العنصرية تحاربنا في لقمة عيشنا
ازدادت الأجواء عنصرية وعدائية في البلاد منذ السابع منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ويواجه سائقو سيارات الأجرة العرب العنصرية بأبشع صورها، إنهم “يحاربونا في لقمة عيشنا”.
بعد نهاية يوم عمل طويل ومرهق، عاد سائق سيارة الأجرة، محمد جوابرة من سكان مدينة كفر قاسم، إلى منزله محملًا بعِبْء جسدي واقتصادي، لكن الأشد إيلامًا بالنسبة له هو الإرهاق النفسي الذي يلازمه من جراء التمييز العنصري الذي يتعرض له بشكل يومي خلال عمله في البلاد.
يعيش سائقو سيارات الأجرة العرب في الداخل الفلسطيني حالة من المعاناة العميقة التي تتجاوز الحدود الاقتصادية إلى أبعاد نفسية واجتماعية قاسية في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. هذه الشريحة من المجتمع، التي لطالما كانت غائبة عن أذهان الكثيرين، تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة.
منذ بدء الحرب، تأثر اقتصاد سائقي سيارات الأجرة بشكل كبير، إذ تراجع الدخل بشكل ملحوظ مع غياب أي تعويض أو دعم يمكن أن يخفف من حدة هذه الأزمة من قبل الحكومة، لكن ما يزيد من هذه المعاناة تراكم المشاعر السيئة نتيجة العنصرية والتمييز، حيث يُنظر إلى هؤلاء السائقين بعين الشك والريبة فقط لأنهم عرب.
العنصرية التي يتعرض لها سائقو سيارات الأجرة العرب ليست مجرد حوادث فردية عابرة، بل إنها نمط يومي يعيشه السائق في كل مرة ينطلق فيها إلى عمله. يجدون أنفسهم في حيرة إزاء كيفية التعامل مع زبائن يرفضون ركوب سياراتهم أو يتجنبونهم بشكل متعمد، بالإضافة إلى الإهانات والتهديدات التي تتصاعد لتترك أثرا نفسيا عميقا.
هذه المعاناة ليست فردية، بل تمثل واقعًا يعيشه آلاف السائقين العرب داخل إسرائيل، يشعرون بأنهم بلا سند أو دعم في مواجهة هذه التحديات. في ظل غياب أي تدخل جاد من السلطات لتعويضهم عن خسائرهم أو حماية حقوقهم، يجد هؤلاء السائقون أنفسهم لوحدهم في معركة يومية للحفاظ على رزقهم وكرامتهم، في مجتمع يزداد فيه التمييز والعنصرية ضدهم يومًا بعد يوم.
بالإضافة إلى المعاناة الاقتصادية والنفسية التي يواجهها سائقو سيارات الأجرة العرب، يبرز جانب آخر من هذه المأساة يتمثل في تعرض البعض منهم للضرب والاعتداء الجسدي وحتى السرقة. في كثير من الأحيان، يجد السائقون أنفسهم عرضة لأعمال عنف مفاجئة، سواء من زبائن عدائيين أو من أفراد يستهدفونهم فقط لأنهم عرب. هذه الاعتداءات لا تتسبب فقط في إصابات جسدية، بل تزيد من شعورهم بالخوف وعدم الأمان في ممارسة عملهم. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، يجد السائقون أنفسهم في حالات اضطرارية لمواصلة العمل على الرغم من الأخطار سعيا لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم، مما يفاقم أزمتهم ويضيف بُعدًا جديدًا لمعاناتهم اليومية.
ضياء برانسي – الطيبة
يروي برانسي تجربته مع العنصرية التي واجهها قبل وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويوضح أن هذه الحوادث لم تكن جديدة، ولكنها تضاعفت بعد هذه الحرب، ويقول إنه “كنا نواجه العنصرية تجاهنا حتى قبل السابع من أكتوبر، ولكن بعده تضاعفت الحوادث بشكل ملحوظ. ما يحدث غالبًا هو أن المواطن اليهودي عندما يرى أن السائق عربي يقوم بإلغاء الطلبية، أو حتى يصل الأمر أحيانًا إلى أن أكون قد وصلت إلى منزل الزبون، ولكنه يرفض الركوب ويلغي الطلبية. وهكذا أعود دون عمل، بعد أن أهدرت وقتي وجهدي، وكل ذلك بدافع عنصري”.
يصف برانسي مشاعر الإرهاق والإحباط التي تتولد بسبب تكرار مثل هذه الحوادث. ويقول إنه “نشعر بالإرهاق الشديد، فأنت تخرج للعمل طوال اليوم، لكن كل ما تتلقاه هو الإلغاءات المتكررة. هذا الأمر يدخلنا في حالة من اليأس والإحباط، ويؤثر على حياتنا النفسية وعلاقتنا مع العائلة والمحيط”.
ويضيف أن هناك مواقف معينة تكون أكثر استفزازًا، حيث يُراقب السائقون كيف أن الزبائن يرفضونهم ويختارون سائقين يهود بعد إلغاء طلباتهم، “في كثير من الأحيان نراقب كيف أنه بعد إلغاء الطلبية يأتي سائق يهودي ويقوم بنقل الشخص. بالنسبة لنا، هذا هو مصدر رزقنا الوحيد، وغالبًا ما يكون السائق هو المعيل للعائلة”.
بعد أزمة كورونا، يشير برانسي إلى أن الوضع أصبح أصعب، “بعد فترة كورونا، الوضع أصبح أصعب بكثير. في بعض الأحيان، لا يتجاوز مدخول السائق 100 شيكل، والمشكلة تتفاقم أكثر فأكثر”.
ويضرب مثالًا على النقاشات السياسية والمواقف المتطرفة التي يواجهها مع الركاب، “أيضًا، نجد أنفسنا في نقاشات سياسية مع الركاب الذين يتحدثون بأمور متطرفة بشكل متعمد لاستفزازنا لأننا عرب. وبعد أن نقلّهم يمنحونا تقييمًا منخفضًا، والتقييم مهم جدًا للسائق. في بعض الأحيان يصل الأمر إلى السب والشتم، وفي التطبيق تجد تعليقات مثل لا نريد عربا أو نريد سائقًا يهوديًا”.
يختم برانسي كلامه بالإشارة إلى محاولات التواصل مع تطبيقات النقل لتقديم المساعدة، لكن دون جدوى، “توجهنا كثيرًا إلى تطبيق النقل للحصول على المساعدة، ولكن دون جدوى. هذه المشكلة تواجه الجميع”.
محمد جوابرة – كفر قاسم
يروي محمد جوابرة تجربته الشخصية التي تعكس مدى تفاقم العنصرية بعد السابع من أكتوبر، يقول إن “العنصرية تفاقمت بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر. عندما يعرفون أن اسمي ‘محمد’ يقومون مباشرة بإلغاء الطلبية. كل يوم يتكرر هذا السيناريو”.
ويتابع جوابرة بسرد يومه السابق “منذ يوم أمس، تم إلغاء ثلاث سفريات كانت متاحة لي. في اليومين الأخيرين، لم أتمكن من إدخال شيكل واحد”.
يستذكر حادثة وقعت معه في المطار: “في حادثة وقعت حديثا، ذهبت إلى المطار، وحين وصلت لاحظت الزبونة أنني أتحدث بلهجة عربية، فقامت بإلغاء الطلبية هي ومن معها، وذهبت إلى سائق يهودي. أبلغت الأمن بالأمر، لأنني كنت في دوري للطلبية، ولكنهم لم يفعلوا شيئًا وقالوا إن هذا شأنهم الخاص”.
كما يشير جوابرة إلى حادثة أخرى توضح مدى قسوة هذه العنصرية: “في حادثة أخرى، تلقيت طلبًا من بلدة رأس العين (روش هعاين)، وحين وصلت كانت تنتظرني شابة. ركبت السيارة، ولكن بعد مئات الأمتار طلبت النزول، وعندما سألتها عن السبب، قالت إنه بسبب أنني عربي. أنزلتها فورًا، وبعد دقائق قليلة تلقيت طلبًا آخر بنفس الاسم، واتضح لي أنها نفس الشابة”.
هذه الحوادث المتكررة جعلت جوابرة يفكر بترك مهنته، يقول إن “هذا النوع من الحوادث يتكرر بشكل شبه يومي، ويؤثر علينا نفسيًا. بعد حادثة عنصرية كهذه، أفكر في إنهاء يومي والعودة إلى المنزل. نحن نفقد مصدر رزقنا بسبب هويتنا وأسمائنا، وأحيانًا أفكر بترك هذا المجال تمامًا”.
مهران برانسي – الطيبة
يركز مهران برانسي على المشاكل التي يواجهها السائقون العرب في المطار تحديدًا، مشيرًا إلى أن العنصرية تبدأ منذ لحظة وصولهم إلى الحاجز. يقول إن “المطار يجسد مشكلة كبيرة بالنسبة للسائقين العرب. نتعرض للتوقيف على الحاجز قبل دخول المطار، على الرغم من أنهم يعرفونا سائقي سيارات أجرة، ومع ذلك يتم إيقافنا وفحص سياراتنا بشكل مهين، بينما يمر السائقون اليهود دون أي مساءلة”.
ويتابع برانسي بشرح ما يحدث بعد دخول المطار: “من جهة أخرى، نواجه العنصرية من الزبائن الذين يرفضون الركوب معنا، وأيضًا من حراس المطار الذين يتعاملون معنا بعنصرية”.
هذه التجارب المتكررة تسبب أذى نفسيا للسائقين. يقول برانسي إن “الكثير منا يتعرضون للأذى النفسي بسبب هذه العنصرية. نخرج إلى العمل يوميًا، ولكن بدلاً من أن نجد الاحترام، نسمع اتهامات وينعتونا بالمخربين والإرهابيين”.
كما يشير برانسي إلى خطورة التعرض للاعتداءات الجسدية: “الكثير من السائقين تعرضوا لاعتداءات جسدية. في بعض الحالات، يتم طلب سيارة أجرة لسائق عربي ويتم نصب كمين له ثم الاعتداء عليه، أو يتم تحطيم نوافذ السيارة”.
منذر خشب – قلنسوة
يوضح منذر خشب موقفه الحازم تجاه العنصرية التي يتعرض لها، ويقول: “أنا لا أريد أن أغيّر اسمي، أريد أن يبقى اسمي عربيًا، ومن يرغب بالركوب معي فأهلاً وسهلاً به، ومن لا يرغب بسبب هويتي، فلا مرحبًا به”.
ويضيف خشب أنه لا يقبل التحدث بالسياسة أو العنصرية في سيارته: “أنا لا أقبل أن يدخل أحد سيارتي ويتحدث بالسياسة أو يشتم العرب، ومن يفعل ذلك، أنزله فورًا من السيارة”.
يؤكد على حجم العنصرية التي يواجهها السائقون العرب بعد السابع من أكتوبر: “ما نواجهه من عنصرية بعد السابع من أكتوبر لا يُعقل. بشكل يومي نتعرض للعنصرية، ولا أحد يعلم حجم المعاناة التي نعانيها”.
ويختم خشب كلامه بتوضيح التأثير النفسي والجسدي والاقتصادي لهذه العنصرية: “نحن نتضرر نفسيًا وجسديًا واقتصاديًا. تخرج للعمل ولا تعلم مع أي نفسيات ستتعامل وأي عقول ستواجه”.
المصدر: عرب 48