العالم سيصدم من مشاهد الدمار
محللون إسرائيليون: “لا يوجد أي بيت صالح للسكن في المنطقة التي عمل فيها الجيش الإسرائيلي على الأرض. ومؤشرات في المواصي على انتشار الديزنطاريا. وخطوات أميركية للجم إسرائيل ستسرع الصدام بين بايدن ونتنياهو”
دمار في حي الزيتون، أمس، جراء قصف الاحتلال (Getty Images)
يسود إجماع لدى القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية حول شن عملية عسكرية برية كبيرة في جنوب قطاع غزة، بعد انتهاء الهدنة التي بدأت صباح اليوم، الجمعة، وتستمر لأربعة أيام، يتم خلالها تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل. لكن محللين عسكريين إسرائيليين يشككون في إمكان استئناف الحرب بعمليات عسكرية كالتي جرت قبل الهدنة.
وبحسب المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، فإن مناورة برية في جنوب القطاع، وفي خانيونس تحديدا بادعاء تواجد قادة حماس في أنفاق هناك، ستستغرق أشهرا لكنها ستواجه صعوبات. ففي هذه المنطقة “تتجمع قدرات حماس العسكرية كلّها والتي لم تتضرر. وثانيا، تجمع في جنوب القطاع قرابة مليوني مواطن، فيما بقي أقل من 80 ألف فلسطيني في شمال القطاع، حسب التقديرات. والجيش الإسرائيلي يتحدث عن دفعهم نحو مناطق إيواء داخل القسم الجنوبي، وليس واضحا أبدا إذا كان هذا ممكن”.
وأضاف هرئيل أنه بالرغم من الدعم الأميركي للحرب الإسرائيلية على غزة، واعتبار الولايات المتحدة أن وقف إطلاق النار مؤقت، سيستأنف الجيش الإسرائيلي بعده عملياته العسكرية، “لكن إدارة بايدن تتحفظ من طبيعة العمليات العسكرية المخطط لها في جنوب القطاع، ولا تزال مذهولة من رفض نتنياهو القاطع للتداول بمجمل سيناريوهات ما بعد الحرب”.
وتابع أنه “من الجائز أن النتيجة ستكون بتركيز ضغط أكبر على إسرائيل كي تمتنع عن هجوم ساحق في جنوب القطاع. وما يراه الأميركيون أمام أعينهم مختلف كليا عما يخططه له الجيش الإسرائيلي. وهم يتوقعون تقليص القوات الإسرائيلية في شمال القطاع، وإنشاء منطقة أمنية عازلة يتم إنفاذها بشكل صارم من خلال إطلاق نار على طول الحدود، وبعد ذلك اقتحامات موضعية للجيش الإسرائيلي في شمال القطاع”.
ويأتي موقف إدارة بايدن على خلفية الانتقادات الداخلية من جانب ناخبين شبان وتقدميين في الحزب الديمقراطي ضد دعم جو بايدن لإسرائيل، والذي بات اليسار الأميركي يلقبة بـ”الإبادة الجماعية جو”.
وأشار هرئيل إلى أنه “مع مرور الوقت، قد يتم التعبير عن التحفظات الأميركية بطبيعة المساعدات العسكرية المتواصلة لإسرائيل. والجيش الإسرائيلي متعلق بالكامل بالولايات المتحدة، وخاصة بتزويد ذخائر معينة. واستخدام الجيش الإسرائيل للذخائر، في قتال داخل منطقة مبنية ومكتظة، أكبر بكثير من التوقعات المسبقة”.
وتوقع هرئيل أن “خطوات أميركية للجم إسرائيل ستسرع الصدام بين بايدن ونتنياهو. ومع مرور الوقت تتعزز التقديرات أن وجهة نتنياهو نحو حرب طويلة، وذلك لاعتبارات سياسية داخلية أيضا. وهدنة متواصلة في القتال تعني قلب الساعة الرملية السياسية، وليست لمصلحة نتنياهو. وعائلات المخطوفين والقتلى واللاجئين (الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم عن بيوتهم)، الذين حافظوا على موقف رصين حتى الآن، من شأنها أن تزيل القفازات. وفي موازاة ذلك، يمكن أن تنشأ عاصفة كبيرة في اليمين، الذي يطالب الكثيرون فيه بعدم وقف القتال إلى حين استسلام حماس، مثلما تعهد نتنياهو وغالانت من دون معرفة كيف سينفذان ذلك”.
واعتبر هرئيل أن “القلق الأميركي نابع من الوضع الإنساني أيضا، الذي تصر إسرائيل من خلال ذرائع غريبة على الادعاء أن الوضع لا يصل إلى درجة أزمة”. وأضاف أن “وضع القطاع تدهور جدا في أعقاب الحرب. ومعظم البنية التحتية والمباني في شمال القطاع هُدمت بالكامل في القتال، وتوجد صعوبة متزايدة في الجنوب بتزويد أكثر الاحتياجات الأساسية للسكان. ولا يوجد أي بيت صالح للسكن في المنطقة التي عمل فيها الجيش الإسرائيلي على الأرض. وفي المنطقة الزراعية في المواصي، في جنوب القطاع والتي يتجمع فيها عشرات آلاف اللاجئين، توجد مؤشرات على انتشار الديزنطاريا (الزحار) نتيجة مشاكل بتزويد المياه”.
ورغم أن للحروب منطقها الخاص، لكن لا يوجد في الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة أي منطق وأي تبرير عقلاني. وأشار هرئيل إلى أن “إسرائيل تعاني من تقديرات مبالغ بها حول استعداد المجتمع الدولي لتنظيف أضرار الحرب التي خلفتها في غزة. فلا الولايات المتحدة ولا دول الخليج متحمسة لتنفيذ ذلك، ولا يبدو حاليا أنه يوجد نظام دولي يسمح باستقرار الوضع هناك، وذلك من دون الحديث عن الاستثمارات المالية الهائلة المطلوبة، إذا تم الإعلان عن نهاية الحرب”.
وبحسب هرئيل، فإن “التقديرات في إسرائيل هي أن حوالي 15 ألف فلسطيني قُتلوا في الحرب وأن آلاف الجثث لا تزال مدفونة تحت الأنقاض التي دمرها القصف. وفي بعض الحالات يدور الحديث عن عناصر حماس الذين دُفنوا في الأنفاق. وتقدر إسرائيل أنه قُتل حوالي 5 آلاف من عناصر حماس”.
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوسي يهوشواع، أن لرئيس حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، “خطة منتظمة لوقف كامل للعملية الهجومية الإسرائيلية في غزة. والخطوة الأولى على ما يبدو هي صفقة صغيرة جدا، لكن الاحتمال الكامن فيها هو ليس انتعاش قواته فقط، وإنما سلسلة أنشطة من شأنها أن تؤدي إلى إنهاء الحرب”.
وأضاف أن “إحدى الخطوات، على سبيل المثال، ستكون إدخال وسائل إعلام دولية، وخاصة أميركية، من أجل أن يكشف أمامهم صورا لا يعرفها الجمهور الإسرائيلي أيضا: غزة المدمرة والمهدمة بعد قصف مكثف من جانب سلاح جو مستَنفر وعصبي المزاج. وهناك موتى وجرحى فوق وتحت الأرض. وبدون شك، ورغم أننا نشعر بأننا محقين، العالم سيُصدم”.
وتابع يهوشواع أن “المستشفيات المؤقتة التي أقيمت في القطاع، إلى جانب المساعدات التي ستدخل من مصر ودول أخرى، ستضع مصاعب أمام الجيش الإسرائيلي لتنفيذ مناورة برية واسعة، وستقود أيضا إلى زيادة الضغط الدولي من أجل وقف إطلاق نار مطلق”.
وأشار: “من هنا، فإن العملية العسكرية في خانيونس في جنوب القطاع، التي من دونها لا توجد أي قيمة للكلمات ’انهيار حكم حماس’، موجودة في خطر ملموس. وفي واقع كهذا، أقدمت الحكومة على مخاطرة بموافقتها على صفقة تبادل أسرى صغيرة، وذلك حتى لو صدرت مصادقة أميركية على استمرار العملية العسكرية فإنها ستنتهي باحتلال الأحياء الشرقية في شمال القطاع – جباليا والزيتون – ومناطق أخرى، لكن الجنوب سيستخدم كحصن لقيادة حماس التي فرت من الشمال”.
المصدر: عرب 48