الفأس في الرأس… ما العمل؟
كتبت في حينه وما زلت أؤكد أن اتفاق أوسلو يعتبر أكبر خطيئة سياسية في تاريخ القضية الفلسطينية. لقد كانت وما زالت سلطة رام الله حمل ثورة وُلدت معاقة مشوهة، ليس فيها من ملامح تلك الثورة سوى أنها تشبه أمراء دولة الفكهاني التي اغتالت ناجي العلي، ليبقى حنظلة شاهد عصر على ما يجري في جنين اليوم من اشتباكات وقتل متبادل، كمدخل لحرب أهلية مشابهة لما أتى بحماس لحكم وسلطة غزة. ومنذ ذلك الحين، أصبح الانشقاق وما نتج عنه من تداعيات كارثية سيد الموقف.
قد تبدو الصورة اليوم ملتبسة لأهل جنين في تحديد مع من يقفون بالضبط: مع المقاومة التي تدعم قطاع غزة المحاصر والذي يتعرض لحرب إبادة جماعية، أو مع السلطة التي تدعي أنها تسعى لتجنيب جنين والضفة الغربية مصير غزة المُخيف. وعلى الرغم من أن الطرح الذي تقدمه السلطة يبدو واقعيا، إلا أنه لا يعفيها من دورها حينما لم يُسمع لها موقف حازم بينما يُباد البشر والحجر في غزة.
نعم، إنه مشهد قاتم أن يُقتل الفلسطيني على يد أخيه. لقد تعلمت من التاريخ أن المقاومة الحقيقية، التي تكون صادقة مع شعبها، لا يمكن أن تتعايش مع الثورة المضادة إذا كانت الظروف تسمح لها بسحقها، وهو ما لا ينطبق على الوضع في جنين والضفة الغربية والوطن عموما. ولكنني تعلمت أيضا أن المقاومة إذا لم تكن واقعية وعقلانية في ظل ظروف الاستعمار، قد تقود شعبها إلى التهلكة. لذا، فإن من الإثم أن تكون المقاومة طرفا في حرب أهلية وهي تدرك أن مصير الضفة الغربية مهدد بمصير أبشع من غزة. وعليه ورغم فهمي لموقف المقاومة، إلا أنني لا أوافقها الرأي.
في هذا السياق، من العجيب أن يصمت الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطينية لفترة طويلة، فيما المستوطنون يعيثون خرابا وحرقا وقتلا في قرى ومدن الضفة الغربية. فجأة، انطلق لسانه ليصرح: “نطارد في جنين مجموعة من الخارجين عن القانون رهنوا أنفسهم لأجندات غير وطنية”. وقد عزز موقفه ما نقل عن رئيس المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج بقوله إن “الذي يريد علم إيران فليذهب إليها، والذي يريد علم أفغانستان فليذهب إليها. لن ننجر إلى المربع الذي يريده نتنياهو وسموتريتش باحتلال الضفة الغربية”. وكأن الضفة محررة حتى يحتلها نتنياهو. وقد دعم كلام ماجد فرج محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، في بيت عزاء إبراهيم القدومي، أحد عناصر الأمن الذين قتلوا خلال الاشتباكات في مخيم جنين، حين قال إن “عناصر الأمن يُقتلون على أيدي مجموعة من الخارجين عن القانون في مخيم جنين، والذين أصبحوا أداة في يد نتنياهو ليصنع في الضفة ما صنع في غزة.”
الخوف من عقدة غزة، رغم أن فيه من الواقعية السياسية والتفكير الإستراتيجي، لا يبرر بأي شكل من الأشكال سفك الدم الفلسطيني من أجل تغليب أجندات سياسية متعارضة مع الأهداف الوطنية. ما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الحرجة من حياته هو حوار وطني شامل بين جميع الفصائل والأطراف ذات العلاقة، سعياً لإنهاء حالة الانقسام السياسي والجغرافي. يمكن أن يتضمن هذا الحوار قضايا التحرر، الأمن، العدالة الاجتماعية، وظروف المعيشة، ويضع إستراتيجية واقعية لصمود الناس بين النهر والبحر تتعامل مع موازين القوى المختلة أصلاً قبل وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، ومعه مشروعه لتصفية القضية الفلسطينية المعروف بخطة “صفقة القرن”. كذلك يجب تشجيع المجتمع المدني على لعب دور أكبر في تعزيز الاستقرار وتعزيز قيم الحوار والتسامح، مما قد يكون له تأثير إيجابي على تخفيف التوترات الاجتماعية والسياسية.
خلاصة القول: ينبغي على القادة الفلسطينيين بين النهر والبحر وفي الشتات توحيد الصف حول إسناد غزة، واتخاذ خطوات استباقية لتقليل التصعيد الداخلي والصدام وتجنب حرب أهلية في الضفة الغربية، حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من لملمة جراحه وتنظيم صفوفه للدفاع عن حقوقه بعد ما توضع الحرب أوزارها في غزة، ويذوب الثلج ويبان المرج كم هو دامي وكارثي.
المصدر: عرب 48