السينما الجزائريّة تسعى إلى انطلاقة جديدة
رغم ظهور جيل جديد من السينمائيّين، يضطرّ هؤلاء إلى بذل جهد كبير لإخراج فيلم، وأبلغ مثال على ذلك الصعوبات الّتي عاناها المخرج امير بن صايفي (39 عامًا).
تبحث السينما الجزائريّة الّتي شهدت عصرها الذهبيّ في سبعينات القرن العشرين ثمّ مرحلة من الانحدار في الثمانينات والتسعينات، عن انطلاقة جديدة، فيما تتّسم مواقف السلطات في شأن مستقبل الفنّ السابع بالتفاوت والتقلّب.
بعد الاستقلال في عام 1962، كان عدد قاعات السينما في الجزائر يبلغ 450، لكنّه بات يقتصر اليوم على بضع عشرات. وكان لديها متحف سينمائيّ مشهور، فيما كانت الأعمال الّتي تنتجها تتّسم بالجودة العالية، توجّها في 1975 فوز محمّد لخضر حمينة بجائزة السعفة الذهبيّة في مهرجان كان عن فيلمه “وقائع سنين الجمر”.
واعتبارًا من الثمانينات، شهدت الجزائر “اختفاء تدريجيًّا لقاعات السينما، وصناعتها، ومواهبها” بفعل عاملين هما “غياب الاستقرار السياسيّ” والأزمة الاقتصاديّة، على ما لاحظ المنتج والناقد السينمائيّ أحمد بجاوي، المعروف بـ “سيّد السينما” في الجزائر.
وتفاقم هذا الانحدار خلال “العشريّة السوداء” من الحرب الأهليّة بين الحكومة والمجموعات الإسلاميّة (1992-2002)، مع رحيل الكثير من المهنيّين العاملين في هذا المجال وإغلاق المزيد من قاعات السينما الّتي وصفت من بعض المتطرّفين بأنّها “أماكن للانحلال الخلقيّ”.
وذكر بجاوي بأنّ “السينمائيّين في الشتات، مثل ندير مخناش أو رشيد بوشارب، ملأوا الفراغ” خلال هذه المرحلة المظلمة “بإخراج أفلام عن الجزائر”.
في الآونة الأخيرة، أظهر الرئيس عبد المجيد تبون “إرادة سياسيّة وإصرارًا على دعم السينما”، بحسب بجاوي، من خلال استحداث “هيئة وطنيّة” في كانون الأوّل/ ديسمبر الفائت للإشراف على العمل السينمائيّ، وتشجيع النهوض به، تتمثّل مهمّتها في “تحفيز الإنتاج المحلّيّ للأفلام وتعزيز المواهب المحلّيّة”.
وعلى النقيض من ذلك أقرّ المجلس الشعبيّ الوطنيّ (البرلمان)، في الرابع من آذار/مارس، قانونًا يهدّد بالسجن أيّ صاحب إنتاج سينمائيّ ينتهك الدين، أو تاريخ حرب الاستقلال، أو الأخلاق. وهو ما وصفته المخرجة صوفيا جاما بـ”قانون العار”.
وكتبت المخرجة عبر صفحتها على شبكة فيسبوك “بالأمس الصحافة، واليوم السينما، وغدًا الأدب، والرسم، وأيّ شكل من أشكال الإبداع والتعبير الّذي لا يناسبهم، سيتمّ حظره”.
ومع أنّ الرئيس تبون أكّد منذ بداية ولايته في كانون الأول/ديسمبر 2019 رغبته في “وضع صناعة السينما في قلب برنامجه”، من خلال إنشاء وزارة للصناعة السينماتوغرافيّة، وفق ما أشار إليه المخرج بشير درايس. صرف النظر عن هذه الوزارة بعد عام واحد فحسب بسبب النزاعات مع وزارة الثقافة.
ودعا بجاوي إلى “المزيد من الحرّيّة للسينمائيّين”، مشيرًا إلى أنّ “السينما الجزائريّة غنيّة بمواهبها وفقيرة بمواردها”.
ورغم ظهور جيل جديد من السينمائيّين، يضطرّ هؤلاء إلى بذل جهد كبير لإخراج فيلم، وأبلغ مثال على ذلك الصعوبات الّتي عاناها المخرج امير بن صايفي (39 عامًا).
وقال صايفي في خلال مهرجان للسينما في بجاية (شرق) حضره عدد كبير المشاهدين “لم أحصل على تمويل، إنّه إنتاج من تمويلي. ثمّة العديد من المحترفين الجزائريّين الّذين آمنوا بالمشروع وجميعهم منتجون لفيلمي”.
أمّا زميلته إيمان عيادي (34 سنة)، فوجدت تمويلًا في فرنسا، لكنّ الفيلم “صور في الجزائر بالعربيّة وبفنّيّين وممثّلين جزائريّين”.
لكنّ فؤاد تريفي، وهو مساعد مخرج وشريك مؤسّس لأوّل وكالة لاختيار الممثّلين في الجزائر، شدّد على أنّ الجزائر تظلّ “بلدًا للسينما”.
ورأى أنّ “ثمّة فعلًا طاقة، ورغبة. هناك جمهور، وهو ما نلمسه خلال المهرجانات”، إذ أنّ القاعات تكون ممتلئة عن بكرة أبيها.
واعتبر بشير درايس أنّ “النقص الحادّ في قاعات العرض” يحول دون تطوّر القطاع ويجعله “مقتصرًا على العروض الخاصّة والانتشار المحدود جدًّا”، داعيًا من هذا المنطلق إلى “الاستثمار في دور السينما المتعدّدة الصالات”.
وافتتح أوّل مجمّع من هذا النوع في آب/أغسطس 2023 في مدينة الشراقة بضواحي العاصمة الجزائر، ضمن مركز “غاردن سيتي” التجاريّ، ويضمّ أربع صالات بمساحة 990 مترًا مربّعًا. وخلال ستّة أشهر، حقّق أرباحًا بلغت 90 مليون دينار (أكثر من 670 ألف دولار)، وفقًا لمديره رياض آيت عوديّة.
وإذ أشارت مسؤولة التواصل ريم خالدي إلى أنّ “جمهورًا كبيرًا حضر الافتتاح”، أبرزت أنّها “أوّل دار سينما بهذا الحجم”، مؤكّدة الالتزام بـ “تشجيع الأفلام الجزائريّة” للنهوض بالسينما الوطنيّة.
المصدر: عرب 48