الكيانات العملاقة وتعاسة الموظّفين في القرن الـ21: أسباب ونتائج واضحة
ومن المعروف أنّ الشركات العملاقة لها تأثير سلبيّ على التوازن بين العمل والحياة للموظّفين، حيث تتمتّع العديد من الشركات بثقافة ساعات العمل الطويلة والضغط المرتبط بالعمل، ممّا قد يؤدّي إلى الإرهاق وقلّة الوقت للمهامّ الشخصيّة
في ظلّ الاقتصاد القائم على التعاملات التجاريّة بين الشركات الكبيرة، والسياسات التي تدعمها من مختلف حكومات العالم، تناقش دراسات عديدة تأثير هذه الكيانات العملاقة على سعادة الإنسان، حيث أظهرت تسبّبها بضرر كبير على رفاهيّة الإنسان والموظّفين، من تأثيرها على البيئة إلى مساهمتها في عدم المساواة في الدخل، إذ يمكن لهذه الكيانات أن تخلق شعورًا بالحرمان بين الأفراد، بالإضافة إلى فرض الضغط لتحقيق أهداف أداء غير واقعيّة، وساعات عمل طويلة، وانعدام الأمن الوظيفيّ، والتي تسهم جميعها في عدم رضا الموظّفين.
وبحسب دراسات، فإنّ إحدى الطرق الّتي تسبّب بها الشركات العملاقة التعاسة البشريّة هي من خلال تأثيرها على البيئة، ومن المعروف أنّ الشركات تساهم بشكل كبير في التلوّث البيئيّ، ممّا قد يؤدّي إلى نتائج صحّيّة سلبيّة للسكّان القريبين.
ووفقًا لدراسة نشرت في مجلّة Journal of Environmental Health عام 2019، فإنّ الأشخاص الّذين يعيشون بالقرب من المواقع الصناعيّة لديهم مخاطر أكبر للإصابة بمشاكل في الجهاز التنفّسيّ والسرطان بسبب الانبعاثات السامّة الصادرة عن الشركات. كما وجدت دراسة أخرى نشرت في المجلّة الأمريكيّة لعلم الاجتماع، أنّ الشركات الكبرى تميل إلى المساهمة في تركيز الثروة والسلطة بين النخبة، ممّا يؤدّي إلى زيادة عدم المساواة في الدخل، وهو ما يسبّب الشعور بالحرمان والإحباط بين أولئك الّذين ليسوا جزءًا من مجموعة النخبة.
وتمتلك العديد من الشركات هيكلًا هرميًّا حيث يتمتّع العمّال باستقلاليّة محدودة، وغالبًا ما يكون عملهم متكرّرًا ورتيبًا، حيث يؤدّي ذلك إلى الشعور بالانفصال عن عملهم وانعدام الهدف، وكانت دراسة نشرت في مجلّة علم نفس الصحّة المهنيّة الأميركيّة، وجدت أنّ الموظّفين الّذين عانوا من مستويات عالية من متطلّبات العمل وانخفاض مستويات التحكّم في الوظيفة كانوا أكثر عرضة للإرهاق الوظيفيّ، والّذي يتميّز بمشاعر الإرهاق العاطفيّ وتبدّد الشخصيّة.
وتتمثّل إحدى الطرق الّتي تساهم بها الشركات في تعاسة الموظّفين في الضغط لتحقيق أهداف أداء غير واقعيّة، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة الأعمال وعلم النفس أنّ الموظّفين الّذين تعرّضوا لضغط عالي الأداء يعانون من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب، ممّا قد يؤدّي إلى التعاسة.
ومن المعروف أنّ الشركات العملاقة لها تأثير سلبيّ على التوازن بين العمل والحياة للموظّفين، حيث تتمتّع العديد من الشركات بثقافة ساعات العمل الطويلة والضغط المرتبط بالعمل، ممّا قد يؤدّي إلى الإرهاق وقلّة الوقت للمهامّ الشخصيّة، إذ وجدت دراسة نشرت في مجلّة علم النفس التطبيقيّ الأميركيّة، أنّ الموظّفين الّذين عانوا من مستويات عالية من الصراع بين العمل والأسرة كانوا أكثر عرضة لتجربة الضغط النفسيّ، ممّا يؤدّي إلى التعاسة.
وغالبًا ما يتمّ انتقاد الشركات العملاقة بسبب افتقارها إلى الأمن الوظيفيّ، ومع العولمة والتقدّم التكنولوجيّ، تقوم العديد من الشركات بالاستعانة بمصادر خارجيّة للوظائف وأتمتّة المهامّ، ممّا يؤدّي إلى انعدام الأمن الوظيفيّ للعديد من الموظّفين، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة علم نفس الصحّة المهنيّة، أنّ الموظّفين الّذين عانوا من انعدام الأمن الوظيفيّ كانوا أكثر عرضة للتوتّر والقلق.
وبحسب دارسين، فإنّ أحد الحلول المحتملة لمعالجة هذه القضايا هو أن تعطي الشركات الأولويّة لرفاهية موظّفيها والمجتمعات الّتي تعمل فيها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تنفيذ السياسات الّتي تعزّز التوازن الصحّيّ بين العمل والحياة، وتقديم أجور ومزايا عادلة، وتحديد الأولويّات الاستدامة البيئيّة، وسنّ الحكومات للوائح تجعل الشركات مسؤولة عن تأثيرها على البيئة وموظّفيها، مثل وضع لوائح للحدّ من التلوّث وحماية المجتمعات المجاورة، وضمان ممارسات العمل العادلة، وتوفير الأمن الوظيفيّ للموظّفين.
المصدر: عرب 48