Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

“الكرمل”.. الدروس المستفادة وآفاق المستقبل

شكلت قائمة “الكرمل”، التي خاضت انتخابات النقابة الطلابية في جامعة حيفا، نموذجًا بارزًا للعمل الطلابي الوحدوي، حيث جاءت نتيجة تحالف بين جفرا – التجمع الطلابي الديمقراطي، والجبهة الطلابية، وطلاب مستقلين.

هذه القائمة شددت على قوة الطلاب العرب وقدرتهم على مواجهة التحديات، واستعادة الثقة بالنفس بين أوساط الطلاب، خاصة بعد فترة عصيبة شهدت استهدافًا ممنهجًا للطلاب العرب على خلفية حرب الإبادة على شعبنا في غزة وحملة الترعيب والتسكيت والقمع للنشطاء في الداخل. على مستوى الطلاب، كانت تلك الفترة عصيبة مرفقة بالاعتقالات والملاحقات واللجان “التأديبية” للطلاب العرب، في محاولة لضرب إرادة جيل الشباب وإخماد صوته داخل الجامعات.

“الكرمل” والحالة الاستثنائية التي خلقتها

لم تكن “الكرمل” مجرد قائمة انتخابية في نقابة طلابية لجامعة عنصرية، بل أصبحت رمزًا لوحدة الصف الطلابي العربي. هذه التجربة أعادت الروح للحركة الطلابية، وأظهرت قدرة الطلاب العرب على تجاوز الانقسامات وتحدي الخوف وخلق نموذج وحدوي يتحدى العنصرية وسياسات التهميش. ما ميّز هذه التجربة هو الصدى الذي وصل إلى ما هو أبعد من أسوار الجامعة، ليشمل المجتمع العربي بأكمله، حيث تلقاها النشطاء والمثقفون كرسالة أمل بإمكانية إعادة بناء الحراك السياسي والاجتماعي في الداخل الفلسطيني.

أهمية وثقل الحركة الطلابية

من الدروس الأبرز التي قدمتها هذه التجربة هو الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها الحركة الطلابية، سواء على مستوى الموارد البشرية أو النضج الفكري. أظهرت “الكرمل” أن الحركة الطلابية قادرة على كسر حاجز الخوف وصياغة نموذج قيادي جماعي يعكس قوة طلابية وسياسية تصل إلى خارج الحرم الجامعي، لتصبح جزءًا من مشروع وطني أكبر.

الحركة الطلابية ليست مجرد نشاط طلابي محدود، بل هي امتداد لنضال سياسي طويل. تجربة “الكرمل” أكدت أن للطلاب دورًا محوريًا في مواجهة سياسات الإقصاء والتهميش، وفي صياغة خطاب وطني جامع يتحدى محاولات التفرقة العنصرية.

الصهيونية ورفض القيادة العربية

على الرغم من النجاح الرمزي الكبير الذي حققته “الكرمل” إلا أن الممارسات التي أعقبت الانتخابات في جامعة حيفا عكست عمق العنصرية الصهيونية، التي لا تقر إلا بالقيادة اليهودية، وترفض الوجود العربي أصلا، فكيف بها أن تقبله كلاعب وقائد لمؤسسة أو هيئة داخل جامعة إسرائيلية وفقا لمبدأ الفوقية اليهودية والاعتراف بتفوق العرق اليهودي.

رفض المؤسسة الصهيونية لأي تمثيل عربي في مواقع القيادة ليس جديدًا، ولكنه تجلى هنا بجلاء فاضح. جامعة حيفا، بتواطئها مع سياسات الإقصاء وإعطائها الشرعية للعصابة الفاعلة داخلها، أكدت أن مفهوم الديمقراطية الذي تروّج له يظل شكليًا عندما يتعلق بالعرب.

إدارة الجامعة، على مدار السنوات، لم تتردد في استهداف الطلاب العرب، مستخدمة وسائل مختلفة، بما في ذلك التلاعب بالنتائج لمنع أي قيادة عربية للنقابة. هذا التواطؤ يعكس ازدواجية واضحة: الجامعات التي تدّعي الليبرالية والانفتاح هي نفسها التي تكرّس السياسات العنصرية عندما يتعلق الأمر بتمكين الطلاب العرب.

الدروس المستفادة

تجربة “الكرمل” أبرزت أهمية الوحدة بين الحركات الطلابية المختلفة، حيث أظهرت أن توحيد الصفوف يمكن أن يواجه التحديات الكبرى، ويفرض وجودًا قويًا للطلاب العرب. كما أكدت النضج الفكري والتنظيمي الذي تجلى في هذا التحالف، إذ تمكن من تجاوز الخلافات وخلق رؤية وطنية مشتركة في مركزها مصلحة الطلاب العرب في الجامعة. علاوة على ذلك، أوضحت التجربة أن الحركة الطلابية ليست فقط قادرة على تحقيق إنجازات داخل الجامعة، بل يمكن أن تكون قاطرة للتغيير على المستوى السياسي والاجتماعي الأوسع.

فضح السياسات العنصرية والمخالفات القانونية الواضحة من قبل النقابة الحالية والتواطؤ من قبل إدارة الجامعة يعتبر من أبرز الدروس المستفادة، حيث يجب مواجهة هذه السياسات قانونيًا وإعلاميًا. كذلك، أكدت التجربة على أهمية تسييس الطلاب وتنظيمهم ليصبحوا قوة موحدة قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية.

لعل الدرس الأبرز في هذه التجربة هو كون محاولات كسر إرادة طلابنا وقتل الأمل فيهم بعد الحملة الأخيرة لم تنجح، كما فشلت مخططات متعددة منذ النكبة وحتى اليوم، فالطلاب استطاعوا أن يستردوا فاعليتهم وقدرتهم على النشاط والانخراط والحديث في السياسة والعمل الطلابي وكسر حاجز الخوف وزرع الأمل، فالانتخابات والانخراط الواسع فيها سواء من حيث الترشح أو التصويت لم تكن حالة شكلية فحسب، بل كانت تعبيرًا عن الغضب المكتنز في نفوس الطلاب جراء كل ما عانوه ودفعوا ثمنه من سياسيات عنصرية هدفت إلى كسرهم وجعلهم أجسادًا تتلقى شهادات، دون أي وعي أو انتماء أو موقف بالإمكان التعبير عنه، ومن الجدير بالذكر أن أول من بدأ هذه الحملة، وقادها هي جامعة حيفا بتعاون وطيد بين إدارتها وإدارة النقابة الحالية فيها.

ماذا بعد؟

إن ما حدث في جامعة حيفا يفرض علينا ضرورة الاستمرار في البناء على هذا الإنجاز. ينبغي متابعة التواطؤ الإداري قانونيًا وفضحه إعلاميًا، مع العمل على تعزيز التنظيم داخل الحركة الطلابية لتكون أكثر تأثيرًا وفاعلية. لا بد من جعل هذه التجربة قاعدة لانطلاقة جديدة تُرسّخ العمل الوحدوي بين الطلاب العرب، وتسعى لتعزيز الهوية الوطنية وصياغة خطاب يعكس طموحات الشباب الفلسطيني.

ختامًا، تجربة “الكرمل” ليست مجرد إنجاز عابر، بل هي بداية لمسار طويل يتطلب العمل المستمر والتراكم على النجاحات السابقة. يجب أن تكون هذه التجربة دافعًا لبناء حركة طلابية قوية قادرة على إحداث التغيير والتغلب على سياسات هندسة الوعي والأسرلة والترعيب والتخويف والعمل على بناء مستقبل أفضل لنا ولمجتمعنا، في إحدى أصعب المحطات التي يعيشها شعبنا منذ النكبة وحتى اليوم، بما يعزز مكانة الطلاب العرب في الجامعات، وفي المجتمع ككل. التحديات كبيرة، لكن الإرادة والعمل الجماعي قادران على تجاوزها، كما أثبتت “الكرمل”.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *