العزوف عن المشاركة الشعبية في الفعاليات المناهضة للعنف والجريمة.. لماذا ومن المسؤول؟

طرأ تراجع كبير على المشاركة الشعبية في الفعاليات والنشاطات والمظاهرات والإضرابات التي تقودها لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في البلاد، ضد العنف والجريمة المستشرية في المجتمع العربي، وآخر هذه المظاهرات نظمت يوم 8 شباط/ فبراير 2025 في مدينة أم الفحم.
تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
يلاحظ أنه منذ المظاهرة الحاشدة التي شهدتها مجد الكروم، يوم 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي جاءت في أعقاب جريمة قتل ثلاثة شبان من البلدة، تراجع واضح في أعداد المشاركين في الفعاليات على الرغم من ازدياد الجرائم.
يمر المجتمع العربي في حالة من التيه والإحباط إثر الشعور بالعجز وعدم القدرة على تغيير واقعه المكلوم، بسبب تواطؤ الشرطة الإسرائيلية مع عصابات الجريمة وهي غير راغبة في محاربتها لدوافع وأبعاد سياسية، وأداء بعض القيادات العربية الضعيف، إلى جانب الاستنتاج بعدم جدوى الحراك ضد العنف والجريمة، وعدم تحقيق أي نتائج ملموسة.
غياب الفاعلية

في رده على سؤال "عرب 48" حول ما إذا كانت الأسباب تتعلق بالخوف أو الإحباط، أو عدم القدرة على التأثير وتغيير الواقع، أو فقدان الثقة بالقيادة وأساليب النضال، قال الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، خالد عنبتاوي، إنه "مبدئيا، كل الأسباب التي ذكرت مجتمِعة تفسّر حالة غياب الفاعلية. هناك حالة من انسداد الأفق، سواء على المستوى العام وما يشعر به المواطنون العرب على مستوى الخارج والداخل في أراضي 48، هناك حالة انحسار وفقدان للثقة بالوكالة والفاعلية".
وأضاف عنبتاوي أن "هناك انسداد أفق إقليمي، وانسداد أفق على مستوى فلسطيني عام، وفي الداخل، بالإضافة إلى حالة استشراء الفاشية وتفاقم العداء لكل ما هو فلسطيني وقضم هوامش العمل السياسي. هناك أيضا آفة اجتماعية تهدد كياننا الاجتماعي ألا وهي انتشار عصابات الجريمة والعنف، التي تتحوّل تدريجيا إلى سلطة تمارَس علينا وتدفع البعض حتى للبحث عن أماكن أخرى للعيش (الهجرة)، والأبحاث تشير إلى أن قطاعات واسعة تفكّر بالهجرة ولا تستبعد الرحيل إلى أماكن أكثر أمنا. هذا بطبيعة الحال يبث شعورا بالعجز وقلة الحيلة وفقدان البوصلة، تضاف إلى القمع واستشراء الفاشية – كما ذكرت -الذي يولد حالة من الخوف، فتنتج هنالك حالة مركّبة من الخوف واليأس معا، وهذا يضعف مساحات الأمل عند الناس على التفكير بقدرتها على التأثير على مستقبلها ومصيرها".
وتابع يقول "لذلك على النخبة السياسية وأحزابنا ومؤسساتنا أن تدرك هذه الحالة وتفهمها وتستوعبها وتحاول خط طرق وأساليب إبداعية لإعادة ثقة الناس أولا بالعمل السياسي وبالأساس رفع ثقة الناس بقدرتها على الحراك وهذا طبعا يتطلب طرق إبداعية – كما ذكرت – تطمئن الناس وتمكنهم من المشاركة في مسارات عمل معينة وليس فقط وقفات ومظاهرات، وضرورة تنظيم مؤسسات تمنح الأمان للناس وتعزز صمودهم لكي لا يشعروا بأنهم كالأيتام، مؤسسات حقوقية وتربوية واجتماعية وعلى كافة المستويات، هذا برأيي قد يساهم في كسر حالة اليتم وبداية رسم الطريق لاستعادة ثقة الناس بنفسها".
إدانة لإسرائيل

وقال رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة، لـ"عرب 48" إن "تراجع المشاركة الشعبية في المظاهرات بدأت تلاحظ بعد الحرب الأخيرة على غزة، فقبل ذلك كانت مشاركات بعشرات الآلاف ضد قانون القومية عام 2018 وضد العنف والجريمة وفي المناسبات الوطنية، وفي يوم الأرض 2023 وغيرها، لكن السبب الرئيسي لتراجع المشاركة في المظاهرات هو وقوع جرائم، بشكل يومي، وهناك حالة خوف، وحالة إحباط وقلق، يرافقها ملاحقات واعتقالات".
وأضاف بركة أن "تراجع المشاركة في المظاهرات ليس فيه إدانة للناس وللجماهير، وإنما إدانة لإسرائيل، والمشاركة في المظاهرات أيا كانت دوافعها سياسية أو اجتماعية هي مشتقة من جو الإرهاب الذي فرضته إسرائيل على العمل السياسي وعلى التحرك في الشارع".
وتابع أن "الناس ما زالت على مواقفها ضد الحرب وضد الجريمة وضد اقتحامات المسجد الأقصى، فالجماهير الشعبية لم تغير من مواقفها، لكن العنصر الجديد الذي دخل إلى المعادلة بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هو أن إسرائيل تحوّلت إلى دولة تمارس الإرهاب على المواطنين العرب، وأجهزة الأمن لم تتورّع ولم تتردد في اعتقال رئيس لجنة المتابعة وعدد من القيادات ونواب سابقين في الكنيست في بداية الحرب، وهذا أعطى رسالة واضحة للناس بأن لا أحد في مأمن من الملاحقة والاعتقال. لذلك أنا لا أعتب على الناس التي ما زالت على أصالتها ومواقفها لم تتغير. علينا أن نكسر حاجز التخويف والترهيب الذي وضعته إسرائيل، وأعتقد أن مظاهرة أم الفحم يوم السبت الأخير كانت خطوة مهمة في هذا الطريق، وكسر حاجز الإرهاب والتخويف. طبعا هي لا تقارن بمظاهرة مجد الكروم ويوم الأرض ومظاهرة تل أبيب التي شارك فيها 80 ألف متظاهر، لكنها تقارن بالنشاطات التي نظمت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
خوف وإحباط

وقالت مديرة مركز "مدى الكرمل"، د. عرين هواري، لـ"عرب 48" إنه "برأيي، هناك عدة أسباب قد تأتي لتفسر تراجع المشاركة الشعبية في المظاهرات ضد الجريمة، ولكن دون أن تبرر التراجع الكبير وأحيانا الانكفاء عن المشاركة في التظاهرات ضد الجريمة، وقبل ذلك وربما أهم من ذلك ضد حرب الإبادة والتجويع ومساعي التهجير لشعبنا في قطاع غزة، وضد تصاعد القتل والقمع في الضفة الغربية، وضد الإمعان الإسرائيلي في تعذيب الأسرى في السجون. فمن ناحية أدت الضربة التي تلقتها إسرائيل إلى تصعيد كبير وربما غير مسبوق منذ عقود في سياسات القمع والملاحقة لأي نشاط سياسي، وكذلك لأي سلوك ولو فردي ضد الحرب، وسبق ذلك ملاحقات لمن شارك في 'هبة الكرامة' وصدور أحكام قاسية بحق عدد كبير من معتقلي الهبة قبل وبعد الحرب على غزة. وكذلك ملاحقة إسرائيل حتى للحراكات المحليّة ضد الجريمة وضد أداء الشرطة الإسرائيلية. يضاف إلى ذلك أن الحرب على غزة وتصاعد الجريمة جاءا في ظل تراجع وضعف المركز السياسي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، وتفكك 'القائمة المشتركة' التي لم تأت أصلا بالدور المطلوب وربما قامت بدور عكسيّ".
وأضافت هواري أن "هذه الأمور مجتمعة زادت من منسوب الخوف بشكل كبير، ولكن في نفس الوقت ولدّت إحباطا وثم المزيد من الإحباط. الخوف قد يعيق الفاعلية السياسية والاجتماعية، ولكن الإحباط وهو العدو الأشرس من شأنه أن يقضي عليها. الإحباط عدو لأي مشروع وطني أو اجتماعي أو حتى لأي عمل تكافلي، لأن الإنسان يحتاج لكي يقوم بأي نشاط أن يقتنع أن هناك أثرا ومعنى ولو كان متواضعا لأي أمر يقوم به. لذا أرى أننا أمام تحد، ليس فقط محاربة الخوف وإنما محاربة الإحباط من خلال التشجيع والدفع بأي عمل أو نشاط يحاول أن يؤثر في القضايا العامة، سواء كانت ضد تجويع وتهجير شعبنا وضد فرض أي حل سياسي عليه، أو كان نهوضا لمحاربة الجريمة والإبادة المجتمعية داخل الخط الأخضر، أو حتى تنظيف شارع من القمامة التي كادت بعض مدننا وقرانا تغرق فيها، أو حتى أي عمل تكافلي داخل المجتمع".
جدوى المشاركة

وقال الناشط السياسي، محمد كيال من جديدة – المكر، لـ"عرب 48" إن "المشاركة في المناسبات العادية واليومية في المجتمع العربي لا زالت كبيرة، والدليل على ذلك المشاركة في جنازة الطبيب المغدور عبد الله عوض من قرية المزرعة، مؤخرا، كانت بالآلاف وكذلك الذين حضروا إلى بيت العزاء يعدون بالآلاف أيضا. لكن السبب الأساسي لتراجع عدد المشاركين في الفعاليات الاحتجاجية يعود بالأساس إلى الشعور بأنه لا جدوى من هذه المظاهرات، خاصة بأنها تنظم بترخيص من الشرطة، والكل يعلم بأن الشرطة هي المشكلة، لأن الاعتقاد السائد وأقل ما يمكن أن يقال عن الشرطة بأنها متقاعسة، إن لم تكن شريكة، ونحن باستمرار نوجه النقد إلى الشرطة، بينما في الواقع المسؤولية هي على الحكومة الإسرائيلية، والشرطة هي واحدة من الوزارات في هذه الحكومة وسياساتها العليا الرافضة لمعالجة قضية العنف في المجتمع العربي".
وأضاف أن "هناك حالة من الملل لدى الكثيرين ممن يرون بأن هذه المظاهرات غير مجدية، وهذه المظاهرات لا يراها سوى المشاركون فيها وهي لا تغير جدول عمل الحكومة ولا تؤثر على موقع اتخاذ القرار، وهؤلاء المشاركون يعلمون جيدا بأن الشرطة متقاعسة وأن الحكومة غير جادة بمكافحة الجريمة، لذلك ليس لديهم القناعة بأن هذا النوع من المظاهرات ممكن أن يؤثر على سياسة الحكومة بشكل عام وعلى وزارة الشرطة بشكل خاص".

وقالت الطالبة الجامعية والناشطة السياسية، هناء ظاهر، من الناصرة، لـ"عرب 48" إن "الجمهور العربي وصل إلى قناعة بأنه بهذه الأدوات لا يمكن تحقيق أي نتيجة. مؤسف جدا أننا نحتاج إلى إذن وترخيص من السلطات الإسرائيلية لكي يسمح لنا بتنظيم مظاهرة!!
وردا على سؤال حول كيفية النضال لانتزاع الحق بالعيش الآمن، قالت ظاهر "بالانتزاع.. والانتزاع لا يعني القيام بعمل غير قانوني، وإنما بمجرد إعلان الإضراب التام والشامل، وقيادة حراك شعبي سلمي قانوني نستطيع من خلاله تحقيق أهدافنا، لكن هذا الأمر يتطلب قيادة حقيقية، وتضحية أحيانا".
وختمت ظاهر حديثها بالقول إن "آخر مشاركة كانت لي في المظاهرة التي نظمتها لجنة المتابعة في كفر كنا، مع بداية السماح بالتظاهر ضد الحرب على غزة، وهناك لم أشعر بأنني جزء من أبناء شعبي بقدر ما شعرت أنني أداة بيد مجموعة جاءت لتضاعف قهري".

وقال سكرتير التجمع الوطني الديمقراطي في الناصرة، عطية دراوشة، لـ"عرب 48" إن "الحراك الشبابي يفقد الأمل، نتيجة فشل معالجة قضية الجريمة والعنف بالإضرابات والمظاهرات، بالإضافة إلى أن لجنة المتابعة لا زالت تعمل بأدوات قديمة ولم تقم على مدار السنوات بتطوير أدائها النضالي في القضايا التي تخص جماهيرها".
وأضاف أنه "كناشط سياسي متواجد باستمرار في الميدان، لم أعد أسمع عن نشاطات وفعاليات المتابعة بشكل كاف".
وختم دراوشة حديثه بالقول إنه "على مستوى الناصرة لا توجد لجنة شعبية ولا بلدية مهتمة بتحريك العمل الجماعي لاجتثاث ظاهرة العنف وإعطاء الأمل للشباب في حين أن العنف هو وباء قاتل يجب محاربته بكل الوسائل".

وقالت الناشطة المجتمعية، خلود أبو أحمد، من الناصرة، لـ"عرب 48" إن "الخوف والإحباط هما العنصران الأساسيان، لردع المواطنين العرب من المشاركة في الفعاليات، فحالة الإحباط تسيطر على المجتمع العربي بأكمله نتيجة الشعور بالعجز، أما مصدر الخوف فهو المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وما تركته في نفوس المواطنين العرب في السنة الأخيرة، من قمع للحريات والتضييق على حرية التعبير عن الرأي".
وأضافت أنه "زِد على ذلك شعور المواطنين العرب بأن لا شيء يتغير، سواء شاركوا في الفعاليات أم لم يشاركوا. أرفض توجيه أصابع الاتهام فقط للقيادة العربية فالناس هي القيادة، والناشطون هم نبض الشارع، وإن كانت القيادة تعمل بأساليب بدائية ولم ترتق لمستوى الحدث، وتقتصر قراراتها على وقفات احتجاجية هنا وهناك، والإضرابات، فإن الحلول تكمن في المجتمع المنظم الذي يعيد الأمل للمواطنين على الرغم من صعوبة الظروف".
وختمت أبو أحمد بالقول إنه "على سبيل المثال، لا يعقل أن يُقتل طبيب عربي وأن تستمر الحياة كما لو أن شيئا لم يحدث، في حين أن 40% من العاملين في الجهاز الصحي هم عرب، فلو كنا نعيش في مجتمع منظم ويملك الجرأة لتعطلت المؤسسة الصحية في اليوم التالي لإرغام السلطات على توفير الحلول".
اقرأ/ي أيضًا | مجد الكروم: مظاهرة جماهيرية حاشدة تصديا للعنف والجريمة
اقرأ/ي أيضًا | ما بعد يوم الأرض: عزوف الشباب عن المناسبات الوطنية
المصدر: عرب 48