اللّهمّ لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا… نوائبنا في الكنيست
من يتذكّر وينشغل بنوائبنا في الكنيست والشعب الفلسطينيّ يباد في غزّة كلّ دقيقة؛ فهم ليسوا من الأهمّيّة حتّى يخطروا في بال أحد في هذه الظروف؛ لكنّهم يصرّون على “الإبداع” وتشويه الثقافة السياسيّة والوعي العامّ، مرّة بتصريحات هي وصمة عار في جبين سيرتنا الوطنيّة، ومرّة بنشر فيديوهات تسعى لمزاحمة فيديوهات عماد الفراجين في تيك توك (مع الاحترام والتقدير له)، وهي كلّها سلوكيّات تؤكّد الإفلاس السياسيّ ليس بسبب السابع من أكتوبر، بل منذ ما قبله، وهي إصرار على تأجيل إعلان الرحيل السياسيّ.
ونوائبنا هي جمع لكلمة نائبة، وهي المصيبة الشديدة “ما ينزل بالرجل من الكوارث والحوادث المؤلمة”؛ لكنّ نوائبنا في الكنيست ليست كارثة من السماء ولا قضاء وقدرًا، وقد انتُخبوا من المواطنين العرب في انتخابات ديمقراطيّة، لكنّهم يخوّنون هذا المواطن الّذي انتخبهم ويستهترون به، وأكبر دليل على ذلك فيديوهات “المؤثّر” في تيك توك مؤخّرًا، والنائب لأكثر من عشرين عامًا، الّذي يقوم فكره وخطابه السياسيّ على قدمين: “سكر نيعك” و”سدّ بوزك”، ومؤخّرًا طوّر فكره بمصطلح جديد “كلّ كلب بيجيه يومه”.
وبذلك أكون قد بدأت بالسهل، بالمؤثّر على تيك توك؛ لكنّ مشكلة خطاب “سكّر – سدّ” (خطاب السين – سين)، ليست أنّها شعبويّة وغير مضحكة، ولا ترفع منسوب الشعور الوطنيّ، بل إنّها تخريبيّة، إذ تخرّب الثقافة السياسيّة والوعي، وتستند إلى “عقيدة” بأنّ الشعب تافه ومتعطّش للتفاهة والصراخ و”الطوشات”؛ وهو بالتأكيد ليس تعبيرًا عن موقف، وبالأحرى عن موقف وطنيّ، ولا يصوغ ويشكّل رأيًا عامًّا، ولا يعبّر عن مشاعر الناس الحقيقيّة، تحديدًا في ظلّ الإبادة في غزّة. فالتعبير عن مشاعر ووجدان الناس لا يكون بتتفيهها واختزالها بطوشة برلمانيّة مع بن غفير وبأنّ “كلّ كلب بيجيه يومه”.
هذا استغلال لمشاعر وألم وكرب الناس بهدف الاستثمار الانتخابيّ. فمثلما هناك صحافة صفراء، تعتقد أنّ القرّاء متعطّشون للدماء، فهناك سياسة صفراء.
الأمر الثاني، وهو الأصعب والأكثر ضررًا، فهو تصريح رئيس قائمة الجبهة، أيمن عودة، لقناة إسرائيليّة بأنّ السابع من أكتوبر هو وصمة عار في جبين نضال الشعب الفلسطينيّ، وسط صمت الجبهة وقادتها عن هذا التصريح، الّذي هو عمليًّا تبني للدعاية الصهيونيّة، ووصف ما حدث بالمذبحة، وليس إدانة لما حصل يومها من انتهاكات، والّتي أدانتها ورفضتها حركة حماس في وثيقة رسميّة نشرتها باللغتين العربيّة والإنجليزيّة.
لا يستحقّ هؤلاء في هذه الظروف مقالًا في هذا الموقع المحترم، لكنّ سلوكيّاتهم السياسيّة، وفي هذه الظروف يجب أن تكشف وتنتقد. فالأوّل لا حزب ولا رقيب له؛ لكنّ الثاني المفترض أنّه رئيس قائمة لحزب عريق، فهل يمثّل ما صرّح به موقف الحزب؟ سيقال إنّ الكلام أخرج من سياقه، ولحقه كلام كثير وطنيّ؛ لكن هل بنظر هذا الحزب السابع من أكتوبر وصمة عار في جبين نضال الشعب الفلسطينيّ حقًّا؟ هل هذا هو السياق الوحيد لما حصل يومها؟ الصمت على هذا التصريح غير مبرّر، وذلك ليس من باب المزايدة، وإنّما من باب استكشاف المواقف.
ثانيًا، هل هذا الموقف يعبّر عن مواقف ناخبي الجبهة؟ وأيمن عودة؟ ربّما يعبّر عن مواقف ثلّة من صهاينة اليسار “اليهوديّ – العربيّ”.
بالإمكان نقد وانتقاد قرار كتائب القسّام تنفيذ عمليّة “طوفان الأقصى” وما تبعها، لكن أن يلعب نائب في برلمان دور المؤرّخ للنضال الفلسطينيّ أقلّ ما يقال فيه إنّه مسخرة كارثيّة.
من الواضح أنّ أيمن عودة ومنصور عبّاس (يبدو أنّه منشغل هذه الأيّام بتشكيل لجنة صلح بين غانتس وساعر أو نتنياهو وغالانت) حسما مكانهما تاريخيًّا.
إنّ صمت الجبهة على تصريح عودة، أو حتّى توضيحه، يحيل إلى أمر تكرّر مؤخّرًا، وهو ضغط بعض الأكاديميّين والمثقّفين في كلّ لقاء وندوة للتجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ، بأنّ عليه أن يتحالف مع الجبهة في الانتخابات المقبلة، ولم نر ولم نسمع منهم أيّ نقد لمثل هذه التصريحات والسلوكيّات لرئيس قائمة الجبهة، فالتحالف يجب أن يبنى أوّلًا على تفاهم سياسيّ، واستخلاص العبر من تجارب سابقة، فهذا واجب أخلاقيّ، لأنّ ما حصل مع التجمّع في الانتخابات الأخيرة من خيانة وغدر لا يمكن المرور عليه دون نقد واعتراف بالخطأ لخطورته على ثقافتنا السياسيّة والوطنيّة.
المصدر: عرب 48