“السور الحديديّ” واستمرار البحث عن تعويض الفشل في غزّة
مثلما فعل منذ بداية الحرب وخلالها عندما استعصت على جيشه المهزوم غزّة الّتي كسرت هيبته كتائبها في السابع من أكتوبر، عاد نتنياهو، بعد سنة وثلاثة أشهر على حرب الإبادة الدمويّة الّتي لم تبق ولم تذر، وحوّلت القطاع كلّه إلى كومة ركام، عاد مرّة أخرى إلى البحث عن صور انتصارات ترضي غروره، وتسكت شهيّة شركائه من اليمين الاستيطانيّ المتطرّف، بعد خروج كتائب القسّام كطائر العنقاء من تحت “الرماد” بسلاحهم وعتادهم وزيّهم العسكريّ وسيّاراتهم الجديدة البيضاء رباعيّة الدفع في قلب غزّة المدينة الواقعة في شمال القطاع خلال تسليم الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليّين.
دولة كاملة حبست أنفاسها، بتعبير أحد الصحفيّين الإسرائيليّين، وبينما كان الإسرائيليّون يهيلون دموع الفرح على عودة بناتهنّ، دهش الجميع لرؤية المئات من عناصر حماس بزيّ عسكريّ جديد، وهم يرفعون السلاح ومن حولهم سيّارات “تويوتا” بيضاء جديدة، من تلك الّتي ستبقى محفورة بالذاكرة من السابع.
ولا بدّ أن تكون الضفّة الغربيّة هي الهدف، أوّلًا لأنّها توأم غزّة الفلسطينيّ وثانيًا بصفتها بؤرة مخطّطات الضمّ والاستهداف الاستيطانيّ الّتي تقف في مركزها خطّة سموترتش المسمّاة بـ “خطّة الحسم”، الّتي تسعى إلى إنهاء الصراع من خلال ضمّ الضفّة الغربيّة أو أجزاء واسعة منها وبسط السيادة الإسرائيليّة عليها بشكل رسميّ بعد أن جرى بسطها فعليًّا.
وإن كان سموترتش قد أنذر، رسميًّا، نتنياهو بالعودة إلى الحرب على غزّة بعد انتهاء المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى الّتي تستمرّ 42 يومًا، كشرط لبقائه في الحكومة، فإنّ الترجيح الغالب يتحدّث عن عمليّة مقايضة مع الضفّة الغربيّة، وهي الصفقة الّتي يرجّح أن يكون قد عقدها نتنياهو مع ترامب لدى موافقته على الصفقة الّتي كان قد رفضها في شهر أيّار من السنة الماضية.
في هذا السياق تأتي العمليّة العسكريّة الإسرائيليّة الواسعة، أو “الحرب الإسرائيليّة” على الضفّة الغربيّة الّتي بـدأت في جنين، والّتي تهدف إلى جانب التعويض والتعمية على فشل جيش الاحتلال وقيادته العسكريّة والسياسيّة في تحقيق أهدافهم المتمثّلة بالقضاء على المقاومة، وعلى سلطة حركة حماس في قطاع غزّة، كسر شوكة المقاومة وضرب بؤرها الساخنة بالمخيّمات ومدن شمال الضفّة الغربيّة أساسًا، في محاولة لتطويع الإرادة الشعبيّة الرافضة لمخطّطات الاستيطان والضمّ آنفة الذكر.
وقد سبق العمليّة العسكريّة الإسرائيليّة الّتي بدأت في جنين، ومن المرجّح أن تمتدّ إلى أنحاء الضفّة الغربيّة، نشر المزيد من الحواجز وإغلاق مداخل البلدات الفلسطينيّة بالبوّابات الحديديّة، والّتي حوّلت حركة التنقّل داخل الضفّة الغربيّة إلى شبه مستحيلة، ناهيك عن إطلاق العنان لسوائب المستوطنين لاقتحام بعض القرى الفلسطينيّة وترهيب سكّانها والاعتداء على ممتلكاتهم.
هذا فيما تسعى عمليّة “السور الحديديّ”، كما أطلق عليها، والّتي أعلن عنها رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو نفسه بشكل استثنائيّ، إلى استنساخ أنماط الحرب على غزّة، حيث أوردت صحيفة “هآرتس” إنّ المستشفيات شكّلت بؤرة النشاط العسكريّ للجيش الإسرائيليّ في اليوم الثاني للعمليّة (الأربعاء)، حيث سدّت قوّاته مداخل المستشفى الحكوميّ ومستشفى “الرازي” في جنين بأكوام التراب، وطالبت نزلائهما من المرضى بمغادرتهما، فيما نقلت الصحيفة عن شهود عيان مشاهدتهم لجنود يعتقلون نزلاء بملابس المستشفى.
وذلك في إشارة إلى استهداف المستشفيات، إضافة إلى تجريف الشوارع وتخريب البنى التحتيّة، إلى جانب تكريس استخدام المروحيّات والمسيرات الّتي بدأت إسرائيل باستخدامها في مخيّمات ومدن الضفّة خلال الحرب على غزّة، وتعمّد إيقاع العدد الأكبر من الضحايا في صفوف المدنيّين الفلسطينيّين.
المصدر: عرب 48