اللد والرملة.. 18 قتيلا خلال أقل من عام
منذ مطلع العام الجاري 2024 ولغاية اليوم، قُتل 152 مواطنا عربيا في البلاد من جراء جرائم إطلاق نار وطعن ودهس وتفجير مركبات، وسُجّلت في اللد 11 جريمة قتل، بينما شهدت الرملة 7 جرائم قتل.
من مكان جريمة قتل محمود أبو غانم بالرملة، الخميس الماضي
تحوّلت شوارع مدينتي اللد والرملة إلى ساحة حرب داخلية، على الرغم من الأوضاع الأمنية غير المستقرة في البلاد والحرب الدائرة في قطاع غزة، إذ أصبحت جرائم القتل بإطلاق النار والعبوات الناسفة مشاهد متكررة تُثير الرعب والذعر بين الأهالي.
وتعكس الأرقام والإحصاءات حجم المأساة التي ألمت بالمجتمع العربي عموما واللد والرملة على وجه الخصوص، فمنذ مطلع العام الجاري 2024 ولغاية اليوم، قُتل 152 مواطنا عربيا في البلاد من جراء جرائم إطلاق نار وطعن ودهس وتفجير مركبات، وسُجّلت في اللد 11 جريمة قتل، بينما شهدت الرملة 7 جرائم قتل، مما يشير إلى ارتفاع ملحوظ مقارنة بالعام الماضي.
وتشهد المدينتان تزايدا في جرائم قتل النساء، ففي الرملة لوحدها، تم تسجيل ثلاث جرائم قتل نساء منذ مطلع العام، دون أن يتم تقديم أي لوائح اتهام ضد القتلة، وكانت آخر القتيلات الضحية دعاء أبو زيد التي قتلت أمام بيتها في جريمة إطلاق نار.
ويعكس هذا الارتفاع في عدد جرائم القتل حالة الفلتان الأمني التي تعيشها منطقة وسط البلاد، إذ أصبحت حياة النساء مهددة بشكل غير مسبوق. وحالة الذعر التي تسود بين السكان العرب الفلسطينيين لا ترتبط فقط بالخوف من الجريمة كفعل فحسب، بل أيضا من تحوّل الشوارع إلى مناطق اشتباك مسلح بين عائلات ومنظمات الإجرام.
تضاؤل دور الشرطة وعجز السلطات
في الوقت الذي يتفاقم فيه الوضع الأمني، تبدو الشرطة الإسرائيلية عاجزة أمام محاربة الجريمة والمجرمين، في حين أن الجريمة المنظمة والنزاعات العائلية لا تتركان مجالا لاستعادة الشعور بالأمان، وعلى الرغم انتشار كاميرات المراقبة في كل زاوية في المدينتين، إلا أن هذه الوسائل التي أظهرت فاعليتها في القضايا الأمنية السياسية، كما في هبة الكرامة عام 2021، وتبدو غير مستغلة من قبل الشرطة بشكل كافٍ في الجرائم على خلفية جنائية، إذ تبين من المعطيات أن الشرطة اعتقلت مئات الشبان العرب على خلفية المشاركة بمظاهرات سياسية بعد استخدامها هذه التقنيات في الأعوام ما بعد هبة الكرامة، لكنها لم تقم بعملها بشكل كاف للقبض على مرتكبي جرائم القتل في المجتمع العربي.
الصراعات العائلية والعصابات الإجرامية
تشكل الصراعات العائلية الجزء الأكبر من خلفية جرائم القتل (بحسب الشرطة) في مدينتي اللد والرملة، لكنها ليست صراعات عادية، بل تتحول هذه النزاعات إلى مواجهات مسلحة ودموية بين العائلات أو بين أفراد داخل العائلات المتنازعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجرائم الانتقامية بين المنظمات الإجرامية تلعب دورا رئيسيا في تصاعد العنف وجرائم إطلاق النار أيضا. ووفقا للشرطة الإسرائيلية فإن الغالبية العظمى من الجرائم تُرتكب بدافع الانتقام، ومع ذلك، لا تنجح الشرطة بالتوصل للقتلة سوى في حالات نادرة اعتقلت بعض المشتبه بهم.
شهدت اللد والرملة في الآونة الأخيرة، وتحديدا ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أيضا ارتفاعا في استخدام العبوات الناسفة، وهو تطور خطير في سياق الجرائم المحلية بالمنطقة. ويستدل من المعطيات بأن جريمتين وقعتا في اللد والرملة بعد السابع من أكتوبر بانفجار عبوات ناسفة، الثانية قُتل فيها الشاب محمود أبو غانم يوم الخميس الماضي. وتُعزى هذه الظاهرة إلى قرب المدينتين من المنظمات الإجرامية اليهودية التي تعد المصدر الأول لهذه العبوات، حيث تُهرّب من معسكرات الجيش الإسرائيلي. ويُشكل هذا الانتشار تهديدا إضافيا للسكان ما يزيد من حالة الفوضى وإصابة الأبرياء.
الخوف من التجول في الشارع
قالت الناشطة المجتمعية والسياسية، فداء شحادة، لـ”عرب 48″ إنه “في السنوات العشر الأخيرة تصدرت اللد قائمة الجرائم. لم يتم فحص أسباب الجريمة أو بناء خطة إشفاء للمجتمع العربي في المدينة. تعريف اللد مدينة مختلطة هو على الورق فقط، فبلدية اللد تعطي خدمات لجانب واحد في المدينة، والمجتمع العربي لا يتلقى خدمات أساسية، أحياء عربية بدون تخطيط وهي مكتظة وفقيرة وبنية تحتية غير متوفرة”.
وأضافت أن “اللد تتبوأ المرتبة الأولى من حيث جرائم القتل في البلاد وتجارة السموم. هذا يؤكد أن سبب الجريمة هو عدم وجود أي خيارات أمام الشاب العربي باللد، خيارات مثل العمل والسكن تكاد معدومة، وهذا يجبر الكثير من الشباب على اللجوء لعصابات الإجرام، وأيضا يجعلهم في حالة إحباط دائم تؤدي إلى حالات عنف وقتل قد تكون على أتفه الأسباب. اليوم اللد بلد غير آن، لا يمكن التجول فيها دون خوف بأن تكون أنت الضحية القادمة بسبب الرصاص اليومي في الأحياء العربية”.
على الرغم من خطورة الوضع، لم يشهد سكان اللد والرملة أي تدخل جاد من وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، والذي أطلق شعارات محاربة الجريمة في المجتمعين العربي واليهودي. وعلى الرغم من أن وزارته مسؤولة عن حماية المجتمع، فإنه لم يقم بزيارة المدينتين إلا مرة واحدة بعد السابع من أكتوبر 2023، وكان ذلك بدعوة من سكان يهود في اللد “تضايقوا من صوت إطلاق النار”، مما زاد من إحساس السكان العرب بالتهميش والإهمال. المعطيات والإحصاءات على أرض الواقع تشير إلى فشل ذريع لوزارة بن غفير، والذي يصفه بعض المسؤولين بالإهمال المتعمد.
بالإضافة إلى حالة الفوضى الأمنية، تأتي سياسات رئيس بلدية اللد، يائير رفيفو، لتزيد من تعقيد الوضع، حيث يعتمد على طرق غير تقليدية لمحاربة “الجريمة”، والتي تتخذ طابعاً عنصرياً في كثير من الأحيان. إحدى هذه الطرق تتمثل في التعاون مع الشرطة لتنفيذ عمليات هدم للبيوت العربية، مدعيا أن هذه المنازل تعود لعائلات متورطة في الجريمة. في الأشهر الأخيرة، نشرت الشرطة بيانات تصدرها بعد عمليات الهدم تشير دائما إلى أن العائلات المتضررة لها صلات بالأنشطة الإجرامية، مما يخلق خلطا غير دقيق بين الجريمة وهدم المنازل.
هذا النهج الخطير ليس فقط غير سليم، بل يفتح الباب أمام استغلال السلطة لتنفيذ مزيد من أوامر الهدم تحت ذريعة مكافحة الجريمة. وبما أن هذه الادعاءات غالبا ما تكون صعبة التحقق، تصبح عمليات الهدم وسيلة سهلة لفرض عقوبات جماعية دون الحاجة إلى إجراءات قانونية واضحة. يمكن للشرطة، استنادا إلى هذه الذريعة الفضفاضة، تنفيذ هدم أي منزل في المدينة، مما يعمق أزمة السكن التي يعاني منها السكان العرب.
تبدو اللد والرملة في مواجهة مفتوحة مع العنف والجريمة، في الوقت الذي تُرك السكان لوحدهم دون قوة تحميهم. ارتفاع عدد الضحايا، انتشار العبوات الناسفة، واستمرار الصراعات العائلية والمنظمات الإجرامية، كلها مؤشرات تؤكد أن الوضع يسير نحو مزيد من التعقيد. في ظل غياب التدخل الحكومي العاجل، والضعف الواضح في استجابة الشرطة، تبقى شوارع اللد والرملة تعيش حالة من الخوف والتوتر، في انتظار حلول يبدو أنها لن تظهر في الوقت القريب.
أسماء الضحايا منذ مطلع العام في اللد والرملة
بلغ عدد ضحايا جرائم القتل في اللد والرملة، منذ مطلع العام ولغاية اليوم، 18 قتيلا: محمد أبو غانم – اللد، وسامية أبو غانم – الرملة، وفارس شعبان – اللد، وسامي السعدي – اللد، وهلال مصراتي – اللد، ومحمود العيسوي – اللد، وطوني منصور – الرملة، ومازن حمادة – اللد، وإيمان أبو غانم – الرملة، وعلي مصراتي – اللد، وإبراهيم موسى الحن – اللد، ومالك أبو غانم – الرملة، وأيمن أبو قطيفان – اللد، وسميح الجليلي – اللد، وسامر مصراتي – اللد، ومروان أبو صبيح – الرملة، ودعاء أبو زيد – الرملة، ومحمود علي أبو غانم – الرملة.
المصدر: عرب 48