاعةٍ يمينيةٍ متطرفة، تُعتبر منبرًا إعلاميًا لحركة الاستيطان الإسرائيلية مع المواقف الرسمية المذكورة من قبلكم؟”. وقمت بالتنويه، أنه في حال عدم حصولي على رد على هذا السؤال، فإن وزارة الخارجية الألمانية تتجنب التعليق على هذه الحادثة، التي تشكّل خرقا واضحا لسياسة ألمانيا الخارجية في ما يخص الصراع الفلسطينيّ – الإسرائيليّ. ولم أحصل حتى اللحظة على أي ردٍ من وزارة الخارجية الألمانية على سؤالي الأخير.
الحال لم يكن مختلفًا مع السفير الألماني، حيث قمت بمراسلته عبر البريد الإلكتروني الرسمي للسفارة الألمانية في تل أبيب، وبعد تذكيره بمواقف ألمانيا المتمثلة بإدانة الاستيطان، واعتبار الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة محتلة إسرائيليًا، طرحت عليه أسئلتي؛ “إن كان يعلم مسبقًا بأن ’عروتس شيفاع’، تُعدّ بمثابة إذاعة ناطقة بلسان المستوطنين في إسرائيل، وبمواقفها العنصرية المتطرفة قبل المقابلة؟” وأشرت إلى تنويه بعض الفلسطينيين والإسرائيليين -في معرض تعقيباتهم على تغريدته- إلى ذلك، و”لماذا لم يقم بالرد؟” وإن كان “سيقوم بتصريحٍ رسمي بهذا الخصوص لاحقًا؟”.
ولم يردّ السفير الألماني شتيفن زايبرت حتى هذه اللحظة، فهل يفرّق السفير بين صحافةٍ ناطقةٍ بالعبرية، أو بالإنجليزية، كإذاعة المستوطنين المتطرفة العنصرية المذكورة، وأخرى بالعربية؟ يبدو أنه لن تكون هناك إجابةً على هذا السؤال أيضًا.
المصدر: عرب 48